الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَرْشَه؛ لأنَّ صَداقها صحيحٌ. وإن لم تَعْلمْ عَيْبَه حتى سَلمتْ نَفسَها، خُرِّج على الوَجْهَيْن فيما إذا سَلَّمتْ نفسَها قبلَ قَبْض صَداقِها (16) ثم بَدَا لها أن تَمْتَنِعَ. وكل مَوْضعٍ قُلْنا: لها الامْتِناعُ من تَسْليمِ نفْسِها. فلها السَّفَرُ بغيرِ إذنِ الزَّوْجِ؛ لأنَّه لم يَثْبُتْ للزَّوْجِ عليها حَقُّ الحَبْسِ، فصارَتْ كَمَنْ لا زَوْجَ لها. ولو بَقِىَ منه دِرْهَمٌ، كان كبَقاءِ جَمِيعِه؛ لأنَّ كل مَنْ ثَبَتَ له الحَبْسُ بجميعِ البَدَلِ، ثَبتَ له الحَبْسُ ببَعْضِه، كسائرِ الدُّيُونِ.
فصل:
وإن أعْسَرَ الزَّوْجُ بالمهرِ الحالِّ قبلَ الدُّخولِ، فلها الفَسْخُ؛ لأنَّه تَعَذَّرَ الوُصُولُ إلى عِوَض العقدِ قبلَ تَسْليمِ المُعَوَّض، فكان لها الفَسْخُ، كما لو أعْسَرَ المُشْتَرِى بالثمنِ قبلَ تَسْليمِ المبيعِ. [وأجاز ابنُ حامدٍ أنَّه لا فَسْخَ لها](17). وإن أعسرَ بعدَ الدُّخولِ، فعلى وَجْهَيْنِ، مَبْنِيَّينِ على مَنْعِ نَفْسِها، فإن قُلْنا: لها مَنْعُ نَفْسِها بعدَ الدُّخولِ. فلها الفَسْخُ كما قبلَ الدُّخولِ، وإن قُلْنا: ليس لها مَنْعُ نفسِها. فليس لها الفَسْخُ، كما لو أفلَسَ بدَيْنٍ لها آخَرَ (18). ولا يجوزُ الفَسْخُ إلا بحُكْمِ حاكِمٍ؛ لأنَّه مُجْتَهَدٌ فيه.
1214 - مسألة؛ قال: (وإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى صَداقَينِ سِرٍّ وعَلَانِيةٍ، أُخِذَ بالعَلَانِيَة، وَإِنْ كَانَ السِّرُّ قَد انْعَقَدَ بِهِ النِّكَاحُ)
ظاهرُ كلامِ الخِرَقِى، أن الرجلَ إذا تزوَّجَ المرأةَ فى السرِّ بمَهْرٍ، ثم عَقَدَ عليها فى العَلَانِيَةِ بمهرٍ آخرَ، أنَّه يُؤخَذُ بالعَلانِيَةِ. وهذا ظاهرُ قولِ أحمدَ، فى رِوايةِ الأَثْرَمِ. وهو
(16) فى أزيادة: "كالأول".
(17)
سقط من: أ، ب، م.
(18)
فى أ، م:"لآخر".
قولُ الشَّعْبِىِّ، وابنِ أبى لَيْلَى، والثَّورىِّ، وأبى عُبَيْدٍ. وقال القاضى: الواجبُ المهرُ الذى انْعَقَدَ به النِّكاحُ سِرًّا كان أو عَلانِيةً. وحمل كلام أحمدَ والخِرَقِىِّ على أَنَّ المرأةَ لم تُقِرَّ بنِكاحِ السِّرِّ، فثَبَت (1) مَهْرُ العَلَانِيَةِ؛ لأنَّه الذى ثَبَتَ به النِّكاحُ. وهذا قولُ سعيدِ بن عبد العزيزِ، وأبى حنيفةَ، والأوْزَاعىِّ، والشافعىِّ. ونحوُه عن شُرَيْحٍ، والحسنِ، والزُّهْرِىِّ، والحَكَمِ بن عُتَيْبةَ (2)، ومالكٍ، وإسحاقَ؛ لأنَّ العَلانِيَةَ ليس بعَقْدٍ، ولا يتعلَّقُ به وُجُوبُ شىءٍ. ووَجْهُ قولِ الخِرَقِىِّ، أنَّه إذا عَقَدَ فى الظَّاهرِ عَقْدًا بعدَ عَقْدِ السِّرِّ، فقد وُجِدَ منه بَذْلُ الزَّائِدِ على مهرِ السِّرِّ، فيَجِبُ ذلك عليه، كما لو زادَها على صَداقِها. ومُقْتَضَى ما ذكرناهُ (3) من التَّعْليلِ لكلامِ الْخِرَقِىِّ، أنَّه إن كان مهرُ السِّرِّ أكثَرَ من العَلانِيَةِ، وجَبَ مهرُ السرِّ؛ لأنَّه وجَبَ عليه بعَقْدِه، ولم تُسْقِطْه العَلانِيَةُ، فبَقِىَ وجُوبُه، فأمَّا إن اتَّفَقَا على أن المهرَ ألْفٌ، وأنَّهما يَعْقِدانِ العَقْدَ بألفَيْنِ تَجَمُّلًا، ففَعَلا (4) ذلك، فالمهرُ أَلْفانِ؛ لأنَّها تَسْمِيةٌ صحيحةٌ فى عَقْدٍ صحيحٍ، فوَجَبَتْ، كما لو لم يتَقَدَّمْها اتِّفاقٌ على خِلافِها. وهذا أيضًا قولُ القاضى، ومذهبُ الشافعىِّ. ولا فَرْقَ فيما ذكرناه بين أن يكونَ السِّرُّ من جِنْسِ العَلانِيَةِ، نحو أن يكونَ السِّرُّ ألفًا والعَلانِيَةُ ألْفَينِ، أو يكُونا من جِنْسيْنِ، مثل أن يكونَ السِّرُّ مائةَ دِرْهمٍ والعَلانِيَةُ مائةَ دِينارٍ. وإذا قُلْنا: إنَّ الواجبَ مهرُ العَلانِيَة. فيُسْتَحَبُّ للمرأةِ أن تَفِيَ للزَّوْجِ بما وَعَدَتْ به، وشَرَطَتْه على نَفْسِها، من أنها لا تأخُذُ إلَّا مهرَ السِّرِّ. قال أحمدُ، فى رواية ابنِ منصورٍ: إذا تزوجَ (5) امرأةً فى السِّرِّ بمهرٍ، وأعْلَنُوا مَهْرًا، يَنْبَغِى لهم أن يَفُوا، ويُؤْخَذَ بالعَلانِيَةِ. فاسْتَحَبَّ الوفاءَ بالشَّرطِ، لئلَّا يَحْصُلَ منهم غُرُورٌ، ولأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:"المُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِم"(6). وعلى قولِ القاضى، إذا ادّعَى الزَّوْجُ عَقْدًا فى السرِّ انْعَقَدَ به النِّكاحُ،
(1) فى أ، م:"فيثبت".
(2)
فى النسخ: "عيينة". وهو الحكم بن عتيبة الكندى. تقدم فى: 3/ 449.
(3)
فى م: "ذكرنا".
(4)
فى أ، ب، م:"ففعل".
(5)
فى الأصل، ب:"زوج".
(6)
تقدم تخريجه فى: 6/ 30.