الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَسْتَأْنِفَ العِدَّةَ مِن الْوَطْءِ، ويَدْخُلُ فيها بَقِيَّةُ عِدَّةِ الطَّلاقِ؛ لِأَنَّهما عِدَّتانِ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فتَدَاخَلَتا (7)، كما لو طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فلم تَنْقَض عِدَّتُهَا حتى طَلَّقَهَا، وله ارْتِجَاعُها فى بَقِيَّةِ العِدَّةِ الأُولَى؛ لأَنَّها عِدَّةٌ مِن الطَّلاقِ، فَإِذَا مَضَت البَقِيَّةُ، لم يَكُنْ له ارْتِجَاعُها فى بَقِيَّةِ عِدَّةِ الوَطْءِ؛ لأنَّها عِدَّةٌ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، فإِنْ حَبِلَتْ مِن الوَطْءِ، صَارَتْ فى عِدَّةِ الوَطْءِ، وتَدْخُلُ فيها البَقِيَّةُ الأُولَى؛ لِأَنَّهُما (8) عِدَّتانِ لِوَاحِدٍ، فأشْبَهَ ما لو كانا بالأقْرَاءِ، وتَنْقَضِى العِدَّتانِ جَمِيعًا بِوَضْعِ الحَمْلِ؛ لأَنَّهُ لا يَتَبَعَّضُ، وله مُراجَعَتُها قبلَ وَضْعِه؛ لأنَّها فى عِدَّةٍ مِن الطَّلاقِ. ويَحْتَمِلُ أَنْ لا يَتَدَاخَلَا؛ لأَنَّهما مِن جِنْسَيْنِ. فعلى هذا تَصِيرُ مُعْتَدَّةً مِن الوَطْءِ خاصَّةً. وهلْ له رَجْعَتُها فى مُدَّةِ الحَمْلِ؟ على وَجْهَيْنِ، مَضَى تَوْجِيهُهُما فيما إِذا حَمَلَتَ مِنْ وَطْءِ زَوْجٍ ثَانٍ (9)، فإذا وَضَعَتْ أَتَمَّتْ عِدَّةَ الطَّلاقِ، وله ارْتِجَاعُها فى هذه البَقِيَّةِ؛ لأنَّها مِنْ عِدَّةِ الطَّلاقِ. ولو طَلَّقَها حامِلًا، ثم وَطِئَها، انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الحَمْلِ منهما جَمِيعًا. ويَحْتَمِلُ أَنْ تَسْتَأْنِفَ عِدَّةً لِلوَطْء (10) بعدَ وَضْعِ الحَمْلِ؛ لمَا ذَكَرْنَا. ولا رَجْعَةَ له بعدَ وَضْعِ الحَمْلِ فى هذه الصُّورَةِ بِكُلِّ حالٍ. ومذهبُ الشَّافِعِىِّ فى هذا الْفَصْلِ كُلِّه على مَا ذَكَرْنا سواءً.
1296 - مسألة؛ قال: (وَإِذَا طَلَّقَهَا، ثُمَّ أَشْهَدْ عَلَى الْمُرَاجَعَةِ مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ، فَاعْتَدَّتْ، ثُمَّ نَكَحَتْ مَنْ أَصَابَهَا، رُدَّتْ إِلَيْهِ، وَلَا يُصِيُبَها حَتَّى تَنْقَضِى عِدَّتُهَا فِى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالأُخرَى هِىَ زَوْجَةُ الثَّانِى)
وجُمْلَةُ ذلك، أَنَّ زَوْجَ الرَّجْعِيَّةِ إذا رَاجَعَها، وهى لا تَعْلَمُ، صَحَّتِ الْمُرَاجَعَةُ (1)؛ لأنَّها لا تَفْتَقِرُ إلى رِضَاها، فلم تَفْتَقِرْ إلى عِلْمِها كَطَلَاقِها. فإِذا رَاجَعَها ولم تَعْلَمْ،
(7) فى الأصل، أ:"فتداخلا".
(8)
فى ب، م:"ولأنَّهما".
(9)
فى صفحة 557.
(10)
فى ب، م:"الوطء".
(1)
فى أ: "الرجعة".
فانْقَضَتْ عِدَّتُها، وتَزَوَّجَتْ (2)، ثم جاءَ وادَّعَى أنَّه كان راجَعَها قبلَ انْقِضاءِ عِدَّتِها، وأقامَ (3) البَيِّنَةَ على ذلك، ثَبَتَ أنَّها زَوْجَتُه، وأنَّ نِكاحَ الثَّانِى فاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ غيرِه، وتُرَدُّ إِلى الْأَوَّلِ، سَوَاءٌ دَخَلَ بها الثَّانِى أو لم يَدْخُلْ بها. هذا هو الصَّحِيحُ، وهو مَذْهَبُ أكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ منهم الثَّوْرِىُّ، والشَّافِعِىُّ، وأبو عُبَيْدٍ، وأصْحَابُ الرَّأْىِ. ورُوِىَ ذلك عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّه عنه. وعن أبى عبدِ اللَّهِ، رحمه الله. رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ، إِنْ دَخَلَ بها الثَّانِى فهى امْرَأَتُهُ، ويَبْطُلُ نِكاحُ الْأَوَّلِ (4). رُوِىَ ذلك عن عمرَ بنِ الخَطَّابِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه. وهو قَوْلُ مالِكٍ. ورُوِىَ مَعْناهُ عن سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ، وعبدِ الرحمنِ بنِ القاسِمِ، ونَافِعٍ؛ لأنَّ كُلَّ وَاحِدٍ منهما عَقَدَ عليها، وهى مِمَّنْ يجوزُ له العَقْدُ عليها فى الظَّاهِرِ، ومع الثَّانى مَزِيَّةُ الدُّخُولِ، فقُدِّمَ بها. ولنا، أَنَّ الرَّجْعَةَ قد صَحَّتْ، وتَزَوَّجَتْ وهى زَوْجَةُ الأَوَّلِ، فلم يَصِحَّ نِكَاحُها، كما لو لم يُطَلِّقْها. فإذا ثَبَتَ هذا، فإِنْ كان الثَّانِى ما دَخَلَ بها، فُرِّقَ بينهما، ورُدَّتْ إلى الْأَوَّلِ، ولا شىءَ على الثَّانِى. وإِنْ كان دَخَلَ بها، فلها عليهِ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لأنَّ هذا وَطْءُ شُبْهَةٍ، وَتَعْتَدُّ، ولا تَحِلُّ للأوَّلِ حتى تَنْقَضِىَ (5) عِدَّتُها منه. وإِنْ أقَامَ البَيِّنةَ قبْلَ دُخُولِ الثَّانِى بها، رُدَّتْ إلى الأَوَّلِ، بِغيرِ خِلافٍ فى المَذْهَبِ. وهو إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عن مالِكٍ. وأمَّا إِنْ تَزَوَّجَها مع عِلْمِها بِالرَّجْعَةِ، أو عِلْمِ أَحَدِهما، فالنِّكاحُ باطِلٌ بغَيرِ خِلافٍ، والوَطْءُ مُحَرَّمٌ على مَنْ عَلِمَ منهما (6)، وحُكْمُهُ حُكْمُ الزَّانِى فى الحَدِّ وغيرِه؛ لأَنَّهُ وَطِئَ امْرِأَةَ غيرِه مع عِلْمِهِ. فأمَّا إِنْ لم يَكُنْ لِمُدَّعِى الرَّجْعَةِ بَيِّنَةٌ، فأنْكَرَهُ أَحَدُهما، لم يُقْبَلْ قَوْلُه، ولكنْ إنْ أنْكَرَاهُ (7) جَمِيعًا، فالنِّكاحُ صحيحٌ فى حَقِّهِما (8)، وإن اعْتَرَفا له بِالرَّجْعَةِ، ثَبَتَتْ،
(2) فى م: "ثم تزوجت".
(3)
فى الأصل: "أو أقام".
(4)
فى ب: "الأولى".
(5)
فى أ: "تقضى".
(6)
سقط من: الأصل.
(7)
فى الأصل: "أنكره".
(8)
فى الأصل: "حقها".
والحُكْمُ فيه كما لو قامَتْ به البَيِّنَةُ سَوَاءً. وإِنْ أَقَرَّ له الزَّوْجُ وَحْدَه، فقد اعْتَرَفَ بِفَسادِ نِكاحِهِ، فتَبِينُ منه، وعليه مَهْرُها إنْ كان بعدَ الدُّخُولِ، أو نِصْفُه إِنْ كان قَبْلَهُ، لِأَنَّهُ لا يُصَدَّقُ على المَرْأَةِ فى إِسْقاطِ حَقِّها عنه، ولا تُسَلَّمُ المَرْأَةُ إلى المُدَّعِى؛ لأنَّهُ لا يُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ الثَّانِى عليها، وإِنَّما يَلْزَمُهُ فى حَقِّهِ، ويَكُونُ القَوْلُ قَوْلَهَا. وهل هو مع يَمِينِها أو لا؟ على وَجْهَيْنِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّها لا تُسْتَحْلَفُ؛ لأنَّها لو أَقَرَّتْ، لم يُقْبَلْ إِقْرَارُها، فإِذَا أَنْكَرَتْ، لم تَجِبِ الْيَمِينُ بإنْكارِها. وإنِ اعْتَرَفَت الْمَرْأَةُ وأَنْكَرَ الزَّوْجُ، لم يُقْبَلِ اعْتَرَافُهَا على الزَّوْجِ فى فَسْخِ نِكاحِه (9)؛ لِأَنَّ قَوْلَها إِنَّما يُقْبَلُ على نَفْسِها فى حَقِّها. وهل يُسْتَحْلَفُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهما، لا يُسْتَحْلَفُ. اخْتارَهُ القاضى؛ لأَنَّهُ دَعْوَى فى النِّكاحِ، فلم يُسْتَحْلَفْ، كما لو ادَّعَى زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ فأنْكَرَتْهُ. والثَّانى، يُسْتَحْلَفُ. قال القاضى: وهو قَوْلُ الخِرَقِىِّ؛ لِعُمُومِ قَوْلِه عليه السلام: "وَلكِنَّ اليَمِينَ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ"(10). ولأَنَّهُ دَعْوَى فى حَقِّ آدَمِىٍ، فيُسْتَحْلَفُ فيه كالمَالِ. فإنْ حَلَفَ فيَمِينُه على نَفْىِ العِلْمِ؛ لأنَّهُ على نَفْىِ فِعْلِ الغَيْرِ. فإنْ زالَ نِكَاحُهُ بِطَلاقٍ، أَو فَسْخٍ، أو مَوْتٍ، رُدَّتْ إلى الأَوَّلِ مِنْ غيرِ عَقْدٍ؛ لأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ رَدِّهَا إِنَّما كان لِحَقِّ الثَّانى، فَإِذا زَالَ، زالَ (11) المانِعُ (12)، وَحُكِمَ بِأَنَّهَا زَوْجَةُ الأَوَّلِ، كما لو شَهِدَ بِحُرِّيَّةِ عبدٍ ثم اشْتَرَاهُ، عَتَقَ عليه. ولا يَلْزَمُها لِلْأَوَّلِ مَهْرٌ بِحَالٍ. وذَكَرَ القاضى، أَنَّ عليها له مَهْرًا. وهو قَوْلُ بعضِ أصْحابِ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّها أَقَرّتْ أنَّها حَالَتْ بينه وبين بَعْضِهَا (13) بِغيرِ حَقٍّ، فَأشْبَهَ شُهُودَ الطَّلاقِ إِذا رَجَعُوا. ولَنا، أَنَّ مِلْكَها اسْتَقَرَّ على المَهْرِ، فلم يَرْجِعْ به عليها، كما لو ارْتَدَّتْ، أو أسْلَمَتْ، أو قَتَلَتْ نَفْسَها، فإنْ ماتَ الأوَّلُ وهى فى نِكاحِ الثَّانِى، فيَنْبَغِى
(9) فى م: "النكاح".
(10)
تقدم تخريجه فى: 6/ 525.
(11)
سقط من: أ، ب، م.
(12)
فى الأصل: "المنع".
(13)
لعل الصواب: "بضعها".