الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأجْناسِ، لا عَدَدَ له. ولَنا، أَنَّ الماءَ تَتَعَدَّد أنْواعُه وقَطَرَاته، والتُّرابُ تَتَعَدَّدُ أنواعُه وأجْزاؤُه، فأشْبَهَ الحَصَا. وإن قال: يا مائةَ طالقٍ. أو: أنتِ مائةُ طالقٍ. طَلُقَتْ ثلاثًا. وإِنْ قال: أنتِ طالقٌ كمائةٍ أو ألفٍ. فهى ثلاثٌ. قال أحمدُ، فى مَن قال: أنت طالقٌ كألفِ تَطْليقةٍ: فهى ثلاثٌ. وبه قال محمدُ بنُ الحسنِ، وبعضُ أصْحابِ الشّافعىِّ. وقال أبو حنيفةَ، وأبو يوسفَ: إنْ لم تَكُنْ له نِيَّة، وَقَعَتْ واحدةٌ؛ لأنَّه لم يُصَرِّح بالعَدَدِ، وإنَّما شَبَّهَها بالألْفِ (9)، وليس المُوقَعُ المُشَبَّهَ (10) به. ولَنا، أَنَّ قولَه: كألفٍ. تشبيهٌ بالعَدَدِ خاصَّةً؛ لأنَّه لم يَذْكُر إلَّا ذلك، فوَقَعَ العددُ، كقولِه: أنتِ طالقٌ، كعددِ ألفٍ. وفى هذا انفصالٌ عَمَّا قالَ. وإِنْ قالَ: أردتُ أنَّها طَلْقةٌ كألفٍ فى صُعُوبَتِها. دِينَ. وهل يُقْبَلُ فى الحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ على روايتَيْنِ.
فصل:
وإِنْ قال: أنتِ طالقٌ مِن واحدةٍ إلى ثلاثٍ. وَقَعَ طَلْقتانِ. وبهذا قال أبو حنيفةَ؛ لأنَّ ما بعدَ الغايةِ لا يَدْخُل فيها، كقوله تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (11). وإنَّما يَدْخُل إذا كانت بمعنى مع، وذلك خلافُ مَوْضوعِها. وقال زُفَر: يقعُ طَلْقةً؛ لأنَّ ابْتِداءَ الغايةِ ليس منها، كقولِه: بِعْتُك مِن هذا الحائطِ إلى هذا الحائطِ. وقال أبو يوسفَ، ومحمدٌ: يَقَعُ الثَّلاثُ؛ لأنَّه نَطَقَ بها، فلم يَجُزْ إلْغاؤُها. ولَنا، أَنَّ ابْتِداءَ الغايةِ يَدْخُل، كما لو قال: خَرَجْتُ مِن البَصْرَة. فإنَّه يَدُلُّ على أنَّه كان فيها، وأمَّا انتهاءُ الغايةِ فلا يَدخلُ بمُقْتضَى اللَّفْظ، ولو احْتَمَل دخولَه وعَدَمَ دُخولِه، لم نُجزِ الطَّلاقَ بالشَّكِّ. وإِنْ قال: أنتِ طالقٌ ما بينَ واحدةٍ وثلاثٍ. وَقَعَتْ واحدةٌ؛ لأَنَّها التى بينَهما.
فصل: فإن قال: أنتِ طالقٌ طلقةً فى اثنتَيْنِ. أو: واحدةً فى اثنتين. وَنوَى به
(9) فى ب: "بألف".
(10)
فى م: "للشبه".
(11)
سورة البقرة 187.
ثلاثًا، فهى ثلاثٌ؛ لأنَّه يُعَبَّرُ بفى عن "مع"، كقوله:{فَادْخُلِى فِى عِبَادِي} (12). فتقديرُ الكلامِ، أنتِ طالقٌ طلقةً مع طلقتَيْنِ. فإذا أقرَّ بذلك على نفسِه، قُبِلَ منه. وإن قال: أردتُ واحدةً. قُبِلَ أيضًا، حاسبًا كان أو غَيْرَ حاسبٍ. وقال القاضى: إذا كان عارفًا بالحسابِ.، لم يُقْبَل منه، ووقَعَ طَلْقتانِ؛ لأنَّه خلافُ ما اقْتضاه اللَّفْظُ. ولَنا، أنَّه فَسَّر كلامَه بما يَحْتَمِلُه، فإنَّه لا يَبْعُدُ أَنْ يُرِيدَ بكلامِه ما يريدُه العامِّىُّ. وإِنْ لم تَكُن له نِيَّةٌ، وكان عارفًا بالحسابِ، وَقَعَ طَلْقَتانِ. وقال الشَّافِعِىُّ (13): إنْ أطْلَقَ، لم يَقَع إلَّا واحدةٌ؛ لأنَّ لفْظَ الإِيقاعِ إنمَّا هو لَفْظُ (14) الواحدةِ، وما زادَ عليها لم يَحْصُل فيه لفظُ الإِيقاعِ، وإنَّما يَقَعُ الزَّائِدُ بالقَصْد، فإذا خَلا عن القَصْدِ، لم يَقَعْ إلَّا ما أوْقَعَه. وقال بعضُ أصْحابِه كَقَوْلِنا. وقال أبو حنيفةَ: لا يَقَعُ إلَّا واحدةٌ، سواءٌ قَصَدَ به الحِسابَ أَوْ لَم يَقْصِدْ، اذا لم يَقْصِدْ به واحدةً مع اثْنَتَيْنِ؛ لَأَنَّ الضَّرْب إنَّما يَصِحُّ فيما لَهُ مِسَاحةٌ، فَأَمَّا ما لا مِسَاحَةَ له فلا حَقِيقَةَ فيه للحِسَابِ، وإنَّما حَصَلَ منه الإِيقاعُ فى وَاحِدَةٍ، فوَقَعَتْ دُونَ (15) غيرِها. ولَنا، أَنَّ هذا اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ فى اصْطِلاحِهِمْ لِاثْنَتَيْنِ، فَإذَا لَفَظَ به وأَطْلَقَ، وَقَعَ، كما لو قال: أنْتِ طالقٌ اثْنَتَيْنِ. وبهذا يَحْصُلُ الانْفِصَالُ عمَّا قالَه الشَّافِعِىُّ، فإنَّ اللفظَ الموضوعَ لا يُحْتَاجُ مَعَه إلى نِيَّةٍ. فأمَّا ما قالَه أبو حنيفة، فإنَّما ذلك فى وَضْعِ الحِسَابِ فِى الأصْلِ، ثُمَّ صَارَ مُسْتَعْمَلًا فِى كُلِّ مَالَه عَدَدٌ، فَصَارَ حَقِيقَةً فيه، فأمَّا الجاهِلُ بِمُقْتَضَى ذلك فى الحِسابِ إذا أطْلَقَ، وَقَدَت طَلْقَة وَاحِدَةٌ؛ لِأن لَفْظَ الإِيقاعِ إنَّما هو [لَفْظَة واحِدَة](16)، وإنَّما صَارَ مَصْرُوفًا إلى الاثْنَتَيْنِ بِوَضْعِ أَهْلِ الحِسابِ. واصْطِلَاحِهِمْ، فَمَنْ لا يَعْرِفُ اصْطِلَاحَهم لا يَلْزَمُه مُقْتَضَاه، كَالْعَرَبِىِّ
(12) سورة الفجر 29.
(13)
فى م: "القاضى". خطأ.
(14)
فى م: "بلفظ".
(15)
سقط من: م.
(16)
فى أ: "لفظ واحد".