الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
إِذَا اخْتلَفا، فقال الزَّوجُ: لم أنْوِ الطَّلاقَ بلفظِ الاخْتيارِ وأمرُكِ بيدِك. وقالت: بل نَوَيْتَ. كان القوُل قولَه؛ لأنَّه أعلمُ بِنِيَّتِه، ولا سبيلَ إلى مَعْرفتِها (23) إِلَّا مِن جِهَتِه، ما لم يَكُنْ جوابَ سؤالٍ، أو معها دَلالةُ حالٍ. وإن قال: لم تَنْوِى (24) الطَّلاقَ باخْتِيارِكِ (25) نفسَك. وقالتْ: بل نَوَيْتُ. فالقولُ قولُها؛ لما ذكَرْناه. وإن قالتْ: قد اخْتَرْتُ نفسِى. وأنْكَرَ وجودَ الاخْتيارِ منها، فالقولُ قولُه؛ لأنَّه مُنْكِرٌ له، وهو ممَّا يُمْكِنُه عِلْمُه، ويُمْكِنُها إقامةُ البَيِّنَةِ عليه، فأشْبَهَ ما لو علَّقَ طلاقَها على دُخولِ الدَّار، فادَّعَتْه، فأنْكَرَه.
فصل: إذا قال لزَوْجتِه: أنتِ علىَّ حرامٌ. وأطلقَ، فهو ظِهَارٌ. وقال الشَّافعىُّ: لا شىءَ عليه. وله قولٌ آخَرُ: عليه كفارةُ يَمِينٍ، وليس بِيَمِينٍ. وقال أبو حنيفةَ: هو يَمينٌ. وقد رُوِىَ ذلك عن أبى بكرٍ، وعمرَ بنْ الخطّابِ، وابنِ مسعودٍ، رَضِىَ اللَّه عنهم. وقال سعيدٌ (26): حدَّثنا خالدُ بنُ عبدِ اللَّهِ، عن جُوَيْبِرٍ، عن الضَّحَّاكِ، أَنَّ أبا بكرٍ، وعمرَ، وابنَ مسعودٍ قالوا فى الحرامِ: يمينٌ. وبه قال ابنُ عبّاسٍ، وسعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، وسعيدُ بنُ جُبَيرٍ. وعن أحمدَ ما يدَلُّ. على ذلك؛ لأنَّ اللَّه تعالى قالَ:{لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (27). ثم قال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (28). وقال ابنُ عباس: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (29). ولأنَّه تَحْريمٌ للحلالِ، أشْبَهَ تحريمَ الأَمَةِ. ولَنا، أنَّه تَحْريمٌ للزَّوجةِ بغيرِ طَلاقٍ، فوَجَبَتْ به كفَّارةُ
(23) فى أ، ب، م:"معرفته".
(24)
فى النسخ: "تنو".
(25)
فى ب، م:"باختيار".
(26)
فى: باب البتة والبرية والحلية والحرام، من كتاب الطلاق. السنن 1/ 389.
كما أخرجه ابن أبى شيبة، فى: باب من قال: الحرام يمين وليست بطلاق، من كتاب الطلاق. المصنف 5/ 74.
(27)
سورة التحريم 1.
(28)
سورة التحريم 2.
(29)
سورة الأحزاب 21.
الظِّهارِ، كما لو قال: أنتِ علىَّ (30) حرامٌ كظهرِ أُمِّى. فأمَّا إن نَوَى غيرَ الظِّهارِ، فالمَنْصُوصُ عن أحمدَ، فى روايةِ جماعةٍ، أنَّه ظِهارٌ، نَوَى الطَّلاقَ أو لم ينْوِه. وذكَرَه الخِرَقِىُّ فى موضعٍ غيرِ هذا. وممَّن قال إنَّه ظهارٌ؛ عثمانُ بنُ عفانَ، وابنُ عبّاسٍ، وأبو قِلَابَةَ، وسعيدُ بنُ جُبَيرٍ، وميمونُ بنُ مِهْرَانَ، والبَتِّىُّ. رَوَى الأثْرَمُ، بإسنادِه عن ابنِ عبَّاسٍ، فى الحرامِ، أنَّه تَحْرِيرُ رَقَبةٍ، فإن لم يَجِدْ فصيامُ شهرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، أو إطْعامُ سِتِّينَ مسكينًا (31). ولأنَّه صَرِيحٌ فى تَحْرِيمِها، فكان ظِهارًا، وإن نَوَى غيرَه، كقوله: أنتِ علىَّ كظهرِ أُمِّى. وعن أحمد؛ أنَّه إذا نَوَى به (32) الطَّلاقَ، كان طلاقًا. وقال (33): إذا قال: ما أحَلَّ اللَّهُ علىَّ (34) حَرامٌ. يَعْنِى به الطَّلاقَ، أخافُ أن يكونَ ثلاثًا، ولا أُفْتِى به. وهذا مثلُ قولِه فى الكناياتِ الظَّاهرةِ، فكأنَّه جَعلَه مِن كناياتِ الطَّلاقِ، يَقَعُ به الطَّلاقُ إذا نَوَاه. ونقلَ عنه البَغَوِىُّ (35) فى رجلٍ قال لامرأتِه: أمْرُكِ بيدِكِ. فقالتْ: أنا عليك حَرامٌ. فقد حُرِّمَتْ عليه. فجعلَه منها كنايةً فى الطَّلاقِ، فكذلك مِن الرَّجلِ. واختارَه ابنُ عَقِيلٍ. وهو مذهبُ أبى حنيفةَ، والشَّافعىِّ. ورُوِىَ ذلك عن ابنِ مسعودٍ. وممن رُوِىَ عنه أنَّه طلاقُ ثلاثٍ؛ عَلِىٌّ، وزيدُ بنُ ثابتٍ، وأبو هُرَيْرةَ، والحَسَنُ البَصْرِىُّ، وابنُ أبى لَيْلَى. وهو مذهبُ مالكٍ فى المَدْخُولِ بها؛ لأنَّ الطَّلاقَ نوعُ تَحْريمٍ، فصحَّ أن يُكْنَى به عنه، كقولِه: أنتِ بائنٌ. فأمَّا إن لم يَنْوِ الطَّلاقَ، فلا يَكونُ طلاقًا بحالٍ؛ لأنَّه ليس بصَرِيحٍ فى الطَّلاقِ، فإذا لم يَنْوِ معه، لم يَقَعْ به طلاقٌ، كسائرِ الكناياتِ. وإن قُلْنا: إنَّه كنايةٌ فى الطَّلاقِ. وَنوَى به، فحُكْمُه حُكْمُ الكناياتِ
(30) سقط من: الأصل، أ.
(31)
وأخرجه عبد الرزاق، فى: باب الحرام، من كتاب الطلاق. المصنف 6/ 404.
(32)
سقط من: ب، م.
(33)
سقطت الواو من: الأصل، ب، م.
(34)
فى ب، م:"عن".
(35)
عبد اللَّه بن محمد بن عبد العزيز. انظر: طبقات الحنابلة 1/ 190.
الظَّاهرةِ، على ما مَضَى من الاخْتلافِ فيها. وهو قولُ مالكٍ، وأبى حنيفةَ، والشَّافعىِّ، كلٌّ على أصْلِه، ويُمْكِنُ حَمْلُه على الكناياتِ الخفِيَّةِ إذا قُلْنا: إنَّ الرَّجْعةَ (36) مُحرَّمَةٌ؛ لأنَّ أقلَّ ما تَحْرُمُ به الزَّوجةُ طلقةٌ رَجْعِيَّةٌ، فحُمِلَ على اليقينِ. وقد رُوِىَ عن أحمدَ ما يَدلُّ عليه؛ فإنَّه قال: إذا قال: أنتِ علىَّ حَرامٌ، أعنى به طلاقًا. فهى واحدةٌ. ورُوِىَ هذا عن عمرَ بنِ الخطَّابِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، والزُّهْرِىِّ. وقد رُوِىَ عن مَسْروقٍ، وأبى سَلَمَةَ ابنِ عبدِ الرَّحمنِ، والشَّعْبِىِّ: ليس بشىءٍ؛ لأنَّه قولٌ هو كاذبٌ فيه. وهذا يَبْطُلُ بالظِّهارِ؛ فإنَّه مُنْكَرٌ مِنَ القَوْلِ وزُورٌ، وقد أوْجَبَ (37) الكفَّارةَ، ولأنَّ هذا إيقاعٌ للطَّلاقِ، فأشْبَهَ قولَه: أنتِ بائنٌ. أو أنتِ طالقٌ. ورُوِىَ عن أحمدَ، أنَّه إذا نَوَى اليمينَ كان يمينًا. فإنَّه قال، فى روايةِ مُهَنَّا: إنَّه إذا قال: أنتِ علىَّ حرامٌ. وَنوَى يَمِينًا، ثم ترَكَها أربعةَ أشْهُرٍ، قال: هو يمِينٌ، وإنَّما الإِيلاءُ أن يَحْلِفَ باللَّهِ أن لا يَقْرَبَ امرأتَه. فظاهرُ هذا أنَّه إذا نَوَى اليمينَ كانت يمينًا. وهذا مذهبُ ابنِ مسعودٍ، وقولُ أبى حنيفةَ، والشَّافعىِّ. وممَّن رُوِىَ عنه: عليه كفّارةُ يَمِينٍ. أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ، وعمرُ، وابنُ عبّاسٍ، وعائشةُ، وسعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، والحسنُ، وعَطاءٌ، وطاوُسٌ، وسليمانُ بنُ يَسارٍ، وقتادة، والأوْزَاعىُّ. وفى المُتَّفَقِ عليه (38)، عن سعيد بنِ جبَيرٍ، أنَّه سمِعَ ابنَ عبَّاسٍ يَقولُ: إذا حرَّم الرَّجلُ عليه امرأتَه، فهى يَمِينٌ يُكَفرُها. وقال:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (39). ولأنَّ اللَّه تعالى قال: {يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا
(36) فى الأصل، أ:"الرجعية".
(37)
فى ب، م:"وجبت".
(38)
أخرجه البخارى، فى: باب: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} ، من كتاب الطلاق. صحيح البخارى 7/ 56. ومسلم، فى: باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته ولم ينو الطلاق، من كتاب الطلاق. صحيح مسلم 2/ 1100.
كما أخرجه ابن ماجه، فى: باب الحرام، من كتاب الطلاق. سنن ابن ماجه 1/ 670. والإمام أحمد، فى: المسند 1/ 225. والبيهقى، فى: باب من قال لامرأته: أنت على حرام. من كتاب الخلع والطلاق. السنن الكبرى 7/ 350.
(39)
سورة الأحزاب 21.