الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1197 - مسألة؛ قال: (وَإِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ بالِغَةً رَشِيدةً، أَوْ صَغِيرَةً عَقَدَ عَلَيهَا أبُوهَا، فَأَىُّ صَداقٍ اتَّفَقُوا عَلَيْه فَهُوَ جَائِزٌ، إِذَا كَانَ شَيْئًا لَهُ نِصْفٌ يُحَصَّلُ)
فى هذه المسألة ثلاثةُ فصول:
أحدها:
أنَّ الصَّدَاقَ غيرُ مُقَدَّرٍ، لا أقَلُّه ولا أكْثَرُه، بل كلُّ ما كان مالًا جاز أن يكونَ صَدَاقًا. وبهذا قال الحسنُ، وعَطاءٌ، وعمرُو بن دِينارٍ، وابنُ أبى لَيْلَى، والثَّوْرِىُّ، والأَوْزَاعىُّ، واللَّيْثُ، والشَّافِعِىُّ، وإسْحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وداودُ. وزَوَّجَ سعيدُ بن المُسَيَّبِ ابْنَتَه بدِرْهَمَيْنِ، وقال: لو أصْدَقَها سَوْطًا لَحَلَّتْ. وعن سعيدِ بن جُبَيْرٍ، والنَّخَعِىِّ، وابنِ شُبْرُمةَ، ومالكٍ، وأبى حنيفةَ: هو مُقَدَّرُ الأقَلِّ. ثم اخْتَلَفُوا، فقال مالكٌ وأبو حنيفةَ: أقَلُّه ما يُقْطَعُ به السَّارِقُ. وقال ابن شُبْرُمةَ: خَمْسَةُ دَرَاهِم. وعن النخعىِّ: أرْبَعُونَ دِرْهَمًا. وعنه عِشْرُونَ. وعنه رَطْلٌ من الذَّهَبِ. وعن سعيدِ بن جُبَيْرٍ: خَمْسُونَ دِرْهَمًا. واحْتَجَّ أبو حنيفةَ بما رُوِىَ عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:"لَا مَهْرَ أقَلُّ مِنْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ"(1). ولأنَّه يُسْتَباحُ به عُضْوٌ، فكان مُقَدّرًا كالذى يقْطَعُ به السارِقُ. ولَنا، قولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم للذى زَوَّجَه:"هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَىْءٍ تُصْدِقُهَا؟ " قال: لا أَجِدُ. قال: "الْتَمِسْ، وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيد". مُتَّفَقٌ عليه (2). وعن عامرِ بن رَبِيعةَ، أَنَّ امرأةً من بنى فَزَارةَ، تَزَوَّجَتْ على نَعْلَيْنِ، فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أَرَضِيتِ مِنْ نَفْسِكِ ومَا لكِ بِنَعْلَيْنِ؟ "(3) قالت: نعم. فأجَازَه. أخرجه أبو داودَ، والتِّرْمِذىُّ (4)، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وعن جابرٍ، أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْطى امْرَأَةً صَدَاقًا مِلْءَ يَدِهِ طَعَامًا، كَانَتْ لَهُ حَلَالًا". روَاه الإِمامُ
(1) أخرجه الدارقطنى، فى: باب المهر، من كتاب النكاح. سنن الدارقطنى 3/ 245.
(2)
تقدم تخريجه فى: 8/ 137.
(3)
فى الأصل: "على نعلين".
(4)
تقدم تخريجه فى: 9/ 384.
أحمدُ، فى "المُسْنَدِ"(5). وفى لَفْظٍ عن جابرٍ، قال: كُنَّا نَنْكِح على عَهْدِ رَسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم على القَبْضَةِ من الطَّعَامِ. روَاه الأَثْرَمُ (6). ولأنَّ قولَ اللَّهِ عز وجل: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} (7). يَدْخُلُ فيه القَلِيلُ والكَثِيرُ. ولأنَّه بَدَلُ (8) مَنْفَعَتِها، فجاز ما تَرَاضَيَا عليه من المالِ، كالعَشرَةِ وكالأُجْرةِ. وحَدِيثُهم غيرُ صحيح، روَاه مُبَشِّرُ (9) بن عُبَيْدٍ، وهو ضَعِيفٌ، عن الحَجَّاجِ بنِ أرْطاةَ، وهو مُدَلِّسٌ. وروَوْه (10) عن جابرٍ، وقد رَوَيْنا عنه خِلافَه. أو نَحْمِلُه على مَهْرِ امْرأةٍ بعَيْنِها، أو على الاسْتِحْبابِ. وقِياسُهم لا يَصِحُّ؛ فإنَّ النِّكاحَ اسْتِباحةُ الانْتِفَاعِ بالجُمْلةِ، والقَطْعُ إِتْلافُ عُضْوٍ دُونَ اسْتِباحَتِه، وهو عُقُوبةٌ وحَدٌّ، وهذا عِوَضٌ، فقِياسُه على الأعْواضِ أوْلَى. وأمَّا أكْثَرُ الصَّداق، فلا تَوْقِيتَ فيه، بإجْماعِ أهلِ العلمِ. قالَه ابنُ عبدِ البَرِّ. وقد قال اللَّهُ عز وجل:{وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} (11). ورَوَى أبو حَفْصٍ بإسْنادِه، أَنَّ عُمَرَ أصْدَقَ أُمَّ كُلْثُومَ ابنةَ علىٍّ أَربَعِينَ أَلْفًا (12). وعن عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه أنَّه قال: خَرَجْتُ وأنا أُرِيدُ أن أنْهَى عن كَثْرةِ الصَّداقِ، فذَكَرْتُ هذه الآية:{وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} (13). قال أبو صالحٍ: القِنْطارُ مائةُ رِطْلٍ. وقال أبو سعيدٍ الخُدْرِىّ: مِلْءُ مَسْكِ ثَوْرٍ (14) ذَهَبًا. وعن مجاهدٍ: سَبْعُونَ أَلْفَ مِثْقالٍ.
(5) المسند 3/ 355.
(6)
وأخرجه الدارقطنى، فى: باب المهر، من كتاب النكاح. سنن الدارقطنى 3/ 243.
(7)
سورة النساء 24.
(8)
فى ب زيادة: "على".
(9)
فى م: "ميسرة". وانظر ترجمة مبشر فى: تهذيب التهذيب 10/ 32، 33.
(10)
فى الأصل: "وروى".
(11)
سورة النساء 20.
(12)
أخرجه البيهقى، فى: باب لا وقت فى الصداق كثر أو قل، من كتاب الصداق. السنن الكبرى 7/ 233.
(13)
أخرجه البيهقى، فى: باب لا وقت فى الصداق كثر أو قل، من كتاب الصداق. السنن الكبرى 7/ 233. وسعيد بن منصور، فى: باب ما جاء فى الصداق. السنن 1/ 166، 167. وعبد الرزاق، فى: باب غلاء الصداق، من كتاب النكاح. المصنف 6/ 180.
(14)
مسك ثور: جلده.