الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
فإن قال: كلَّما طلَّقْتُك طلاقًا أمْلِكُ فيه رَجْعتَك، فأنتِ طالقٌ. [ثم قال: أنت طالقٌ] (9). طَلُقَتِ اثنتيْنِ (10)؛ إحداهما بالمباشِرةِ. والأُخرى بالصِّفَةِ، إلَّا أن تكونَ الطَّلْقةُ بِعِوَضٍ، أو فى غيرِ مَدْخولٍ بها، فلا تَقعُ بها ثانيةٌ؛ لأنَّها تَبِينُ بالطَّلْقةِ التى باشرَها بها، فلا يَمْلِكُ رَجْعتَها، فإن طلَّقَها اثنتينِ، طَلُقَت الثَّالثةَ. وقال أبو بكرٍ: قيل (11). تَطْلُقُ، وقيل: لا تَطْلُقُ. واخْتيارِى أنَّها تَطْلُقُ. وقال أصحابُ الشَّافعىِّ: لا تَطْلُقُ الثَّالثةَ؛ لأنَّا لو أوْقعْناها، لم يَمْلكِ الرَّجعةَ، ولم يُوجَدْ شَرْطُ طلاقِها، فيُفْضِى ذلك إلى الدَّوْرِ، فيقْطعُه، بِمَنْعِ وُقوعِه. ولَنا، أنَّه طلاقٌ لم يُكَمَّلْ به العَدَدُ بغير عِوَضٍ فى مدخولٍ بها، فيَقَعُ بها التى بعدَها كالأُولَى، وامْتِناعُ (12) الرَّجعةِ ههُنا لعَجْزِه عنها، لا لعَدَمِ المِلْكِ، كما لو طلَّقَها واحدةً وأُغْمِىَ عليه عَقِيبَها، فإنَّ الثَّانيةَ تَقعُ، وإن امْتنَعتِ الرَّجعةُ؛ لعَجْزِه عنها. وإن كان الطَّلاقُ بعِوَضٍ، أو فى غيرِ مَدْخُولٍ بها، لم يَقعْ بها إلَّا الطَّلقةُ التى باشرَها بها؛ لأنَّه لا يَمْلِكُ رَجْعتَها. وإن قال: كلَّما وقَعَ عليك طلاقٌ أمْلِكُ فيه رَجْعتَك، فأنتِ طالقٌ، ثم وَقَّعَ عليها طلقةً بمُباشِرةٍ (13) أو صِفَةٍ، طَلُقَتْ ثلاثًا. وعندَهم لا تَطْلُقُ؛ لما ذكرناه فى التى قبلَها. ولو قال لامرأته: إذا طلَّقْتُك طلاقًا أمْلِكُ فيه الرَّجْعةَ، فأنتِ طالقٌ ثلاثًا. ثم طلَّقَها، طَلُقَتْ ثلاثًا. وقال المُزَنِىُّ: لا تَطْلُقُ. وهو قياسُ قولِ أصْحابِ الشّافعىِّ؛ لِمَا تَقَدَّمَ.
فصل: وإن قال لزوجتِه: إذا طلّقتُكِ، أو إذا وقعَ عليك طلاقِى، فأنتِ طالقٌ قبلَه ثلاثًا. فلا نَصَّ فيها. وقال القاضى: تَطْلُقُ ثلاثًا؛ واحدةً بالمُباشرةِ، واثْنتَيْن (14) من المُعَلَّقِ. وهو قياسُ قولِ الشّافعىِّ، وقولُ بعض أصحابِه. وقال ابنُ عقيلٍ: تَطْلُقُ
(9) سقط من: الأصل.
(10)
فى أ: "طلقتين".
(11)
سقط من: أ، ب، م.
(12)
فى أ، ب، م:"فامتناع".
(13)
فى أ: "بالمباشرة".
(14)
فى النسخ: "واثنتان".
واحدةً بالمباشِرةِ، ويَلْغُو المُعَلَّقُ؛ لأنَّه طلاقٌ فى زمنٍ ماضٍ، فلا يُتَصَوَّرُ وُقوعُ الطَّلاقِ فيه. وهو قياسُ نصِّ أحمدَ وأبى بكرٍ، فى أَنَّ الطَّلاقَ لا يَقَعُ فى زمنٍ ماضٍ، وبه قال أبو العبَّاس ابنُ الْقَاصِّ (15) مِن أصحابِ الشّافعىِّ. وقال أبو العبَّاس ابنُ سُرَيْجٍ، وبعضُ الشّافعيَّةِ: لا تَطْلُقُ أبدًا؛ لأنَّ وُقوعَ الواحدةِ يَقْتضِى وقوعَ ثَلاثٍ قبلَها، وذلك يَمْنعُ وُقوعَها، فإثْباتُها يُؤدِّى إلى نَفْيِها، فلا تَثْبُتُ، ولأنَّ إيقاعَها يُفْضِى (16) إلى الدَّوْرِ؛ لأنَّها إذا وقَعتْ وقَعَ قبلَها ثلاثٌ، فيَمْتنعُ وُقوعُها، وما أفْضَى إلى الدَّوْرِ وجبَ قطعُه من أصْلِه (17). ولَنا، أنَّه (18) طلاقٌ من مُكلَّفٍ مُختارٍ، فى مَحَلٍّ لِنِكاحٍ صحيحٍ، فيَجِبُ أن يَقَعَ، كما لو لم يَعْقِدْ هذه الصِّفَةَ، ولأنَّ عُموماتِ النُّصوصِ تَقْتَضِى (19) وُقوعَ الطَّلاقِ، مثلُ قولِه سبحانَه:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (20). وقولِه سبحانه: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (21). وكذلك سائرُ النُّصوصِ، ولأنَّ اللَّهَ تعالى شَرَعَ الطَّلاقَ لمصْلحةٍ تَتَعَلَّقُ به، وما ذكَرُوه يَمْنَعُه بالكُلِّيَّةِ، ويبطِلُ شَرْعِيَّتَه، فتفُوتُ مصلحتُه، فلا يَجوزُ ذلك بمُجرَّدِ الرَّأْىِ والتَّحَكُّمِ، وما ذكَروه غيرُ مُسَلَّمٍ؛ فإنَّا (22) إن قُلْنا: لا يَقعُ الطَّلاقُ المُعَلَّقُ، فله وَجْهٌ؛ لأنَّه أوْقعَه فى زمنٍ ماضٍ، ولا يُمْكِنُ وُقوعُه فى الماضى، فلم يَقعْ، كما لو قال: أنتِ طالقٌ قبلَ قدومِ زيدٍ بيومٍ. فقَدِمَ فى اليومِ، ولأنَّه جعلَ الطَّلْقةَ الواقعةَ شَرْطًا لوُقوعِ الثَّلاثِ، ولا يُوجَدُ المشْروطُ قبلَ شرطِه، فعلى هذا لا يَمتنِعُ وقوعُ الطلقةِ المُباشِرَةِ، ولا يُفْضِى إلى
(15) فى النسخ: "ابن القاضى".
وهو أبو العباس أحمد بن أبى أحمد الطبرى، وتقدم فى: 7/ 283.
(16)
فى أ: "يؤدى".
(17)
فى الأصل، ب، م:"أصلها".
(18)
سقط من: الأصل.
(19)
فى ب، م:"عموم".
(20)
سورة البقرة 230.
(21)
سورة البقرة 228.
(22)
سقط من: أ.
دَوْرٍ ولا غيرِه. وإن قُلْنا بوُقوعِ الثَّلاثِ، فوَجْهُه أنَّه وصفَ الطَّلاقَ المُعَلَّقَ بما يَسْتحيلُ وَصْفُه به، فلَغَتِ (23) الصِّفةُ، ووَقع الطَّلاقُ، كما لو قال: أنتِ طالقٌ طَلْقةً لا تَنْقُصُ عَدَدَ طلاقِكِ (24)، أو (25) لا تَلْزَمُكِ. أو قال للآيِسَةِ: أنتِ طالقٌ للسُّنَّةِ. أو قال: للبدعةِ. وبيانُ اسْتحالتِه، أَنَّ تعْليقَه بالشَّرطِ يَقْتضِى وُقوعَه بعدَه؛ لأنَّ الشَّرطَ يَتَقَدَّمُ مَشْروطَه، ولذلك لو أطْلقَ لَوقعَ بعدَه، وتَعْقيبُه بالفاءِ فى قوله: فأنت طالقٌ. يقَتْضِى كونَه عَقِيبَه، وكونُ الطَّلاقِ المُعلَّقِ بعدَه قبلَه مُحالٌ، لا (26) يَصِحُّ الوَصْفُ به، فلَغَتِ الصِّفَةُ، ووقعَ الطَّلاقُ، كما لو قال: إذا طلَّقْتُك فأنتِ طالقٌ ثلاثًا لا تَلْزمُكِ. ثم يَبْطُل ما ذكَرُوه بقولِه: إذا انْفَسخَ نكاحُكِ فأنتِ طالقٌ قبلَه ثلاثًا. ثم وُجِدَ ما يَفْسَخُ نِكاحَها؛ من رَضاعٍ، أو رِدَّةٍ، أو وَطْءِ أمِّها أو ابْنتِها بشُبْهةٍ، فإنَّه يَرِدُ عليه ما ذكَرُوه، ولا خلافَ فى انْفِساخِ النِّكاحِ. قال القاضى: ما ذكَرُوه ذَرِيعةٌ إلى أن لا يَقَعَ عليها الطَّلاقُ جُمْلةً (27). وإن قال: أنتِ طالقٌ ثلاثًا قُبَيْلَ وُقوعِ طلاقِى بك واحدةً. أو قال: أنتِ طالقٌ اليومَ ثلاثًا إن طلّقتُكِ غدًا واحدةً. فالكلامُ عليها من وَجهٍ آخرَ، وهو وَارِدٌ على المسْألتينِ جميعًا، وذلك أَنَّ الطَّلْقةَ المُوقَعَةَ يَقْتضِى وُقوعُها وقوعَ ما لا يُتَصَوّرُ وُقوعُها معه، فيَجِبُ أن يُقْضَى بوُقوعِ [الطَّلْقةِ المُوقَعَةِ](28) دونَ ما تَعلَّقَ بها؛ لأنَّ ما تَعلَّقَ بها تابعٌ، ولا يَجوزُ إبْطالُ المتْبُوعِ لامْتناعِ حُصُولِ الِتَبَعِ، فيَبطُلُ التابعُ وحدَه، كما لو قال فى مرضِه: إذا أعْتَقْتُ سالمًا فغانم حُرٌّ. ولم يَخْرُجْ مِن ثُلُثِه إلا أحدُهما، فإنَّ سالمًا يَعْتِقُ وحدَه، ولا يُقْرَعُ بينهما؛ لأنَّ ذلك ربَّما أدَّى إلى عِتْقِ المشْروطِ دونَ الشَّرْطِ، وذلك غيرُ
(23) فى الأصل، ب، م:"فغلت" تحريف.
(24)
فى أ: "الطلاق".
(25)
فى أزيادة: "قال".
(26)
فى ب، م:"فلا".
(27)
فى أزيادة: "وهو مذهب النصارى".
(28)
سقط من: الأصل.