الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جاءَها بقِيمَتِه مع إمكانِ شِرَائِه، لم يَلْزَمْها قَبُولُها؛ لما ذَكَرْنا، ولأنَّه يُفوِّتُ عليها العِوَضَ فى عِتْقِ أبِيها.
فصل:
ولا يَصِحُّ الصَّداقُ إلَّا مَعْلُومًا يَصِحُّ بمِثْلِه البَيْعُ. وهذا اخْتِيارُ أبى بكرٍ، ومذهبُ الشافعىِّ. وقال القاضى: يَصِحُّ مَجْهُولًا، ما لم تَزِدْ جَهالَتُه على مَهْرِ المِثْلِ؛ لأنَّ جعفرَ بن محمدٍ نَقَلَ عن أحمدَ، فى رَجُلٍ تَزَوّجَ امْرأةً على أَلْفِ دِرْهمٍ وخادِمٍ، فطَلَّقها قبلَ أن يَدْخُلَ بها: يُقَوَّمُ الخادِمُ وَسَطًا على قَدْرِ ما يَخْدُمُ مِثْلَها. ونحوُ هذا قولُ أبى حنيفةَ. فعلى هذا إذا تَزَوَّجَها على عَبْدٍ، أو أمَةٍ، أو فَرَسٍ، أو بَغْلٍ، أو حيوانٍ من جِنْسٍ مَعْلومٍ، أو ثَوْبٍ هَرَوِىٍّ أو مَرَوِىٍّ (6)، وما أشْبهَهُ ممَّا يُذْكَرُ جِنْسُه، فإنَّه يَصِحُّ، ولها الوَسَطُ. وكذلك قَفِيزُ حِنْطةٍ، وعشرةُ أرْطالِ زَيْتٍ. وإن كانت الْجَهالةُ تَزِيدُ على جَهالةِ مَهْرِ المِثْلِ، كَثَوْبٍ أو دابَّةٍ أو حيوانٍ، أو على حُكْمِها أو حُكْمِه أو حُكْمِ أجْنَبىٍّ، أو على حِنْطةٍ أو شعيرٍ أو زيتٍ، أو على ما اكْتَسَبه فى العامِ، لم يَصِحَّ؛ لأنَّه لا سَبِيلَ إلى مَعْرِفةِ الوَسَطِ، فيَتَعَذرُ تَسْلِيمُه. وفى الأوَّلِ يَصِحُّ؛ لقولِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"الْعَلائِقُ مَا تَراضَى عَلَيْهِ الأَهْلُونَ"(7). وهذا قد تَرَاضَوْا عليه، ولأنَّه موضعٌ يَثْبُتُ فيه الحيوانُ فى الذِّمّةِ بَدَلًا عمَّا ليس المَقْصُودُ فيه المالَ، فثَبَتَ مُطْلَقًا كالدِّيَةِ، ولأنَّ جَهالةَ التَّسْمِيَةِ ههُنا أقَلُّ من جَهالةِ مَهْرِ المِثْلِ؛ لأنَّه يعْتَبَرُ بنِسائِها ممَّن يُسَاوِيها فى صِفَاتِها وبَلَدِها وزَمانِها ونَسَبِها، ثم لو تَزَوَّجَها على مَهْرِ مِثْلِها صَحَّ، فههُنا مع قِلَّةِ الجَهْلِ فيه أَوْلَى، ويفارِقُ البيعَ؛ فإنَّه لا يَحْتَمِلُ فيه الجهالةَ بحالٍ. وقال مالكٌ: يَصِحُّ مجهولًا؛ لأنَّ ذلك ليس بأكْثَرَ من تَرْكِ ذِكْرِه. وقال أبو الخَطَّابِ: إن تَزَوَّجها على عبدٍ من عَبِيدِه، أو قميصٍ من قُمْصانِه، أو عِمَامةٍ من عَمائِمِه، [ونحوِ ذلك](8)، صَحَّ؛ لأنَّ أحمدَ قال، فى
(6) النسبة إلى مَرْوَ، مَرْوَزِىّ، على غير قياس. وهى التى تنسب إليها الثياب. أما المروى، فهو بفتح الميم والراء: نسبة إلى مروة، مدينة بالحجاز نحو وادى القرى. انظر: اللباب 3/ 127، 128.
(7)
تقدم تخريجه فى صفحة 98.
(8)
سقط من: ب.
رِوايةِ مُهَنَّا، فى مَن تَزَوَّجَ على عبدٍ من عَبِيدِه: جائزٌ، فإن كانوا عَشرةَ عَبِيدٍ، تُعْطَى من أوْسَطِهِم، فإن تَشَاحَّا أُقْرِعَ بينهم. قُلْتُ: وتَسْتَقِيمُ القُرْعةُ فى هذا؟ قال: نعم. وَوَجْهُه أَنَّ الجَهالةَ ههُنا يَسِيرةٌ، ويُمْكِنُ التَّعْيِينُ بالقُرْعةِ، بخلافِ ما إذا أصْدَقَها عبدًا مُطْلَقًا، فإن الجَهالةَ تَكْثُر، فلا يَصِحُّ. ولَنا، أَنَّ الصَّداقَ عِوَضٌ فى عَقْدِ مُعاوَضةٍ، فلم يَصِحَّ مَجْهولًا، كعِوَضِ البيعِ والإجارةِ، ولأنَّ المجهولَ لا يَصْلُحُ عِوَضًا فى البيعِ، فلم تَصِحَّ تَسْمِيتُه كالمُحَرَّمِ، وكما (9) لو زادت جهالَتُه على مَهْرِ المِثْلِ، وأمَّا الخبرُ، فالمرادُ به ما تَرَاضَوْا عليه ممَّا يَصْلُحُ عِوَضًا، بدليلِ سائرِ مالا يَصْلُحُ، وأمَّا الدِّيَةُ، فإنَّها تَثْبُتُ بالشرعِ، لا بالعَقْدِ، وهى خارِجةٌ عن القِياسِ فى تَقْدِيرِها، ومَنْ وَجَبَتْ عليه فلا يَنْبَغِى أن تُجْعَلَ أصْلًا، ثم إنَّ الحيوانَ الثابتَ فيها موصوفٌ بسِنِّه، مُقَدَّرٌ بقِيمَتِه، فكيف يُقَاسُ عليه العَبْدُ المُطْلَقُ فى الأمْرَيْنِ؟ ثم ليست عَقْدًا، وإنَّما الواجِبُ (10) بَدَلُ مُتْلَفٍ، لا يُعْتَبَرُ فيه التَّرَاضِى، فهو كقِيَمِ المُتْلَفاتِ، فكيف يُقاسُ عليها عِوَضٌ فى عَقْدٍ يُعْتَبَرُ تَراضِيهما به؟ ثم إنَّ قِياسَ العِوَض فى عَقْدِ مُعاوَضةٍ على عِوَضٍ فى مُعاوضةٍ أخرى، أصَحُّ وأوْلَى من قِياسِه على بَدَلِ مُتْلَفٍ، وأمَّا مَهْرُ المِثْلِ، فإنَّما يجبُ عند عَدَمِ التَّسْمِيَةِ الصحيحةِ، كما تجبُ قِيَمُ المُتْلَفاتِ، وإن كانت تحتاجُ إلى نَظَرٍ، ألا تَرى أنَّا نَصِيرُ إلى مَهْرِ المِثْلِ عند عَدَمِ (11) التَّسْمِيَةِ، ولا نَصِيرُ إلى عَبْدٍ مُطْلَقٍ، ولو باع ثَوْبًا بعبدٍ مُطْلقٍ فأتْلَفَه المشترِى، فإنَّا نَصِيرُ إلى تَقْوِيمِه، ولا نُوجِبُ العَبْدَ المُطْلقَ، ثم لا نُسَلِّمُ أَنَّ (12) جَهالةَ المُطْلَقِ من الجِنْسِ الواحدِ دُونَ جَهالةِ مَهْرِ المِثْلِ، فإنَّ العادةَ فى القبائلِ والقُرَى أن يكونَ لنِسائِهِم مَهْرٌ لا يكادُ يختلفُ إلَّا بالبَكارةِ والثُّيُوبةِ فحَسْبُ، فيكونُ إذًا
(9) فى أ، م:"وكذا".
(10)
فى ب زيادة: "فيها".
(11)
سقط من: أ، م.
(12)
فى ب: "إلى".