الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخَذَ امرأتَه، وقَبَضَ عليها، وفى مَن نَظَرَ إليها وهى عُريانة: عليه الصداقُ كاملًا. فهذا أَوْلَى.
فصل:
وإن دَفَعَ امرأةً أجنبيةً، فأذْهَبَ عُذْرَتَها، أو فَعَلَ ذلك بإصْبَعِه أو غيرِها، فقال أحمدُ: لها صداقُ نِسائِها. وقال: إن تزوَّجَ امرأةً عَذْرَاءَ، فدَفَعَها هو وأخُوه، فأذْهبَا عُذْرَتَها، ثم طَلَّقَها قبلَ الدُّخولِ، فعلى الزَّوْجِ نِصْفُ الصَّداقِ، وعلى الأَخِ نصفُ العَقْرِ (17). ورُوِىَ نحوُ (18) ذلك عن علىٍّ، وابنِه الحسنِ، وعبدِ اللَّه بن مَعْقِلٍ، وعبد الملكِ بن مَرْوانَ. وقال الشافعىُّ: ليس عليه إلَّا أرْشُ بَكَارَتِها؛ لأنَّه إتْلافُ جُزْءٍ لم يَرِد الشرعُ بتَقْديرِ عِوَضِه، فرُجِعَ فى دِيَتِه إلى الحكُومةِ، كسائرِ ما لم يُقَدَّرْ (19)، ولأنَّه (20) إذا لم يَكْمُلْ به الصَّدَاقُ فى حَقِّ الزَّوْجِ، ففى حَقِّ الأجْنَبِىِّ أوْلَى. ولَنا، ما رَوَى سعيدٌ، قال (21): حدثنا هُشَيْمٌ، حدثنا مُغِيرةُ، عن إبراهيمَ، أَنَّ رَجُلًا كانتْ عندَه يَتِيمةٌ، فخافَتِ امرأتُه أن يتزَوَّجَها، فاسْتعانَتْ بنِسْوةٍ فاضْطبنَّها (22) لها، فأفْسَدَتْ عُذْرَتَها، وقالت لِزَوْجِها: إنَّها فَجَرتْ. فأخْبَرَ عَلِيًّا، رَضِىَ اللَّهُ عنه، بذلك، فأرْسلَ علىٌّ إلى امرأتِه والنِّسْوَةِ، فلما أتَيْنَه، لم يَلْبَثْنَ أن اعْتَرَفْنَ بما صَنَعْنَ، فقال للحسنِ بن علىٍّ: اقْضِ فيها يا حسن. فقال: الحَدُّ علَى مَن قَذَفَها، والعَقْرُ عليها وعلى المُمْسِكاتِ. فقال على: لو كُلِّفَت الإبلُ طَحْنًا لَطَحنَتْ. وما يَطْحَنُ يومئذٍ بَعِيرٌ. وقال (23): حدثنا هُشَيمٌ، أخبرنا (24) إسماعيلُ بن سالمٍ، حدثنا الشَّعْبِىُّ، أَنَّ جَوارِىَ أرْبعًا قالتْ
(17) فى م: "العقد".
(18)
سقط من: م.
(19)
فى م زيادة: "عليه".
(20)
فى م: "لأنه".
(21)
فى: باب جامع الطلاق، من كتاب الطلاق. السنن 2/ 85.
(22)
فى الأصل: "فضبطنها". وفى أ، ب، م:"فضبطتها". والمثبت من السنن. واضطبن الشىء: جعله فى ضبنه، وهو ما بين الكشح والإبط.
(23)
فى الباب السابق. السنن 2/ 85، 86.
(24)
فى أ، م:"قال حدثنا". وفى ب: "بن". والمثبت فى: الأصل، والسنن.
إحْداهُنَّ، هى رَجُلٌ، وقالتِ الأُخْرَى، هى امرأةٌ، وقالت الثالثةُ، هى أبو التى (25) زَعَمَتْ أنها رَجُلٌ، وقالت الرابعةُ، هى أبو التى زعمتْ أنَّها امرأةٌ. فخَطَبَت التى زَعَمتْ أنَّها أبو الرَّجُلِ إلى التى زعَمتْ أنَّها أبو المرأةِ، فزَوَّجُوها إيَّاها، فعَمَدَتْ إليها فأفْسَدَتْها بإصْبَعِها، فرُفِعَ ذلك إلى عبدِ الملك بن مروانَ، فجعَل الصَّداقَ بينهنَّ أرباعًا، وألَغْى حِصَّةَ التى أمْكَنَتْ من نَفْسِها، فبَلَغ (26) عبدَ اللَّه بن مَعْقِلٍ، فقال (27): لو وُلِّيتُ أنَا، لجعَلْتُ الصَّداقَ على التى أفْسَدَتِ الجاريةَ وحدَها. وهذه قصصٌ تَنْتشِرُ فلم تُنْكَرْ، فكانت إجماعًا، ولأنَّ إتلافَ العُذْرَةِ مُسْتَحَقُّ بعَقْدِ النِّكاحِ، فإذا أتْلَفَه أجنبىٌّ، وجَبَ المَهْرُ، كمَنْفَعةِ البُضْعِ.
1212 -
مسألة؛ قال: (والزَّوْجُ هُوَ الَّذِى بِيَدهِ عُقْدةُ النِّكَاحِ، فَإِذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَأَيُّهُمَا عَفَا لِصَاحِبِه عَمَّا وَجَبَ لَهُ (1) مِنَ الْمَهْرِ، وهُوَ جَائِزُ الْأَمْرِ فِى مَالِهِ، بَرِئَ مِنْهُ صَاحبُهُ)
اخْتلَف أهلُ العلمِ فى الذى بيَدِه عُقْدَةُ النِّكاحِ، فظاهرُ مذهبِ أحمدَ، رحمه الله، أنَّه الزَّوْجُ. ورُوِىَ ذلك عن علىٍّ، وابنِ عباسٍ، وجُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم، وبه قال سعيدُ بن المُسيَّبِ، وشُرَيحٌ، وسعيدُ بن جُبَيْرٍ، ونافِعُ بن جُبَيرٍ، ونافعٌ مَوْلَى ابن عمرَ، ومُجاهِدٌ، وإياسُ بن مُعاوِيةَ، وجابرُ بن زيدٍ، وابنُ سِيرِينَ، والشَّعْبِىُّ، والثَّوْرِىُّ، وإسْحاقُ، وأصحابُ الرَّأْى، والشافعىُّ فى الجديدِ. وعن أحمدَ، أنَّه الوَلِىُّ إذا كان أبا الصَّغِيرةِ. وهو قولُ (2) الشافعىِّ القديم، إذا كان أبًا أو جَدًّا (3). وحُكِىَ عن
(25) فى الأصل: "الذى".
(26)
فى الأصل: "فقال".
(27)
سقط من: الأصل.
(1)
فى م: "لها".
(2)
سقط من: م.
(3)
فى م: "وجدا".
ابنِ عباسٍ، وعَلْقَمةَ، والحسنِ وطاوُسٍ، والزُّهْرِىِّ، ورَبِيعَةَ، ومالكٍ، أنَّه الوَلِىُّ؛ لأنَّ الوَلِىَّ بعدَ الطَّلاقِ هو الذى بيَده عُقْدةُ النِّكاحِ، لكَوْنِها قد خَرَجَتْ عن يَد الزَّوْجِ، ولأنَّ اللَّه تعالى ذكَر عَفْوَ النِّساءِ عن نَصِيبِهنَّ، فينْبَغِى أن يكونَ عَفْوُ الذى بيَدِه عُقْدةُ النِّكاحِ عنه، ليكونَ المَعْفُوُّ عنه فى (4) المَوْضِعَيْنِ واحدًا، ولأنَّ اللَّه تعالى بدأ بخطابِ الأزْواجِ على المُواجَهةِ، بقوله:{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} ثم قال: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِى بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} (5). وهذا خطابٌ غيرُ حاضرٍ. ولَنا، ما رَوَى الدَّارَقُطنىُّ (6)، بإسْنادِه عن عمرِو بن شُعَيْبٍ، عن أبِيه، عن جَدِّه، عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:" وَلِىُّ العُقدَةِ الزَّوْجُ". ولأن الذى بِيَده عُقدةُ النِّكاحِ بعدَ العَقدِ هو الزَّوْجُ، فإنَّه يتَمَكَّنُ من قَطْعِه وفَسْخِه وإمْساكِه، وليس إلى الوَلِىِّ منه شىءٌ، ولأنَّ اللَّه تعالى قال:{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (5) والعَفْوُ الذى هو أقْرَبُ إلى التَّقْوَى هو عَفْوُ الزَّوْجِ عن حَقِّه، أمَّا عَفْوُ الوَلِىِّ عن مالِ المرأةِ، فليس هو أقْرَبَ للتَّقْوَى (7)، ولأنَّ المَهْرَ مالٌ للزوجةِ، فلا يَمْلِكُ الوَلِىُّ هِبَتَه وإسْقَاطَه، كغيرِه من أمْوالِها وحُقُوقِها، وكسائرِ الأوْلياءِ، ولا يَمْتَنِعُ العُدُولُ عن خطابِ الحاضرِ إلى خطابِ الغائبِ، كقوله تعالى:{حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِى الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} (8). وقال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ} (9). فعلى هذا متَى طَلَّقَ الزَّوْجُ قبلَ الدخولِ تنَصّفَ المهرُ بينهما، فإنْ عفا الزَّوْجُ لها عن النِّصْفِ الذي له، كَمَلَ لها الصَّداقُ جَمِيعُه، وإن عَفَتِ المرأةُ عن النِّصْفِ الذى لها منه، وتَرَكتْ له
(4) فى ب: "من".
(5)
سورة البقرة 237.
(6)
فى: باب المهر، من كتاب النكاح. سنن الدارقطنى 3/ 279.
(7)
فى أ، ب، م:"إلى التقوى".
(8)
سورة يونس 22.
(9)
سورة النور 54.
جميعَ الصَّداقِ، جاز، إذا كان العافِى منهما رَشِيدًا جائزًا تَصَرُّفُه فى مالِه، وإن كان صغيرًا، أو سَفِيهًا، لم يَصِحَّ عَفْوُه؛ لأنَّه ليس له التَّصَرُّفُ [فى مالِه](10) بهِبَةٍ ولا إِسْقاطٍ. ولا يَصِحُّ عَفْوُ الوَلِىِّ عن صَداقِ الزَّوْجةِ، أبًا كان أو غيرَه، صغيرةً كانتْ (11) أو كبيرةً. نَصَّ عليه أحمدُ، فى روايةِ الجماعةِ. ورَوَى عنه ابنُ منصورٍ: إذا طَلّقَ امرأتَه وهى بِكْرٌ قبلَ أن يَدْخُلَ بها، فعَفَا أبوها أو زَوْجُها، ما أرَى عَفْوَ الأبِ إلَّا جائزًا. قال أبو حفصٍ: ما أرَى ما نقَله ابنُ منصورٍ إلَّا قولًا لأبى عبدِ اللَّه قديمًا. وظاهرُ قولِ أبى حَفْصٍ أَنَّ المسألةَ رِوايةٌ واحدةٌ، وأنَّ أبا عبد اللَّه رَجَعَ عن قولِه بجوازِ عَفْوِ الأبِ. وهو الصحيحُ؛ لأنَّ مَذْهَبَه أَنَّه لا يجوزُ للأبِ إسْقاطُ دُيُونِ وَلَدِهِ الصغيرِ، ولا إعْتاقُ عَبِيدِه، ولا تَصَرُّفه له (12) إلا بما فيه مَصْلَحَتُه (13)، ولا حَظَّ لها فى هذا الإسْقاطِ، فلا يَصِحُّ. وإن قُلْنا بروايةِ ابن منصورٍ، لم يَصِحَّ إلَّا بخَمْسِ شَرائِط؛ أن يكونَ أبًا؛ لأنَّه الذى يَلِى مالَها، ولا يُتَّهَمُ عليه (14). الثانى، أن تكونَ صغيرةً، ليكونَ وَلِيًّا على مالِها، فإنَّ الكبيرةَ تَلِى مالَ نَفْسِها. الثالث، أن تكونَ بِكْرًا لتكونَ غيرَ مُبْتَذلَةٍ، ولأنَّه لا يَمْلِكُ تَزْويجَ الثَّيِّبِ وإن كانت صغيرةً، فلا تكونُ [وِلَايتُه عليها](15) تامَّةً. الرابع، أن تكونَ مُطَلَّقةً؛ لأنَّها قبلَ الطَّلاقِ مُعَرَّضةٌ لإتْلافِ البُضْعِ. الخامس، أن تكونَ قبلَ الدُّخولِ؛ لأنَّ ما بعدَه قد أُتْلِفَ البُضْعُ، فلا يَعْفُو عن بَدَلِ مُتْلَفٍ. ومذهبُ الشافعىِّ على نحو (16) هذا، إلَّا أنَّه يَجْعَلُ الجَدَّ كالأَبِ.
(10) سقط من: الأصل.
(11)
سقط من: أ، ب، م.
(12)
فى الأصل، أ، ب:"لهم".
(13)
فى الأصل، أ، ب:"مصلحتهم".
(14)
فى ب، م:"عليها".
(15)
فى أ، ب، م:"ولايتها عليه".
(16)
فى ب، م زيادة:"من".