الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقَله مُهَنَّا عن أحمدَ؛ لأنَّه شَرَطَ لنفسِه النِّصْفَ ولم يُحَصَّلْ (8) من الصَّداقِ إلَّا النِّصْفُ وليس هذا القولُ على سبيلِ الإِيجابِ؛ فإنَّ للأبِ أن يأخُذَ ما شاء، ويتْرُكَ ما شاء، وإذا مَلَكَ أن يأخُذَ من غير شرطٍ، فكذلك إذا شَرَطَ.
فصل:
فإن شَرَطَ ذلك غيرُ الأبِ من الأَوْلياءِ، كالجَدِّ والأخِ والعَمِّ، فالشَّرْطُ باطِلٌ (9). نَصَّ عليه أحمدُ. وجَمِيعُ المُسَمَّى لها. ذكَره أبو حَفْصٍ، وهو قولُ مَنْ سَمَّيْنا فى أَوَّلِ المسألةِ. وقال الشافعىُّ: يجبُ مَهْرُ المِثْلِ. وهكذا ذكَرَ القاضى، فى "المُجَرَّدِ"؛ لأنَّ الشرطَ إذا بَطَلَ احْتَجْنا أن نَرُدَّ إلى الصَّداقِ ما نَقَصَتِ الزَّوْجةُ لأجْلِه، ولا يُعْرَفُ (10) قَدْرُه، فيَصِيرُ الكُلُّ مَجْهولًا فيَفْسُدُ. وإن أصْدَقها أَلْفَيْنِ، على أن تُعْطِىَ أخاها ألْفًا، فالصداقُ صحيحٌ؛ لأنَّه شَرْطٌ لا يُزادُ فى المَهْرِ من أجلِه، ولا يُنْقَصُ منه، فلا يُؤَثِّرُ فى المَهْرِ، بخلافِ التى قبلَها. ولَنا، أن جميعَ ما اشْتَرَطَتْه (11) عِوَضٌ فى تَزْوِيجِها، فيكونُ صَداقًا لها، كما لو جَعَلَه لها، وإذا كان صَداقًا انْتَفَتِ الجهالةُ. وهكذا لو كان الأبُ هو المُشْتَرِطُ، لَكان الجميعُ صَداقًا، وإنَّما هو أخَذَ من مالَ ابْنَتِه؛ لأنَّ له ذلك، ويُشْتَرَطُ أن لا يكونَ ذلك مُجْحِفًا بمالَ ابْنَتِه، فإن كان مُجْحِفًا بمالِها، لم يَصِحَّ الشَّرْطُ، وكان الجميعُ لها، كما لو اشْتَرَطَه سائرُ أوْلِيائِها. ذكَره القاضى، فى "المُجَرَّدِ".
فصل: فإن شَرَطَ لنفسِه جميعَ الصَّداقِ، ثم طَلَّقَ قبلَ الدُّخولِ بعدَ تسْليمِ الصَّداقِ إليه، رَجَعَ فى نِصْفِ ما أعْطَى الأبَ؛ لأنَّه الذى فَرَضَه لها، فنَرْجِعُ فى نِصْفِه؛ لقولِه تعالى:{فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} (12). ويَحْتَمِلُ أن يَرْجِعَ عليها بقَدْرِ نِصْفِه، ويكونَ ما
(8) فى م: "يحل".
(9)
سقط من: ب.
(10)
فى أ، ب:"نعرف".
(11)
فى أ، ب، م:"اشترطه".
(12)
سورة البقرة 237.
أخَذَه الأبُ له؛ لأنَّنا قَدَّرْنا أَنَّ الجميعَ صارَ لها (13)، ثم أخَذَه الأبُ منها، فتَصِيرُ كأنَّها قَبَضَتْه ثم أخَذَه منها. وهكذا إذا (14) أصْدَقها ألفًا لها وألفًا لأبِيها، ثم ارْتَدَّتْ قبلَ الدُّخولَ، فهل يَرْجِعُ فى الألفِ الذى قَبَضَه الأبُ، أو عليها؟ على وَجْهَيْن.
1203 -
مسألة؛ قال: (وَإِذَا أصْدَقَهَا عَبْدًا صغِيرًا فَكَبِرَ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخولِ، فَإنْ شَاءَتْ دَفَعَتْ إلَيْه نِصْفَ قِيمَتِهِ يَوْمَ وَقَعَ عَلَيْهِ العَقْدُ، أو تَدْفَعُ إلَيْهِ نِصْفَهُ زائِدًا، إلّا أنْ يَكُونَ (1) يَصْلُحُ صَغِيرًا لِما لَا يَصْلُحُ لَهُ كَبِيرًا، فَيَكُونَ لَهُ عَلَيْها نِصْفُ قِيمَتِهِ يَوْمَ وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، إِلّا أَنْ يَشَاءَ أَخْذَ ما بَذَلَتْهُ لَهُ (2) مِنْ نِصْفِهِ)
فى هذه المسألة أحكام؛ منها، أَنَّ المرأةَ تَمْلِكُ الصَّداقَ بالعَقْدِ. وهذا (3) قولُ عامَّةِ أهلِ العلمِ، إلَّا، أنَّه حُكِىَ عن مالكٍ أنَّها لا تَمْلِكُ إلَّا نِصْفَه. ورُوِىَ عن أحمدَ ما يَدُلُّ على ذلك. وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: هذا مَوْضِعٌ اخْتَلَفَ فيه السَّلَفُ والآثارُ، وأمَّا الفقهاءُ اليومَ فعلى أنَّها تَمْلِكُه. وقولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"إِنْ أَعْطَيْتَها إزَارَكَ، جَلَسْتَ وَلَا إِزَارَ لَكَ"(4). دليلٌ على أَنَّ الصَّداقَ كلَّه للمرأةِ، لا يَبْقَى للرجلِ منه شىءٌ، ولأنَّه عَقْدٌ تَمْلِكُ به العِوَضَ بالعَقْدِ، فَمُلِكَ فيه العِوضُ كاملًا كالبَيْعِ، وسُقُوطُ نِصْفِه بالطَّلاقِ، لا يَمْنَعُ وُجُوبَ جَمِيعِه بالعَقْدِ، ألا تَرَى أنَّها لو ارْتَدّتْ، سَقَطَ جَمِيعُه، وإن كانت قد مَلَكَتْ نِصْفَه. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ نَماءَه وزِيادَتَه لها، سَواءٌ قَبَضَتْه أو لم تَقْبِضْه، مُتَّصِلًا كان أو مُنْفَصِلًا، وإن كان مالًا [زَكَويًّا، فحالَ](5) عليه الحَوْلُ، فزَكاتُه عليها. نَصَّ عليه
(13) فى الأصل: "له".
(14)
فى أ، ب، م:"لو".
(1)
سقط من: أ.
(2)
سقط من: أ، ب، م.
(3)
فى أ: "وهو".
(4)
تقدم تخريجه فى: 8/ 137.
(5)
فى أ، ب، م:"زكاتيا حال".
أحمدُ. وإن نَقَصَ بعدَ قَبْضِها له أو تَلِفَ، فهو مِن ضَمانِها. ولو زَكَّتْه ثم طُلِّقَتْ قبلَ الدُّخولِ، كان ضَمانُ الزَّكاةِ كلِّها عليها. وأمَّا قبلَ القَبْضِ، فهو من ضَمَانِ الزَّوْجِ، إن كان مَكِيلًا أو مَوْزُونًا، [وإن كان](6) غيرَهما، فإن مَنَعَها منه، ولم يُمَكِّنْها من قَبْضِه، فهو من ضَمانِه؛ لأنَّه بمَنْزِلةِ الغاصِبِ، وإن لم يَحُلْ بينَه وبينَها، فهل يكونُ من ضَمانِها، أو من ضَمانِه؟ على وَجْهَيْنِ، بِناءً على المَبِيعِ، وقد ذكرنا حُكْمَه فى بابِه. الحكم الثانى، أَنَّ الصَّداقَ يتَنَصَّفُ بالطلاقِ قبلَ الدُّخولِ؛ لقولِه تعالى:{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} (7). وليس فى هذا اختلافٌ بحَمْدِ اللَّه. وقياسُ المذهبِ أَنَّ نِصْفَ الصداقِ يَدْخُلُ فى مِلْكِ الزوجِ حُكْمًا، كالمِيراثِ، لا يَفْتَقِرُ إلى اختيارِه وإرادَتِه، فما يَحْدُثُ من النَّماءِ يكونُ بينهما. وهو قول زُفَرَ. وذكَر القاضى احْتمالًا آخرَ، أنَّه لا يَدْخُلُ فى مِلْكِه حتى يَخْتارَه (8)، كالشَّفِيعِ. وهو قولُ أبى حنيفةَ. وللشافعىِّ قَوْلان، كالوَجْهَيْن. ولنا، قولُه تعالى:{فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} . أىْ لكم أو لهُنَّ، فاقَتَضَى ذلك أَنَّ النِّصْفَ لها، والنِّصْفَ له، بمُجَرَّدِ الطَّلاقِ، ولأنَّ الطَّلاقَ سَبَبٌ يَمْلِكُ به بغيرِ عِوَضٍ، فلم يَقِف المِلْكُ (9) على إرادَتِه واختيارِه، كالإِرْثِ، ولأنَّه سَبَبٌ لِنَقْلِ المِلْكِ، فنَقلَ المِلْكَ بمُجَرَّدِه، كالبَيْعِ وسائرِ الأسْبابِ. ولا تَلْزَمُ الشُّفْعةُ؛ فإنَّ سَبَبَ المِلْكِ فيها الأخْذُ بها، ومتى أخَذَ بها ثَبَتَ المِلْكُ من غيرِ إرادتِه واختيارهِ؛ وقبلَ الأَخْذِ ما وُجِدَ السَّبَبُ، وإنَّما اسْتُحِقَّ بمُباشَرَةِ (10) سَبَبِ المِلْكِ، ومُباشَرةُ الأسبابِ مَوْقُوفةٌ على اخْتِيارِه، كما أنَّ الطَّلاقَ مُفَوَّضٌ إلى اخْتيارِه، فالأخْذُ بالشُّفْعةِ نَظِيرُ الطَّلاقِ، وثُبُوتُ المِلْكِ للآخِذِ بالشفعةِ نَطرُ ثبوتِ المِلْكِ للمُطَلِّقِ، فإنَّ ثُبوتَ المِلْكِ حُكْمٌ لها، وثُبُوتُ أحكامِ
(6) فى أ، ب، م:"وأما".
(7)
سورة البقرة 237.
(8)
فى أ، ب، م:"يختار".
(9)
سقط من الأصل.
(10)
فى الأصل، أ:"مباشرة".