الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ الرَّجْعَةِ
وهى ثَابِتَةٌ بِالكتابِ والسُّنَّةِ والْإِجْماعِ؛ أَمَّا الْكتابُ فقولُ اللَّهِ سبحانه وتعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} إلى قولِه: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِى ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} (1). والمُرادُ بِهِ الرَّجْعَةُ عندَ جَماعَةِ العُلماءِ وَأَهْلِ التَّفْسِيرِ. وقال تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (2). أَى بِالرَّجْعَةِ، ومَعْناه إذا قَارَبْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ، أى انْقِضاءَ عِدَّتِهِنَّ. وأمَّا السُّنَّةُ، فما رَوَى ابنُ عمرَ، قال: طَلَّقْتُ امْرَأتِى وهى حَائِضٌ، فسَألَ عمرُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، فقال:"مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا". مُتَّفَقٌ عليه (3). ورَوَى أبو دَاوُدَ (4)، عن عمرَ، قال: إنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم طَلَّقَ حَفْصَةَ، ثمَّ رَاجَعَهَا. وأجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ الْحُرَّ إِذَا طَلَّق الْحُرَّةَ دُونَ الثَّلَاثِ، أو الْعَبْدَ إِذا طَلَّقَ دُونَ الاثْنَتَيْنِ، أَنَّ لهما الرَّجْعَةَ فى العِدَّةِ. ذَكَرَهُ ابْنُ المُنْذِرِ.
1289 - مسألة؛ قال: (وَالزَّوْجَةُ إِذَا لَمْ يُدْخَلْ بِها، تُبِينُهَا تَطْلِيقَةٌ، وَتُحَرِّمُهَا الثَّلَاثُ مِنَ الْحُرِّ، وَالِاثْنَتَانِ مِنَ العَبْدِ)
أجْمَعَ أهلُ الْعِلْمِ على أَنَّ غيرَ الْمَدْخولِ بِها تَبِينُ بطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلا يَسْتَحِقُّ
(1) سورة البقرة 228.
(2)
سورة البقرة 231.
(3)
تقدم تخريجه، فى: 1/ 444.
(4)
فى: باب فى المراجعة، من كتاب الطلاق. سنن أبى داود 1/ 531.
كما أخرجه ابن ماجه، فى: باب حدثنا سويد بن سعيد، من كتاب الطلاق. سنن ابن ماجه 1/ 650. والدارمى، فى: باب فى الرجعة، من كتاب الطلاق. سنن الدارمى 2/ 160، 161.
مُطَلِّقُهَا رَجْعَتَهَا؛ وذلك لأَنَّ الرَّجْعَةَ إنَّما تكونُ فى الْعِدَّةِ، ولا عِدَّةَ قبلَ الدُّخُولِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} (1). فبَيَّنَ اللَّهُ سبحانَهُ أَنَّهُ لا عِدَّةَ عليها، فتَبِينُ بِمُجَرَّدِ طَلاقِهَا، وتَصِيرُ كَالْمَدْخُولِ بها بعدَ انْقِضاءِ عِدَّتِها، لا رَجْعَةَ عليها، ولا نَفقَةَ لها. وإِنْ رَغِبَ مُطَلِّقُهَا فيها فهو خاطِبٌ مِن الْخُطَّابِ، يِتَزَوَّجُها بِرِضَاها [بِنِكاحٍ جَدِيدٍ](2)، وتَرْجِعُ إليه بطَلْقَتَيْنِ. وإِنْ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ، ثُمَّ تَزَوَّجَها، رَجَعَتْ إليه بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ، بِغيرِ خِلافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَإِنْ طَلقَها ثَلاثًا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ (3)، حَرُمَتْ عليهِ حتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غيرَه، فى قَوْلِ أَكْثَرِ أهلِ الْعِلْمِ. وقد ذَكَرْنا ذلك فيما مَضَى. وَلا خِلافَ بينهم فِى أَنَّ المُطَلَّقَةَ ثَلاثًا بعدَ الدُّخُولِ، لا تَحِلُّ له حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غيرَهُ، لِقَوْلِ اللَّهِ سبحانَه:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (4). ورَوَتْ عائشةُ: أَنَّ رِفاعَةَ الْقُرَظِىَّ طَلَّقَ امْرأَتَهُ، فبَتَّ طَلاقَها، فتَزَوَّجَتْ بعدَهُ عبدَ الرحمنِ بنَ الزُّبَيْرِ، فجاءَتْ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقالتْ: إنَّها كانَتْ عندَ رِفَاعَةَ، فَطَلَّقَها آخِرَ ثَلاثِ تَطْلِيقَاتٍ، فتَزَوَّجَتْ بعدَهُ بِعبدِ الرحمنِ بنِ الزُّبَيْرِ، وإنَّهُ واللَّهُ ما معه إِلَّا مِثْلُ هذه الْهُدْبَةِ. وَأَخَذَتْ بِهُدْبَةٍ مِنْ جِلْبابِها. قالتْ: فتَبَسَّمَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضاحِكًا، وقال:"لَعَلَّكِ تُرِيِدينَ أَنْ تَرْجِعِى إلَى رِفَاعَةَ؟ لَا، حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ، وَتَذُوقِى عُسَيْلَتَهُ". مُتَّفَقٌ عليه (5). وفى إِجْماعِ أهلِ العِلْمِ على هذا غُنْيَةٌ عن الإِطالَةِ فيه. وجُمْهُورُ أهلِ العِلْمِ على أَنَّها لا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حتَّى يَطَأَهَا الزَّوْجُ الثَّانِى وَطْئًا يُوجَدُ فيه الْتِقَاءُ الخِتَانَيْنِ، إِلَّا أَنَّ سعيدَ بْنَ المُسَيَّبِ مِن بَينهمْ قال: إِذا
(1) سورة الأحزاب 49.
(2)
فى الأصل: "نكاحا جديدا".
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
سورة البقرة 230.
(5)
تقدم تخريجه فى صفحة 53.