الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَداقًا، كالمَنافعِ المُحَرَّمةِ، فعلى هذا يكونُ حُكْمُه حُكْمَ ما لو أصْدَقَها خَمْرًا ونحوه، يكونُ لها مهرُ المثلِ أو نِصْفُه إن طَلَّقَها قبلَ الدُّخولِ، أو المُتْعةِ عند مَنْ يُوجِبُها فى التَّسْمِيَةِ الفاسِدةِ. وعن أحمدَ، روايةٌ أُخْرَى، أَنَّ التَّسْمِيَةَ صحيحةٌ؛ لأنَّه شَرَطَ فِعْلًا لها فيه نَفْعٌ وفائدةٌ، لما يَحْصُلُ لها من الرَّاحةِ بطَلَاقِها من مُقَاسَمتِها، وضَررِها، والغَيْرةِ منها، فصَحَّ صَداقًا (32)، كعِتْقِ أبِيها، وخياطةِ قَمِيصِها، ولهذا صَحَّ بَذْلُ العِوَضِ فى طَلاقِها بالخُلْعِ. فعلى هذا، إن لم يُطَلِّقْ ضَرتها، فلها مثلُ صَداقِ الضَّرَّةِ؛ لأنَّه سَمَّى لها صَداقًا لم يَصِلْ إليه، فكان لها قِيمَتُه، كما لو أصْدَقَها عبدًا، فخَرَجَ حُرًّا. ويَحْتَمِلُ أَنَّ لها مَهْرَ مِثْلِها؛ لأنَّ الطَّلاقَ لا قِيمَةَ له. وإن جَعَلَ صَداقَها أن طَلاقَ ضَرَّتِها إليها إلى سنةٍ، فلم تُطَلِّقْها، فقال أحمدُ: إذا تزوَّجَ امرأةً، وجَعَلَ طَلاقَ الأُولَى مَهْرَ الأخرَى إلى سنةٍ أو إلى وقتٍ، فجاء الوقتُ ولم تَقْضِ شيئًا، رَجَعَ الأمرُ إليه. فقد أسْقَطَ أحمدُ حَقَّها؛ لأنَّه جَعَلَه لها إلى وقتٍ، فإذا مَضَى الوقتُ ولم تَقْضِ فيه شيئًا، بَطَلَ تَصَرُّفُها كالوَكِيلِ، وهل يَسْقُطُ حَقُّها من المهرِ؟ فيه وَجْهان، ذكَرهما أبو بكرٍ؛ أحدهما، يَسْقُطُ؛ لأنَّها ترَكَتْ ما شَرَطَ لها باخْتيارِها، فسَقَطَ حقُّها، كما لو تزَوَّجَها على عبدٍ فأعْتَقَتْه. والثانى، لا يسْقُطُ؛ لأنَّها أخَّرَتِ اسْتِيفاءَ حَقِّها، فلا يَسْقُطُ، كما لو أخَّرَتْ (33) قَبْضَ دَراهِمِها. وهل تَرْجِعُ إلى مَهْرِ مِثْلِها، أو إلى مَهْرِ الأُخْرَى؟ [فيه وَجْهان](34).
فصل:
الزِّيادةُ فى الصَّداقِ بعدَ العَقْدِ تَلْحَقُ به. نَصَّ عليه أحمدُ، قال، فى الرَّجُلِ يتزوجُ المرأةَ على مَهْرٍ، فلمَّا رآها زادَها فى مَهْرِها: فهو جائزٌ، فإن طَلَّقها قبلَ أن يَدْخُلَ بها، فلها نِصْفُ الصَّداقِ الأوَّلِ، والذى زادَها. وهذا قولُ أبى حنيفةَ. وقال الشافعىُّ: لا تَلْحَقُ الزِّيادةُ بالعَقْدِ، فإن زادَها فهى هِبَةٌ تَفْتَقِرُ إلى شُرُوطِ الهِبةِ، وإن طَلَّقها بعدَ هِبَتِها، لم يَرْجِعْ بشىء من الزِّيادةِ. قال القاضى: وعن أحمدَ مثلُ ذلك، فإنَّه قال: إذا
(32) فى الأصل: "صداقها".
(33)
فى م: "أجلت".
(34)
فى أ، ب، م:"يحتمل وجهين".
زَوَّجَ رجلٌ أمَتَه عبْدَه، ثم أعْتَقَهُما جميعًا، فقالتِ الأمَةُ: زِدْنِى مَهْرِى حتى أخْتارَكَ. فالزِّيادةُ للأمَةِ، ولو لَحِقَتْ بالعَقْدِ، كانت الزِّيادةُ للسيد. وليس هذا دليلًا على أَنَّ الزِّيادةَ لا تَلْحَقُ بالعَقْدِ، فإنَّ معنى لُحُوقِ الزِّيادةِ بالعَقْدِ، أنَّها تَلْزَمُ ويَثْبُتُ فيها أحكامُ الصَّداقِ؛ من التَّنْصِيفِ بالطَّلاقِ قبلَ الدُّخولِ، وغيرِه، وليس مَعْناه أَنَّ المِلْكَ يثْبُتُ فيها قبلَ وُجودِها، وأنَّها تكونُ للسَّيِّد. واحْتَجَّ الشافعىُّ بأنَّ الزَّوْجَ مَلَكَ البُضْعَ بالمُسَمَّى فى العقدِ، فلم يَحْصُلْ بالزِّيادةِ شىءٌ من المَعْقُودِ عليه، فلا تكونُ عِوَضًا فى النِّكاحِ، كما لو وَهَبَها شيئًا، ولأنَّها زِيادةُ فى عِوَضِ العَقْدِ بعدَ لُزُومِه، فلم يُلْحَقْ به، كما فى البَيْعِ. وَلنا، قولُ اللَّه تعالى:{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} (35). ولأنَّ ما بعدَ العَقْدِ زَمَنٌ لِفَرْض المهرِ، فكان حالةَ الزِّيادةِ كحالةِ العَقْدِ. وبهذا فارَقَ البَيْعَ والإِجَارةَ. وقولُهم: إنَّه لم يَمْلِكْ به شيئا من المَعْقُودِ عليه. قُلْنا: هذا يَبْطُلُ بجميعِ الصَّداقِ؛ فإنَّ المِلْكَ ما حَصَلَ به، ولهذا صَحَّ خُلُوُّه عنه، وهذا أَلْزَمُ عندَهم، فإنَّهم قالوا: مَهْرُ المُفَوّضةِ إنَّما وَجَبَ بِفَرْضِه لا بالعَقْدِ، وقد مَلَكَ البُضْعَ بدونه. ثم إنَّه يجوزُ أن يَسْتَنِدَ ثُبُوتُ هذه الزِّيادةِ إلى حالةِ العَقْدِ، فيكونَ كأنَّه ثَبَتَ بهما جميعًا، كما قالوا فى مَهْرِ المُفَوّضةِ إذا فَرَضَه، وكما قُلْنا جميعًا فيما إذا فَرَضَ لها أكثرَ من مَهْرِ مِثْلِها. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ معنى لُحُوقِ الزِّيادةِ بالعقدِ أَنَّه يَثْبُتُ لها حُكْمُ المُسَمَّى فى العَقْدِ، فى أنَّها تتَنَصَّفُ بالطلاقِ، ولا تفْتَقِرُ إلى شُرُوطِ الهِبَةِ، وليس مَعْناه أنَّ المِلْكَ يثْبُتُ فيها من حينِ العَقْدِ، [ولا أنَّها](36) تَثْبُتُ لمن كان الصَّداقُ له؛ لأنَّ المِلْكَ لا يجوزُ تَقَدُّمُه على سَبَبِه، ولا وُجُودُه فى حال عَدَمِه، وإنَّما يثْبُتُ المِلْكُ بعدَ سَبَبِه من حينئذٍ. وقال القاضى: فى الزِّيادةِ وَجْهٌ آخَرُ، أنَّها تَسْقُطُ بالطَّلاقِ. ولا أعْرِفُ وجهَ ذلك، فإنَّ مَنْ جَعَلَها صداقًا، جعَلها تسْتقرُّ بالدُّخولِ، وتتَنَصَّفُ بالطَّلاقِ قبلَه، وتَسْقُطُ كلها إذا جاء الفَسْخُ من قِبَلِ المرأةِ، ومَنْ جَعَلَها هِبَةً جعَلها جَمِيعَها للمرأةِ، لا
(35) سورة النساء 24.
(36)
فى م: "ولأنَّها".