الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقعَ، نَواه أو لم يَنْوِه. فمفهومُه أَنَّ غيرَ الصَّريحِ لا يَقعُ إلَّا بنِيَّةٍ، ولأنَّ هذا كنايةٌ، فلم يَثْبُتْ حُكمُه بغيرِ نيَّةٍ، كسائرِ الكناياتِ.
فصل:
والكنايةُ (19) ثلاثةُ أقسامٍ، ظاهرةٌ، وهى ستَّةُ ألفاظٍ؛ خَلِيَّةٌ، وبَرِيَّةٌ، وبائنٌ، وبَتَّةٌ، وبَتْلَةٌ، وأمرُك بيدِك. والحُكمُ فيها ما بيناه فى هذا (20) الفصلِ. وإن قال: أنتِ طالقٌ بائنٌ، أو البتَّةَ. فكذلك إلَّا أنَّه لا يَحْتاجُ إلى نِيَّةٍ؛ لأنَّه وَصَف بها الطَّلاقَ الصَّريحَ. وإن قال: أنتِ طالقٌ لا رَجْعَةَ لى عليك. وهى مَدْخولٌ بها، فهى ثلاثٌ. قال أحمدُ: إذا قال لامرأتِه: أنتِ طالقٌ لا رجعةَ فيها، ولا مَثْنَوِيَّةَ. هذه مثلُ الخَلِيَّةِ والبَرِيَّةِ ثلاثًا، هكذا هو عندى. وهذا قولُ أبى حنيفةَ. وإن قال: ولا رَجْعةَ لى فيها. بالواوِ، فكذلك. وقال أصحابُ أبى حنيفةَ: تَكونُ رَجْعيَّةً؛ لأنَّه لم يَصِفِ الطَّلْقَةَ بذلك، وإنَّما عَطَفَ عليها. ولَنا، أَنَّ الصِّفةَ تَصِحُّ مع العطِف، كما لو قال: بِعْتُك بعشرةٍ وهى مَغرِبِيّةٌ. صحَّ، وكان صِفةً للثَّمَنِ. قال اللَّهُ تعالى:{إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} (21). وإن قال: أنتِ طالقٌ واحدةً بائنًا، أو واحدةً بَتَّةً. ففيها ثلاثُ رواياتٍ؛ إحداهُنَّ (22)، أنَّها واحدةٌ رَجْعيَّةٌ، ويَلْغُو ما بعدَها. قال أحمدُ: لا أعْرِفُ شيئًا مُتَقَدِّمًا، إن [نَوَى واحدةً](23) تَكونُ بائنًا. وهذا مذهبُ الشَّافعىِّ؛ لأنَّه وصفَ الطَّلْقَةَ بما لا تَتَّصِفُ به، فلغتِ الصِّفةُ، كما لو قال: أنتِ طالق طَلقةً لا تَقعُ عليك. والثَّانية: هى ثلاثٌ. قالَه أبو بكرٍ، وقال: هو قولُ أحمدَ؛ لأنَّه أتَى بما يَقْتضِى الثَّلاثَ، فوقعَ، ولَغَا قولُه: واحدةً. كما لو قال: أنت طالقٌ [واحدةً ثلاثًا](24). والثَّالثةُ، رَواها حَنْبَلٌ عن
(19) فى أ: "والكنايات".
(20)
سقط من: الأصل.
(21)
سورة الأنبياء 2.
(22)
فى الأصل: "إحداها".
(23)
فى الأصل، أ:"نواحده".
(24)
سقط من: ب، م.
أحمدَ، إذا طلَّقَ امرأتَه واحدةً البَتَّةَ، فإنَّ أمرَها بيدِها، يَزِيدُها فى مَهْرِها إن أرادَ رَجْعتَها. فهذا يَدلُّ على أنَّه أوقعَ بها واحدةً بائنًا؛ لأنَّه جعل أمرَها بيَدِها، ولو كانت رَجْعِيَّةً لما جعلَ (25) أمرَها بيَدِها، ولا احْتاجتْ إلى زيادةٍ فى مَهْرِها، ولو وقعَ ثلاثٌ لمَا حلَّتْ له رَجْعتُها. وقال أبو الخَطَّابِ: هذه الرِّوايةُ تُخَرَّجُ فى جميعِ الكناياتِ الظَّاهرةِ، فيكونُ ذلك مثلَ قولِ إبراهيمَ النَّخَعِىِّ. ووَجْهُه أنَّه أوْقَعَ الطَّلاقَ بصِفَةِ البَيْنُونةِ، فوقعَ على ما أوْقعَه، ولم يَزِدْ على واحدةٍ؛ لأنَّ لفظَه لم يَقْتضِ عددًا، فلم يَقَعْ أكثرُ من واحدةٍ، كما لو قال: أنتِ طالقٌ. وحملَ القاضى روايةَ حَنْبَلٍ على أَنَّ ذلك بعدَ انْقضاءِ العِدَّةِ. القسمُ الثَّانى، مُخْتلَفٌ فيها، وهى ضَرْبانِ؛ مَنْصوصٌ عليها، وهى عشرَةٌ (26)؛ الْحَقِى بأهلِك. وحبلُك على غارِبِك. ولا سبيلَ لى عليك. وأنتِ علىَّ حَرَجٌ. وأنتِ علىَّ حَرَامٌ. واذْهبى فتَزوَّجى مَن شِئْتِ. وغَطِّى شَعْرَك. وأنتِ حُرّةٌ. وقد أعتقتُك. فهذه عن أحمدَ فيها روايتانِ؛ إحداهما، أنَّها ثلاثٌ. والثّانيةُ، تَرْجِعُ إلى ما نَوَاه، وإن لم يَنْوِ شيئًا، فواحدةٌ، كسائرِ الكناياتِ. والضَّرْبُ الثَّانى، مَقِيسٌ على هذه، وهى اسْتَبْرِئى رَحِمَك. وحَلَلْتِ للأَزْواجِ. وتَقَنَّعِى. ولا سلطانَ لى عليك. فهذه فى معنى المنصوصِ عليها، فيكونُ حُكْمُها حُكْمَها. والصَّحيحُ فى قوله: الْحَقِى بأهْلِك. أنَّها واحدةٌ، ولا تَكونُ ثلاثًا إلَّا بنِيَّةٍ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال لابْنةِ الجَوْن:"الْحَقِى بِأَهلِكِ". مُتَّفَقٌ عليه (27)، ولم يَكُنِ النَّبىُّ صلى الله عليه وسلم ليُطلِّقَ ثلاثًا وقد نَهَى أُمَّتَه عن ذلك. قال الأَثْرَمُ: قلتُ لأبى عبدِ اللَّهِ: إنَّ النَّبىَّ صلى الله عليه وسلم قال لابْنَةِ الجَوْنِ: "الْحَقِى بِأَهْلِكِ". ولم يَكُنْ طلاقًا غيرَ هذا، ولم يَكُنِ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم ليُطَلِّقَ ثلاثًا، فيكونَ غيرَ طلاقِ السُّنَّةِ. فقال: لا أدْرِى. وكذلك قولُه: اعْتَدِّى واسْتَبْرِئِى رَحِمَك. لا يَخْتَصُّ الثَّلاثَ؛ فإنَّ ذلك يَكون مِنَ الواحدةِ، كما يكونُ مِنَ الثَّلاثِ. وقد رَوَى أبو هُرَيْرةَ عن رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال
(25) فى أ، ب، م:"كان".
(26)
فى حاشية م إشارة إلى أنه لم يذكر غير تسعة.
(27)
تقدم تخريجه فى المسألة نفسها. وذكر المصنف أنه متفق عليه، ولم يخرجه مسلم، انظر: إرواء الغليل 7/ 145، 146.
لسَوْدَةَ ابنةِ زَمْعَةَ: "اعْتَدِّى"، فجعلَها تطليقةً (28). ورَوَى هُشَيمٌ، أنْبأنا الأعْمَشُ، عن المِنهالِ بنِ عمرٍو، أَنَّ نُعَيمَ بنَ دَجَاجَةَ الأَسَدِىَّ طلقَ امرأتَه تطليقتَيْنِ، ثم قال: هى علىَّ حَرَجٌ. وكتبَ فى ذلك إلى عمرَ بنِ الخطّابِ، فقال: أمَا إنَّها ليستْ بأهْونِهنَّ (29). وأمَّا سائرُ اللَّفظاتِ، فإن قُلْنا: هى ظاهرةٌ؛ فلأنَّ معناها معنى الظَّاهرةِ، فإنَّ قولَه: لا سبيلَ لى عليك، ولا سلطانَ لى عليك. إنَّما يَكونُ فى المَبْتُوتةِ، أمَّا الرَّجْعِيَّةُ فله عليها سبيلٌ وسلطانٌ. وقوله: أنتِ حُرَّةٌ، أو أعتقتُك. يَقْتضِى ذَهابَ الرِّقِّ عنها، وخُلُوصَها منه، والرِّقُّ ههُنا النِّكاحُ. وقولُه: أنتِ حَرَامٌ. يَقْتضِى بَينُونَتَها منه؛ لأنَّ الرَّجْعيَّةَ (30) غيرُ مُحَرَّمةٍ. وكذلك: حَلَلْتِ للأَزْواجِ؛ لأنَّك بِنْتِ منِّى. وكذلك سائرُها. وإن قُلْنا: هى واحدةٌ (31). فلأنَّها مُحْتمِلَةٌ، فإنَّ قولَه: حَلَلْتِ للأزْواجِ. أى بعدَ انْقِضاءِ عِدّتِك، إذ لا يُمْكِنُ حِلها قبلَ ذلك، والواحدةُ تُحِلُّها. وكذلك (32): انكحِى مَن شِئْتِ. وسائرُ الألفاظِ، يَتحقَّقُ مَعْناها بعدَ قَضاءِ عِدَّتِها. القسمُ الثَّالثُ، الْخَفِيَّةُ نحوُ: اخْرُجِى. واذْهَبِى. وذُوقِى. وتَجرَّعِى. وأنتِ مُخَلَّاةٌ. واخْتارِى. ووَهَبْتُك لأهلِك. وسائرُ ما يَدلُّ على الفُرْقةِ، ويُؤَدِّى معنى الطَّلاقِ سِوَى ما تقدَّمَ ذكرُه، فهذه ثلاث إن نَوَى ثلاثًا، واثنتانِ إن نَوَاهما، وواحدةٌ إن نَوَاها أو أطْلَقَ. قال أحمدُ: ما ظهرَ مِن الطَّلاقِ فهو على ما ظهرَ، وما عَنَى به الطَّلاق فهو على ما عَنَى، مثلُ: حَبْلُك على غاربكِ. إذا نوَى واحدةً، أو اثنتينِ، أو ثلاثًا،
(28) أخرجه البيهقى، فى: باب ما جاء فى كنايات الطلاق. . .، من كئاب الخلع والطلاق. السنن الكبرى 7/ 343.
(29)
أخرجه عبد الرزاق، فى: باب طلاق الحرج، من كتاب الطلاق. المصنف 6/ 365، 366. وسعيد بن منصور، فى: باب ما جاء فى الرجل إذا لم يجد ما ينفق على امرأته، من كتاب الطلاق. السنن 2/ 56. وابن أبى شيبة، فى: باب الرجل يقول لامرأته: أنت على حرج. من كتاب الطلاق. المصنف 5/ 71.
(30)
فى أ: "الرجعة".
(31)
فى الأصل زيادة: "قلنا".
(32)
سقط من: ب، م.