الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
وإذا قال: إذا مضتْ سَنَةٌ فأنتِ طالقٌ، أو أنتِ طالقٌ إلى سنةٍ. فإنّ ابتداءَ السَّنَةِ من حينَ حلَفَ إلى تمامِ اثنَىْ عَشَرَ شهرًا بالأهِلَّةِ؛ لقولِه تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} (8). فإن حَلَفَ فى أولِ شَهر (9)، فإذا مَضَى اثنا عشَرَ شهرًا وقعَ طلاقُه. وإن حلفَ فى أثناءِ شهرٍ، عَدَدْتَ ما بَقِىَ منه، ثم حَسَبْتَ بَعدُ بالأهِلَّةِ، فإذا مَضَتْ أحَدَ عَشَرَ شهرًا نَظَرْتَ ما بَقِىَ مِنَ الشّهرِ الأوّلِ، فكَمَّلْتَه ثلاثينَ يومًا؛ لأنَّ الشَّهرَ اسمٌ لما بينَ هِلالَينِ. فإذا تفَرَّقَ (10) كان ثلاثينَ يومًا. وفيه وجهٌ آخرُ، أنَّه تُعْتبَرُ الشُّهُورُ كلها بالعَدَدِ. نَصَّ عليه أحمدُ، فى من نَذَرَ صيامَ شهرينِ مُتَتَابعَيْنِ (11)، فاعترضَ الأيَّامُ. قال: يَصومُ ستِّينَ يومًا. وإن ابتدأ مِن شهرٍ، فصام شَهْرينِ، فكانا ثمانيةً وخمسينَ يومًا، أجْزأه؛ وذلك أنَّه لمَّا صامَ نصفَ شهرٍ، وجبَ تَكميلُه مِنَ الذى يلِيه، فكان ابتداءُ الثانى مِن نِصْفِه أيضًا، فوجبَ أن يُكَمِّلَه بالعَدَدِ، وهذا المعنى موجودٌ فى السُّنَّةِ. ووَجْهُ الأوَّلِ أنَّه أمْكَنَ اسْتيفاءُ أحدَ عشرَ بالأهِلَّةِ، فوجَبَ الاعْتبارُ بها، كما لو كانت يَمِينُه فى أوَّلِ شهرٍ، ولا يَلْزمُ أن يتمَّ الأوّلَ مِنَ الثَّانى، بل يُتِمُّه (12) مِن آخرِ الشُّهورِ. وإن قال: أرَدْتُ بقولى: سَنَةً. إذا انْسلَخَ ذُو الحِجَّةِ. قُبِلَ؛ لأنَّه يُقِرُّ على نفسِه بما هو أغْلَظُ. وإن قال: إذا مَضَتِ السَّنَةَ فأنتِ طالقٌ. طَلُقَتْ بانْسِلاخِ ذى الحِجةِ؛ لأنَّه لمَّا عرَّفَها بلام التعريِف، انْصرفَتْ إلى السَّنَةِ المعروفةِ، التى آخرُهاٍ ذو الحِجَّةِ. فإن قال: أردتُ بالسَّنَةِ اثنَىْ عَشَرَ شهرًا. قُبِلَ؛ لأنَّ السَّنَةَ اسمٌ لها حَقِيقةً.
فصل: فإن قال: أنتِ طالقٌ، فى كلِّ سَنَةٍ طَلْقةً. فهذه صِفَةٌ صحيحةٌ؛ لأنَّه
(8) سورة البقرة 189.
(9)
فى ب، م:"الشهر".
(10)
فى ب، م:"تفرقا".
(11)
فى الأصل زيادة: "منه".
(12)
فى أ: "يتممه".
يَمْلِكُ إيقاعَه فى كلِّ سنةٍ، فإذا جعلَ ذلك صِفَةً، جازَ، ويَكونُ ابْتداءُ المُدَّةِ عَقِيبَ يَمينِه؛ لأنَّ كلَّ أجَلٍ ثَبَتَ بِمُطْلَقِ العَقْدِ، ثبتَ عَقِيبَه، كقولِه: واللَّهِ لا كَلَّمْتُك سَنَةً. فيَقعُ فى الحالِ طَلْقةٌ؛ لأنَّه جعلَ السَّنَةَ ظرفًا للطَّلاقِ، فتَقَعُ فى أوَّلِ جُزْءٍ منها، وتَقعُ الثَّانيةُ فى أوَّلِ الثَّانية، والثَّالثةُ فى أوَّلِ الثالثةِ، إن دخَلَتَا (13) عليها وهى فى نكاحِه، لكَوْنِها لم تَنْقَض عِدَّتُها، أو ارْتَجعَها فى عِدَّةِ الطلْقةِ الأولى وعِدَّةِ الثَّانية، أو جَدَّدَ نكاحَها بعدَ أن بانَتْ، فإن انقضتْ عِدَّتُها فبانَتْ منه، ودخلَتِ السُّنَّةُ الثَّانيةُ وهى بائنٌ، لم تَطْلُقْ؛ لكَوْنِها غيرَ زوجةٍ له (14). فإن تَزوَّجَها فى أثنائِها، اقْتضَى قولُ أكثرِ أصحابِنا وُقوعَ الطَّلاقِ عَقِيبَ تَزْويجِه لها؛ لأنَّه جُزْءٌ مِنَ السُّنَّةِ الثَّانيةِ التى جعلَها ظرفًا للطَّلاقِ، ومَحَلًّا له، وكان سبيلُه أن تَقعَ فى أوَّلِها، فمَنَعَ منه كونُها غيرَ مَحَلٍّ لطلاقِه (15)؛ لعدمِ نكاحِه حينئذٍ، فإذا عادتِ الزَّوجِيَّةُ، وقعَ فى أوَّلِها. وقال القاضى: تَطْلُقُ بدخولِ السَّنَةِ الثالثةِ. وعلى قول التَّمِيمِىِّ ومَنْ وافقَه، تَنْحَلُّ الصِّفةُ بوُجودِها فى حالِ البَيْنُونةِ، فلا تَعودُ بحالٍ. وإن لم يَتَزوَّجْها حتى دخلتِ السَّنَةُ الثَّالثةُ، ثم نكَحَها، طَلُقَتْ عَقِيبَ تَزْويجِها، ثم طَلُقَتِ الثَّالثةَ بدخولِ السَّنَةَ الرَّابعةِ. وعلى قولِ القاضى، لا تَطْلُقُ إلَّا بدخولِ الرَّابعةِ، ثم تَطْلُقُ الثَّالثةَ بدُخولِ الخامسةِ. وعلى قول التَّمِيمِىِّ، قد انْحَلَّتِ الصِّفةُ. واختُلِفَ فى مَبْدأ السَّنَةِ الثانية؛ فظاهرُ ما ذكَرَه القاضى، أَنَّ أوّلَها بعدَ انقضاءِ اثنَىْ عَشَرَ شهرًا مِن حينِ يَمِينه؛ لأنَّه جَعلَ ابتداءَ المُدَّةِ حينَ يَمِينه. وكذلك قالَ أصحابُ الشّافعىِّ. وقال أبو الخطَّاب: ابْتداءُ السَّنَةِ الثَّانيةِ أوّلُ المُحَرَّمِ؛ لأنَّها السَّنَةُ المعروفةُ، فإذا علَّقَ ما يَتَكَرَّرُ على تَكَرُّرِ السِّنِينَ، انْصرَفَ إلى السِّنِينَ المعروفةِ، كقَوْلِ اللَّهِ تعالى:{أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِى كُلِّ عَامٍ} (16). وإن قال: أردتُ بالسَّنَةِ اثنَىْ
(13) فى الأصل: "دخلت".
(14)
سقط من: أ، ب، م.
(15)
فى ب، م:"للطلاق".
(16)
سورة التوبة 126.