الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قِبَلِها، لا تجبُ به مُتْعةٌ؛ لأنَّها أقِيمَتْ مُقامَ نِصْفِ المُسَمَّى، فسَقَطَتْ فى موضع يَسْقُطُ، كما تَسْقُطُ الأبدالُ بما يُسْقِطُ مُبْدلَها.
فصل:
قال أبو داود: سَمِعْتُ أحمدَ سُئِلَ عن رجلٍ تزَوَّجَ امرأةً، ولم يَكُنْ فَرَضَ لها مَهْرًا، ثم وَهَبَ لها غُلامًا، ثم طَلَّقها قبلَ الدُّخولِ. قال: لها المُتْعةُ. وذلك لأنَّ الهِبَةَ لا تَنْقَضِى بها المُتْعةُ، كما لا يَنْقَضِى بها نِصْفُ المُسَمَّى، ولأنَّ المُتْعةَ إنَّما تجبُ بالطَّلاقِ، فلا يَصِحُّ قَضاؤُها قبلَه، ولأنَّها واجِبةٌ، فلا تنْقَضِى بالهِبَةِ، كالمُسَمَّى.
1207 -
مسألة؛ قال: (عَلَى المُوسِعِ (1) قَدَرُهُ، وَعَلَى المُقْتِرِ قَدَرُهُ، فأعْلَاهُ خَادِمٌ، وأَدْناهُ كُسْوَةٌ يَجُوزُ لَهَا أنْ تُصَلِّىَ فِيهَا، إلَّا أنْ يَشَاءَ هُوَ أن يَزِيدَهَا، أو تَشَاءَ هِىَ أَنْ تَنْقُصَهُ)
وجملةُ ذلك أَنَّ المُتْعةَ مُعْتَبرةٌ بحالِ الزَّوْجِ، فى يَسارِه وإعْسارِه. نَصَّ عليه أحمدُ. وهو وَجْهٌ لأصْحابِ الشافعىِّ. والوجهُ الآخرُ قالوا: هو مُعْتَبَرٌ بحالِ الزَّوْجةِ؛ لأنَّ المهرَ مُعْتبَرٌ بها، كذلك المُتْعةُ القائمةُ مَقامَه. ومنهم مَن قال: يُجْزِئُ فى المُتْعةِ ما يَقَعُ عليه الاسمُ، كما يُجْزِئُ فى الصَّداقِ ذلك. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى:{عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} (2). وهذا نَصٌّ فى أنَّها مُعْتبرَةٌ بحالِ الزَّوْجِ، وأنها تَخْتَلِفُ، ولو أجْزَأ ما يَقَعُ عليه الاسمُ سَقَطَ الاختلافُ، ولو اعْتُبِرَ بحالِ المرأةِ لَما كان على المُوسِعِ قَدَرُهُ وعلى المُقْتِرِ قَدَرُه. إذا ثبَت هذا فاخْتلَفتِ الرِّوايةُ عن أحمدَ فيها؛ فرُوِىَ عنه مثلُ قولِ الخِرَقِىِّ، أعْلاهَا خَادِمٌ، هذا إذا كان مُوسِرًا، وإن كان فقيرًا مَتَّعَها كُسْوتَها دِرْعًا وخِمارًا وثَوْبًا تُصَلِّى فيه. ونحوَ ذلك قال ابنُ عباسٍ، والزُّهْرِىُّ، والحسنُ. قال ابنُ عباسٍ: أعْلَى المُتْعةِ الخادِمُ، ثم دُونَ ذلك النَّفَقَةُ، ثم دُونَ ذلك الكُسْوةُ. ونحوَ ما ذكَرْنا فى أدْناها قال
(1) فى الأصل: "الموسر".
(2)
سورة البقرة 236.
الثَّوْرِىُّ، والأَوْزَاعىُّ، وعَطاءٌ، ومالكٌ، وأبو عُبَيْدٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ، قالوا: دِرْعٌ وخِمارٌ ومِلْحَفَةٌ. والرِّواية الثانية: يُرْجَعُ فى تقديرِها إلى الحاكمِ. وهو أحدُ قولى الشافعىِّ؛ لأنَّه أمْرٌ لم يَرِد الشَّرْعُ بتَقْدِيرِه، وهو ممَّا يَحْتاجُ إلى الاجْتهادِ، فيجبُ الرُّجُوعُ فيه إلى الحاكمِ، كسائرِ المُجْتهدَاتِ. وذكر القاضى، فى "المُجَرَّدِ" روايةً ثالثةً: أنها مُقَدَّرَةٌ بما يُصادِفُ نِصْفَ مهرِ المثلِ؛ لأنَّها بَدَلٌ عنه، فيَجِبُ أن تتَقَدَّرَ به. وهذه الرِّوايةُ تَضْعُفُ لِوَجْهَيْنِ؛ أحدهما، أن نَصَّ الكتابِ يَقْتَضِى تقديرَها بحالِ الزَّوْجِ، وتقديرُها بنصْفِ [مَهْرِ المِثْلِ](3) يُوجِبُ اعتبارَها بحالِ المرأةِ؛ لأنَّ مهرَها مُعْتَبَرٌ بها لا بزَوْجِها. الثانى، أنَّا لو قَدَّرْناها بِنِصْفِ المهرِ [لَكانت نِصْفَ المهرِ](4)، إذ ليس المهرُ مُعَيَّنًا فى شىءٍ ولا المُتْعةُ. ووجهُ قولِ الخِرَقِىِّ قولُ ابنِ عباسٍ: أعْلَى المُتْعةِ الخادِمُ، ثم دُونَ ذلك الكُسْوَةُ. رواه أبو حَفْصٍ بإسْنادِه (5). وقَدَّرَها بكُسْوةٍ تجوزُ لها الصلاةُ فيها؛ لأنَّ الكُسْوةَ الواجبةَ بمُطْلَقِ الشَّرْعِ تتَقَدَّرُ بذلك، كالكُسْوةِ فى الكَفَّارةِ، والسُّتْرةِ فى الصلاةِ. ورَوَى كُنَيْفٌ السُّلَمِىُّ، أنَّ عبدَ الرحمن بن عَوْفٍ طَلَّقَ امرأتَهُ تُماضِرَ الكَلْبِيّةَ، فَحَمَّمَها بجارِيةٍ سَوْداءَ. يعنى مَتَّعَها (6). قال إبراهيمُ النَّخعِىُّ: العَرَبُ تُسَمِّى المُتْعةَ التَّحْمِيمَ. وهذا فيما إذا تَشَاحَّا فى قَدْرِها، فإن سَمَحَ لها بزيادةٍ على الخادِمِ، أو رَضِيَتْ بأقلَّ من الكُسْوةِ، جاز؛ لأنَّ الحَقَّ لهما، لا يَخْرُجُ عنهما، وهو ممَّا يجوزُ بَذْلُه، فجاز ما اتّفَقَا عليه، كالصَّداقِ. وقد رُوِىَ عن الحَسنِ بن علىٍّ، رَضِىَ اللَّه عنهما، أنَّه مَتَّعَ امرأةً بعَشْرةِ آلافِ دِرْهمٍ، فقالت:
* مَتَاعٌ قَلِيلٌ من حَبِيبٍ مُفارِقِ (7) *
(3) فى الأصل، أ:"المهر".
(4)
سقط من: ب.
(5)
وأخرجه ابن أبى شيبة، فى: باب ما قالوا فى أرفع المتعة وأدناها، من كتاب الطلاق. المصنف 5/ 156، 157.
(6)
أخرجه أبو عبيد، فى غريب الحديث 4/ 15.
(7)
أخرجه الدارقطنى، فى كتاب الطلاق والخلع والإيلاء. سنن الدارقطنى 4/ 31. والبيهقى، فى: باب ما جاء فى إمضاء الطلاق الثلاث وإن كنّ مجموعات، من كتاب الطلاق. السنن الكبرى 7/ 336.