الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كانت فى حالِ السُّنَّةِ، دِينَ فيما بينَه وبينَ اللَّهِ تعالى. وهل يُقبَلُ فى الحُكمِ؟ على وَجْهَيْنِ، كما تقدَّم.
فصل:
فإن عَكَسَ، فقال: أنتِ طالقٌ أقْبَحَ الطَّلاقِ، وأسْمَجَه، أو أفحشَه، أو أنْتَنَه، أو أرْدأَه. حُمِلَ على طَلاقِ البِدْعةِ، فإن كانت فى وقتِ البِدْعةِ، وإلَّا وقفَ على مَجىءِ زمانِ البِدْعةِ. وحُكِىَ عن أبى بكرٍ، أنَّه يَقَعُ ثلاثًا، إن قُلْنا: إنَّ جَمْعَ الثَّلاثِ بدْعةٌ. ويَنْبغِى أن تَقَعَ الثَّلاثُ فى وقتِ البِدْعةِ؛ ليكونَ جامعًا لبِدْعَتَى الطَّلاقِ، فيكونُ أَقْبَحَ الطَّلاقِ. وإن نَوَى بذلك غيرَ طلاقِ البِدْعةِ، نحوَ أن يَقولَ: إنَّما أرَدْتُ أَنَّ طلاقَك أقبحُ الطَّلاقِ؛ لأنَّك لا تَسْتحِقِّينَه؛ لحُسْنِ عِشْرَتِك، وجَميلِ طَريقتِك. وقعَ فى الحالِ. وإن قال: أرَدْتُ بذلك طلاقَ السُّنَّةِ، ليتأخَّرَ الطَّلاقُ عن نفسِه إلى زمنِ السُّنَّةِ. لم يُقْبَلْ؛ لأنَّ لفظَه لا يَحْتمِلُه. وإن قال: أنتِ طالق طَلْقةً حَسَنةً قَبِيحةً، فاحِشَةً جميلةً، تامَّة ناقِصةً. وقعَ فى الحالِ؛ لأنَّه وصَفَها بصِفَتَيْنِ مُتَضَادَّتَيْنِ، فلَغَيا، وبَقِىَ مُجرَّدُ الطَّلاقِ. فإن قال: أردتُ أنَّها حسنةٌ لكونِها فى زمانِ السُّنَّةِ، وقبيحةٌ (12) لإِضْرارِها بك. أو قال: أرَدْتُ أنَّها حَسَنةٌ لتخْليصِى مِن شَرِّك وسُوءِ [عِشْرَتَكِ و](13) خُلُقكِ، وقبيحةٌ لكَوْنِها فى زمانِ البِدْعةِ. وكان ذلك يُؤخِّرُ وُقوعَ الطَّلاقِ عنه، دِينَ. وهل يُقْبَلُ فى الحُكمِ؟ يُخَرَّجُ على وَجْهَيْنِ.
فصل: فإن قال: أنتِ طالقٌ طلاقَ الحَرَجِ، فقال القاضى: معناه طلاقُ البِدْعةِ؛ لأنَّ الحَرَجَ الضِّيقُ والإثْمُ، فكأنَّه قال: طلاقُ الإِثْمِ، وطلاقُ البدعةِ طلاقُ إثمٍ. وحَكَى ابنُ الْمُنذِرِ، عن عَلِىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه يَقَعُ ثلاثًا؛ لأنَّ الحَرَجَ الضِّيقُ، والذى يُضَيِّقُ عليه، ويَمْنعُه الرُّجوجَ إليها، ويَمْنعُها الرُّجوعَ إليه، هو الثَّلاثُ، وهو مع ذلك طلاقُ بِدْعةٍ، وفيه إثْمٌ، فيَجْتمِعُ عليه الأمرانِ: الضِّيقُ والإِثْمُ. وإن قال: طلاقَ
(12) فى الأصل: "وقبيحها".
(13)
سقط من: أ، ب، م.
الحَرَجِ والسُّنَّةِ. كان كقولِه: طلاقَ البِدْعةِ والسُّنَّةِ.
1252 -
مسألة؛ قال: (وَطَلَاقُ الزَّائِلِ الْعَقْلِ بِلَا سُكْرِ، لَا (1) يَقَعُ)
أجْمعَ أهلُ العلمِ على أَنَّ الزَّائلَ العقلِ بغيرِ (2) سُكرٍ، أو ما فى مَعْناه، لا يَقَعُ طَلاقُه. كذلك قال عمانُ، وعلىٌّ، وسعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، والحسنُ، والنَّخَعِىُّ، والشَّعْبىُّ، وأبو قِلابَةَ، وقَتَادَةُ، والزُّهْرِىُّ، ويحيى الأنصارِىُّ، ومالكٌ، والثَّوْرِىُّ، والشَّافعىُّ، وأصحابُ الرَّأْى. وأجْمَعُوا على أَنَّ الرَّجُلَ إذا طلَّقَ فى حالِ نومِه، فلا طَلاقَ له. وقد ثَبَتَ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:"رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ؛ عَنِ النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ (3) "(4). ورُوِىَ عن أبى هُرَيْرةَ، عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:"كُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ، إلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ". روَاه النَّجَّادُ (5). وقال التِّرْمِذِىُّ: لا نَعْرِفُه إلَّا مِن حديثِ عَطاءِ بن عَجْلانَ، وهو ذاهِبُ الحديثِ. ورَوَى بإسنادِه عن علِىٍّ مثلَ ذلك (6). ولأنَّه قولٌ يُزيلُ المِلْكَ، فاعتُبِرَ له العقلُ، كالبيعِ. وسواءٌ زال عقلُه لجنونٍ، أو إغْماءٍ، أو نَومٍ، أو شُرْبِ دَاوءٍ، أو إكْراهٍ على شُربِ خمرٍ، أو شَرِبَ ما يُزيلُ [عَقْلَه شُرْبُه](7)، ولا يَعلمُ أنَّه مُزِيَلٌ للعقلِ، فكلُّ هذا يَمْنَعُ وقوعَ الطَّلاقِ، روايةً واحدةً، ولا نَعلمُ فيه خلافًا. فأمَّا إن شَرِبَ
(1) فى الأصل: "لم".
(2)
فى الأصل: "بلا".
(3)
فى ب، م:"يفيق".
(4)
تقدم تخريجه، فى: 2/ 50.
(5)
وأخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء فى طلاق المعتوه، من كتاب الطلاق. عارضة الأحوذى 5/ 166، 167.
(6)
الضمير فى "روى" يعود إلى النجاد، وأورده البخارى، فى: باب الطلاق فى الإغلاق والكره. . .، من كتاب الطلاق. صحيح البخارى 7/ 59.
كما أخرجه ابن أبى شيبة، فى: باب ما قالوا فى طلاق المعتوه، من كتاب الطلاق. المصنف 5/ 31.
(7)
فى الأصل: "العقل أو شربه".