الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
ويَجِبُ المهرُ للمُفَوّضةِ بالعَقْدِ، وإنَّما يَسْقُطُ إلى المُتْعةِ بالطَّلاقِ. وهذا مذهبُ أبى حنيفةَ. واختلفَ أصحابُ الشافعىِّ؛ فمنهم مَن قال: الصحيحُ أنَّه يجبُ بالعقدِ. وقال بعضُهم: لا يجبُ بالعقدِ، قولًا واحدًا. ولا يجىءُ على أصلِ الشافعىِّ غيرُ هذا؛ لأنَّه لو وَجَبَ بالعَقْدِ لَتَنَصَّفَ بالطَّلاقِ، كالمُسَمَّى فى العَقْدِ. وَلنا، أنَّها تَمْلِكُ المطالبةَ به، فكان واجبًا، كمالمُسَمَّى، ولأنَّه لو لم يَجِبْ بالعَقْدِ، لمَا اسْتَقَرَّ (10) بالموتِ، كما فى العَقْدِ الفاسدِ، ولأنَّ النِّكاحَ لا يجوزُ أن يَخْلُوَ عن المَهْرِ، والقولُ بعَدَمِ وُجُوبِه يُفْضِى إلى خُلُوِّه عنه، وإلى أَنَّ النِّكاحَ انْعَقَدَ صحيحًا ومَلَكَ الزوجُ الوطءَ ولا مَهْرَ فيه، وإنَّما لم يتَنَصَّفْ؛ لأنَّ اللَّه تعالى نَقَلَ غيرَ المُسَمَّى لها بالطلاقِ إلى المُتْعةِ، كما نَقَلَ مَن سَمَّى لها إلى نِصْفِ المُسَمَّى لها. واللَّهُ أعلمُ. فعلَى هذا لو فَوَّضَ (11) الرجلُ مَهْرَ أَمَتِه، ثم أعْتَقَها أو باعَها، ثم فُرِضَ لها المهرُ، كان لمُعْتِقِها أو بَائِعِها؛ لأنَّ المهرَ وجبَ بالعقدِ فى مِلْكِه [وإنَّما الفَرْضُ عنه](12). ولو فَوّضَتِ المرأةُ نَفْسَها، ثم طالبَتْ بفَرْضِ مَهْرِها بعدَ تغَيُّرِ مَهْرِ مِثْلِها، أو دَخَلَ بها، لوَجَبَ مهرُ مِثْلِها حالةَ العَقْدِ؛ لما ذكَرْناه. ووافَقَ أصحابُ (13) الشافعىِّ على ذلك؛ لأنَّ الوُجوبَ يَسْتَنِدُ إلى حالةِ العَقْدِ، إلَّا فى الأَمَةِ التى أعْتَقَها أو باعَها، فى أحدِ الوَجْهَيْنِ.
فصل: ويجوزُ الدُّخولُ بالمرأةِ قبلَ إعْطائِها شيئًا، سواءٌ كانت مُفَوّضةً أو مُسَمَّى لها. وبهذا قال سعيدُ بن المُسَيَّبِ، والحسنُ، والنَّخَعىُّ، والثَّوْرِىُّ، والشافعىُّ. ورُوِىَ عن ابنِ عباسٍ، وابنِ عمرَ، والزُّهْرِىِّ، وقَتادةَ، ومالكٍ: لا يَدْخُلُ بها حتى يُعْطِيَها شيئا. [قال الزهرىُّ: مَضَتِ السُّنَّةُ أنْ لا يَدْخُلَ بها حتى يُعْطِيَها شيئا](14). قال ابنُ عباسٍ:
(10) فى الأصل: "استقرت".
(11)
فى م، والأصل:"فرض".
(12)
سقط من: أ، ب، م.
(13)
سقط من: ب.
(14)
سقط من: الأصل.
يَخْلَعُ إِحْدَى نَعْلَيْه، ويُلْقِيها إليها (15). وقد رَوَى أبو داودَ (16)، بإسنادِه عن رَجُلٍ من أصْحابِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ عَلِيًّا لما تَزَوَّجَ فاطمةَ، أراد أن يَدْخُلَ بها، فمَنَعه رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى يُعْطِيهَا شيئا، فقال: يا (17) رسولَ اللَّه، ليس لى شىءٌ. فقال له النبىُّ صلى الله عليه وسلم:"أَعْطِها دِرْعَكَ". فأعْطاها دِرْعَه، ثم دَخَلَ بها. وروَاه ابنُ عباسٍ أيضًا، قال: لما تزوَّجَ علىٌّ فاطمةَ، قال له رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أعْطِهَا شَيْئًا". قال: ما عِنْدِى. قال: "أيْنَ دِرْعُكَ الحُطَمِيَّةُ (18)؟ ". رَوَاه أبو داودَ، والنَّسائىُّ (19). ولَنا، حَدِيثُ عُقْبةَ بن عامرٍ، فى الذى زَوجَه النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم، ودَخَلَ بها (20) ولم يُعْطِها شيئًا (21). ورَوَتْ عائشةُ، قالتْ: أمرنى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أن أُدْخِلَ امرأةً على زَوْجِها، قبلَ أن يُعْطيهَا شيئًا. روَاه ابنُ ماجَه (22). ولأنه عِوَضٌ فى عَقْدِ مُعاوَضةٍ، فلم يَقفْ جَوازُ تَسْلِيمِ المُعَوَّضِ (23) على قَبْضِ شىءٍ منه، كالثمنِ فى البَيْعِ، والأُجْرَةِ فى الإِجارَةِ. وأمَّا الأخْبارُ فمَحْمُولةٌ على الاسْتِحْبابِ، فإنَّه يُسْتَحَبُّ أن يُعْطِيهَا قبلَ الدُّخولِ شيئًا، مُوافَقةً للأخْبارِ، ولعادَةِ الناس فيما بينهم، ولِتَخْرُجَ المُفَوّضةُ عن شِبْهِ المَوْهُوبةِ،
(15) أخرجه سعيد بن منصور، فى: باب ما جاء فى الرجل يتزوج المرأة فيدخل بها قبل أن يفرض شيئا. السنن 1/ 199.
(16)
فى: باب فى الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئا، من كتاب النكاح. سنن أبى داود 1/ 490، 491.
(17)
سقط من: م.
(18)
سميت بذلك لأنها تحطم السيوف.
(19)
أخرجه أبو داود، فى: باب فى الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئا، من كتاب النكاح. سنن أبى داود 1/ 490. والنسائى، فى: باب تحلة الخلوة، من كتاب النكاح. المجتبى 6/ 105.
كما أخرجه الإمام أحمد، فى: المسند 1/ 80.
(20)
فى أ، ب، م:"عليها".
(21)
تقدم تخريجه فى صفحة 98.
(22)
فى: باب الرجل يدخل بأهله قبل أن يعطيها شيئا، من كتاب النكاح. سنن ابن ماجه 1/ 641.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقدها شيئا، من كتاب النكاح. سنن أبى داود 1/ 491.
(23)
فى م: "العوض".