الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَبْسِها ومَنْعِها مِنَ التَّزَوُّجِ بغيرِه؛ لأجل اشْتباهِها، ومتى عَلِمْنَاها بعَيْنِها، إمَّا بِتَعْيِينِه، أو قُرْعةٍ، فعِدَّتُها مِن حِينَ طلَّقَها، لا مِن حينَ عَيَّنَها. وذَكَرَ أبو حنيفةَ، وبعضُ أصحابِ الشَّافعىِّ، أَنَّ عِدَّتَها من حينِ التَّعْيينِ. وهذا فاسدٌ؛ فإنَّ الطَّلاقَ وَقَعَ حينَ إيقاعِه، وثَبَتَ حُكْمُه فى تَحْريمِ الوَطْءِ، وحِرْمانِ الميراثِ مِنَ الزَّوْجِ، وحِرْمانِه منها قَبْلَ التَّعْيينِ، فكذلك العِدَّةُ، وإنَّما التَعْييتُ تَبَيُّن لِمَا كان واقِعًا. وإِنْ ماتَ الزَّوجُ قبلَ البيانِ، فعلى الجميعِ عِدَّةُ الوفاةِ، فى قولِ الشّعْبِىِّ، والنَّخَعِىِّ، وعَطاء الخُرَاسَانِىِّ. قال أبو عُبَيْدٍ: وهو قولُ أهلِ الحجازِ والعراقِ؛ لأنَّ كُلَّ واحدةٍ مِنْهُنَّ يَحْتَمِلُ أنَّها باقيةٌ على النِّكاحِ، والأصلُ بَقاؤُه، فَتَلْزَمُها عِدّتُه. والصّحيحُ أنَّه يَلْزَمُ كُلَّ واحدةٍ أطولُ الأجَلَيْنِ، مِن عِدَّةِ الوفاةِ وعِدَّةِ الطَّلاقِ، لَكِن عِدَّةُ الطَّلاقِ مِن حينَ طَلَّقَ، وعِدّةُ الوفاةِ مِن حينِ مَوْتِه؛ لأنَّ كُلَّ واحدةٍ منهنَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عليها عِدَّةُ الوفاةِ، ويَحْتملُ أنَّها المُطلَّقةُ، فعليها عِدَّةُ الطَّلاقِ، فلا تَبْرَأُ يقينًا إلَّا بأطْولِهِما. وهذا فى الطَّلاقِ البائِنِ، فأمَّا الرَّجْعِىُّ؛ فعليها عِدّةُ الوفاةِ بِكُلِّ حالٍ؛ لأنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ.
فصل:
إذا ادَّعَتِ المرأةُ أَنَّ زوجَها طلَّقَها، فأنْكَرَها، فالقولُ قولُه؛ لأنَّ الأصلَ بَقاءُ النِّكاحِ وعَدَمُ الطَّلاقِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لها بما ادَّعَتْه بَيِّنَةٌ، ولا يُقْبَلُ فيه إلَّا عَدْلَانِ. ونَقَلَ ابنُ منصورٍ، عن أحمدَ، أنَّه سُئِلَ: أَتَجُوزُ شَهادةُ رَجُلٍ وامرأتينِ فى الطَّلاق؟ قال: لا واللَّهِ. إنَّما كانَ كذلك لأنَّ الطَّلاقَ ليس بمالٍ، ولا المقصودُ منه المالُ، ويَطَّلِعُ عليه الرِّجالُ فى غالبِ الأحْوالِ، فلم يُقْبَلْ فيه إلَّا عَدْلانِ، كالحدودِ والقِصَاصِ. فإن لم تَكُنْ بَيِّنَةٌ، فهل يُسْتَحْلَفُ؟ فيه روايتانِ؛ نَقَلَ [أبو طالبٍ] (9) أنَّه يُسْتَحْلَفُ. وهو الصَّحيحُ؛ لقولِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"وَلَكِنَّ الْيَمِين عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ"(10). وقوله: "الْيَمِينُ عَلَى مَنْ
(9) فى ب، م:"أبو الخطاب".
(10)
تقدم تخريجه فى: 6/ 525.
أنْكَرَ" (11). ولأنَّه يَصِحُّ مِن الزَّوْجِ بَذْلُه، فَيُسْتَحْلَفُ فيه، كالمَهْرِ. ونَقَلَ [ابن منصور] (12) عنه: لا يُسْتَحْلَفُ فى الطَّلاقِ والنِّكاحِ؛ لأنَّه (13) لا يُقْضَى فيه بالنُّكُولِ، فلا يُسْتَحْلَفُ فيه، كالنِّكاحِ إذا ادَّعَى زَوْجِيَّتَها فأنْكَرَتْه. وإن اخْتلَفا فى عَدَدِ الطَّلاقِ، فالقولُ قولُه؛ لما ذَكَرْنَاه. فإذا طلَّقَ ثلاثًا، وسَمِعَتْ ذلك، وأنكَرَ، أو ثَبَتَ ذلك عِنْدَها بقولِ عَدْلَينِ، لم يَحِلَّ لها تَمْكِينُه مِن نَفْسِها، وعليها أَنْ تَفِرَّ منه ما استطاعَتْ، وتَمتنِعَ منه إذا أرادَها، وتَفْتدِىَ منه إن قَدَرَتْ. قال أحمدُ: لا يَسَعُها أَنْ تُقِيمَ معه. وقال أيضًا: تَفْتدِى منه بما تَقْدِرُ عليه، فإن أُجْبِرَتْ على ذلك فلا تَزَيَّنُ له، ولا تَقْرَبُهُ، وتَّهْرُبُ (14) إنْ قَدَرَتْ. وإِنْ شَهِدَ عندها عَدْلانِ، غيرُ مُتَّهَمَيْنِ، فلا تُقِيمُ معه. وهذا قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ. قال جابرُ بن زيدٍ، وحمادُ بنُ أبى سليمانَ، وابن سِيرينَ: تَفِرُّ منه ما اسْتطاعَتْ، وتَفْتدِى منه بِكُل [ما يُمْكِنُ](15). وقال الثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ، وأبو يوسفَ، وأبو عُبَيدٍ: تَفِرُّ منه. وقال مالكٌ: لا تَتَزَيَّنُ له، ولا تُبْدِى له شيئًا من شَعْرِها ولا عُرْيَتِهَا (16)، ولا يُصِيبُها إلَّا وهى مُكْرَهَةٌ. ورُوِىَ عن الحَسَنِ، والزُّهْرِىِّ، والنَّخَعِىِّ: يُسْتَحْلَفُ، ثم يَكونُ الإِثْمُ عليه. والصَّحيحُ ما قالَه الأوَّلُونَ؛ لأنَّ هذه تَعْلمُ أنَّها أجْنَبِيَّةٌ منه، مُحَرَّمَة عليه، فوَجَبَ عليها الامْتناعُ، والفِرارُ منه، كسَائِرِ الأجْنَبِيَّاتِ. وهكذا لو ادَّعَى نِكاحَ امرأةٍ كَذِبًا، وأقامَ بذلك شاهِدَىْ زُورٍ، فحَكَمَ له الحاكمُ بالزَّوجِيَّةِ، أو لو (17) تَزَوَّجَها تَزْويجًا باطلًا، وسُلِّمَتْ إليه بذلك،
(11) أخرجه الدارقطنى، فى: باب فى المرأة تقتل إذا ارتدت، من كتاب فى الأقضية والأحكام وغير ذلك. سنن الدارقطنى 4/ 218. والبيهقى، فى: باب البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه، من كتاب الدعوى والبينات. السنن الكبرى 10/ 252، 253. والإمام الشافعى فى مسنده. انظر: ترتيب المسند 2/ 181.
(12)
فى م: "أبو طالب".
(13)
سقط من: الأصل.
(14)
فى أزيادة: "منه".
(15)
فى ب: "ممكن".
(16)
عريتها: مُجَرَّدها.
(17)
فى م: "ولو".