الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذى يَلِى الحَيْضةَ قبلَ أن يمسَّها، فهو طلاقُ سُنَّةٍ. وقال أصحابُ مالكٍ: لا يُطَلِّقُها حتى تَطْهُرَ، ثم تَحِيضَ، ثم تَطْهُرَ، على ما جاء فى الحديثِ. ولَنا، قوله تعالى:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} . وهذا مُطَلِّقٌ للعِدَّةِ، فيَدْخلُ فى الأمرِ. وقد رَوَى يُونُسُ بنُ جُبَيْرٍ، وسعيدُ بنُ جبيرٍ، وابنُ سيرينَ، وزيدُ بنُ أسْلَمَ، وأبو الزُّبَيْرِ، عن ابنِ عمرَ، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أمرَه أن يُراجعَها حتى تَطْهُرَ، ثم إن شاءَ طلَّقَ، وإن شاءَ أمسكَ. ولم يذكروا تلك الزِّيادةَ. وهو حديثٌ صحيحٌ مُتَّفَقٌ عليه. ولأنَّه طُهْرٌ لم يَمسَّها فيه، فأشْبَهَ الطُّهْرَ (20) الثَّانِىَ، وحديثُهم محمولٌ على الاسْتِحْبابِ.
1248 - مسألة؛ قال: (وَلَوْ طَلَّقَها ثَلَاثًا فِى طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيه، كَانَ أَيْضًا لِلسُّنَّةِ، وَكَانَ تارِكًا لِلاخْتِيَارِ)
اخْتلَفتِ الرِّوايةُ عن أحمدَ فى جَمْعِ الثَّلاثِ؛ فرُوِىَ عنه أنَّه غيرُ مُحَرَّمٍ. اخْتارَه الخِرَقِىُّ. وهو مذهبُ الشَّافعىِّ، وأبى ثَوْرٍ، وداودَ. ورُوِىَ ذلك عن الحسنِ بنِ عَلِىٍّ، وعبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوْفٍ، والشَّعْبِىِّ؛ لأنَّ عُويْمِرَ العَجْلَانِىَّ لمَّا لَاعَنَ امرأته، قال: كذبتُ عليها يا رسولَ اللَّهِ إنْ أمْسَكْتُها. فطَّلَقها ثلاثًا قبلَ أن يأمُرَه رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَّفَقٌ عليه (1). ولم يُنْقَلْ إنكارُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. وعن عائشةَ أنَّ امرأةَ رِفَاعةَ جاءتْ إلى رسولِ
(20) سقط من: ب، م.
(1)
أخرجه البخارى، فى: باب من أجاز طلاق الثلاث لقول اللَّه تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} ، من كتاب الطلاق، وفى: باب من أظهر الفاحشة. . .، من كتاب الحدود، وفى: باب ما يكره من التعمق والتنازع فى العلم. . .، من كتاب الاعتصام. صحيح البخارى 7/ 54، 55، 8/ 217، 9/ 121. ومسلم، فى: كتاب اللعان. صحيح مسلم 2/ 1129 - 1132.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب فى اللعان، من كتاب الطلاق. سنن أبى داود 1/ 520. والنسائى، فى: باب الرخصة فى ذلك، وباب بدء اللعان، من كتاب الطلاق. المجتبى 6/ 117، 140. والدارمى، فى: باب فى اللعان، من كتاب النكاح. سنن الدارمى 2/ 150. والإمام مالك، فى: باب ما جاء فى اللعان، من كتاب الطلاق. الموطأ 2/ 566، 567. والإمام أحمد، فى: المسند 5/ 331، 337.
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّ رِفاعةَ طَلَّقَنِى، فبَتَّ طَلاقِى. مُتَّفقٌ عليه (2). وفى حديثِ فاطمةَ بنتِ قيسٍ، أن زَوجَها أرسلَ إليها بثلاثِ تَطْليقاتٍ (3). ولأنَّه طلاقٌ جازَ تَفْرِيقُه، فجازَ جمعُه، كطلاقِ النِّسَاءِ. والروايةُ الثانيةُ، أنَّ جَمْعَ الثَّلاثِ طلاقُ بِدْعَةٍ، مُحَرَّمٌ. اختارَها أبو بكرٍ، وأبو حفصٍ. رُوِىَ ذلك عن عمرَ، وعَلِىٍّ، وابنِ مسعودٍ، وابنِ عبَّاس، وابنِ عمرَ. وهو قولُ مالكٍ، وأبى حنيفةَ. قال عَلِىٌّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: لا يُطَلِّقُ أحدٌ للسُّنَّةِ فَيَندمُ. وفى روايةٍ قال: يُطَلِّقُها واحدةً، ثم يَدَعُها ما بينَها وبينَ أن تَحِيضَ ثلاثَ حِيَضٍ، فمتى شاءَ راجعَها (4). وعن عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه كان إذا أُتِىَ برجلٍ طلَّقَ ثلاثًا، أوْجَعَه ضَرْبًا (5). وعن مالكِ بنِ الحارِثِ قال: جاء رجلٌ إلى ابنِ عبَّاسٍ فقال: إنَّ عَمِّى طلَّقَ امرأتَه ثلاثًا. فقال: إنَّ عمَّك عصَى اللَّه، وأطاعَ الشَّيطانَ، فلم يَجْعلِ اللَّهُ له مَخْرجًا (6). ووجهُ ذلك قولُ اللَّهِ تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} . إلى قوله: {لَا تَدْرِى لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (7). ثم قال بعد ذلك: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (8). {وَمَنْ
(2) تقدم تخريجه فى صفحة 53.
(3)
تقدم تخريجه فى: 6/ 307، 9/ 567.
(4)
تقدم تخريجهما فى صفحة 327.
(5)
أخرجه البيهقى، فى: باب ما جاء فى إمضاء الطلاق الثلاث وإن كن مجموعات، من كتاب الخلع والطلاق. السنن الكبرى 7/ 334. وعبد الرزاق، فى: باب المطلق ثلاثا، من كتاب الطلاق. المصنف 6/ 396. وسعيد بن منصور، فى: باب التعدى فى الطلاق، من كتاب الطلاق. السنن 3/ 1/ 264.
(6)
أخرجه البيهقى، فى: باب من جعل الثلاث واحدة وما ورد فى خلاف ذلك، من كتاب الخلع والطلاق. السنن الكبرى 7/ 337. وابن أبى شيبة، فى: من كره أن يطلق الرجل امرأته ثلاثا. . .، من كتاب الطلاق. المصنف 5/ 11. وسعيد بن منصور، فى: باب التعدى فى الطلاق، من كتاب الطلاق. السنن 3/ 1/ 262.
(7)
سورة الطلاق 1.
(8)
سورة الطلاق 2.
يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (9). [ومَن جمعَ الثَّلاثَ لم يَبْقَ له أمرٌ يَحْدثُ، ولا يجْعَلُ اللَّهُ له مخرجًا ولا مِن أمْرِه يُسْرًا](10). ورَوى النَّسائى (11)، بإسنادِه عن محمودِ بنِ لَبِيدٍ قال: أُخْبرَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن رجلٍ طلَّقَ امرأتَه ثلاثَ تطليقاتٍ جميعًا، فغَضِبَ، ثم قال:"أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ ". حتى قامَ رجلٌ فقال: يا رسولَ اللَّه، ألَا أقْتُلُه. وفى حديثِ ابنِ عمرَ قال: قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، أرأيتَ لو طلَّقْتُها ثلاثًا؟ قال:"إذًا عَصَيْتَ رَبَّكَ، وَبَانَتْ مِنْكَ امْرَأَتُكَ"(12). ورَوَى الدَّارَقُطنىُّ (13)، بإسْنادِه عن عَلِىٍّ، قال: سمعَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم رجلًا طلُّقَ امْرَأتَه (14) ألْبَتَّةَ، فغَضِبَ، وقال:"تَتَّخِذُونَ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا، أَوْ دِينَ اللَّهِ هُزُوًا أو لَعِبًا (15)؟ مَنْ طَلَّقَ البَتَّةَ أَلْزَمْنَاهُ ثَلاثًا، لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ". ولأنَّه تَحْريمٌ للبُضْعِ بقولِ الزَّوجِ من غيرِ حاجةٍ، فحُرِّمَ كالظِّهَارِ، بل هذا أوْلَى؛ لأنَّ الظِّهارَ يَرْتفعُ تحْرِيمُه بالتَّكفيرِ، وهذا لا سبيلَ للزَّوجِ إلى رَفْعِه بحالٍ، ولأنَّه ضَرَرٌ وإضرارٌ بنَفْسِه وبامْرأتِه من غيرِ حاجةٍ، فيَدْخُلُ فى عُمومِ النَّهْى، ورُبَّما كان وسيلةً إلى عَوْدِه إليها حَرامًا، أو بحِيلَةٍ لا تُزيلُ التَّحريمَ، ووقوعِ النَّدمِ، وخَسارةِ الدُّنيا والآخرةِ، فكان أوْلَى بالتَّحريمِ مِنَ الطَّلاقِ فى الحَيْضِ، الذى ضَرَرُه بَقاؤُها فى العِدَّةِ أيامًا يَسِيرةً، أو الطَّلاقِ فى طُهرٍ مَسَّها فيه، الذى ضَررُه احتْمالُ النَّدمِ بظُهورِ الحملِ؛ فإنَّ ضَرَرَ جَمْعِ الثَّلاثِ يَتضاعفُ على ذلك أضْعافًا كثيرةً، فالتَّحْريمُ ثَمَّ تَنْبِيهٌ على التَّحريمِ ههُنا، ولأنَّه قولُ مَن سمَّينا من الصَّحابةِ، رَوَاه الأثرمُ وغيرُه، ولم يَصِحَّ عنَدنا فى عَصْرِهم خِلافُ قولِهم، فيكونُ ذلك إجماعًا.
(9) سورة الطلاق 4.
(10)
سقط من: الأصل. نقل نظر.
(11)
فى: باب الثلاث المجموعة وما فيه من التغليظ، من كتاب الطلاق. المجتبى 6/ 116.
(12)
تقدم تخريجه فى صفحة 327.
(13)
فى: كتاب الطلاق والخلع والإيلاء وغيره. سنن الدارقطنى 4/ 20.
(14)
سقط من: أ، ب، م.
(15)
فى أ: "ولعبا".
وأمَّا حديثُ المُتلاعِنَيْنِ فغيرُ لازمٍ؛ لأنَّ الفُرْقَةَ لم تَقَعْ بالطَّلاقِ، فإنَّها وقَعتْ بِمُجرَّدِ لِعَانِهما. وعندَ الشَّافعىِّ بمُجرَّدِ لِعانِ الزَّوجِ، فلا حُجَّةَ فيه. ثم إنَّ اللعانَ يُوجِبُ تَحْريمًا مؤبَّدًا، فالطَّلاقُ بعدَه كالطَّلاقِ بعدَ انْفساخِ النِّكاحِ بالرَّضاعِ أو غيرِه، ولأنَّ جَمْعَ الثَّلاثِ إنَّما حَرُمَ لما يَعْقُبُه (16) مِنَ النَّدمِ، ويَحصُلُ به مِنَ الضَّرَرِ، ويَفُوتُ عليه مِن حِلِّ نكاحِها، ولا يَحصُلُ ذلك بالطَّلاقِ بعدَ اللِّعَانِ، لحُصولِه باللِّعانِ، وسائرُ الأحاديثِ لم يَقعْ فيها جَمْعُ الثَّلاثِ بينَ يَدَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، فيكون مُقِرًّا عليه، ولا حضرَ المُطَلِّقُ عندَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم حين أُخْبِرَ بذلك لِيُنْكِرَ عليه. على أنَّ حديثَ فاطمةَ، قد جاء فيه أنَّه أرْسلَ إليها بتَطْليقةٍ كانت بَقِيَتْ لها مِن طلاقِها، وحديثُ امرأةِ رفاعةَ جاء فيه أنَّه طلَّقَها آخِرَ ثلاثِ تَطْليقاتٍ، مُتَّفَقٌ عليه، فلم يَكُنْ فى شىءٍ مِن ذلك جَمْعُ الثَّلاثِ، ولا خلافَ بين الجميعِ فى أَنَّ الاخْتِيارَ والأوْلَى أن يُطلِّقَ واحدةً، ثم يَدعَها حتى تَنْقضِىَ عِدَّتُها، إلا ما حَكَيْنا من قولِ مَنْ قال: إنَّه يُطَلِّقُها فى كلِّ قَرْءٍ طَلْقةً. والأوَّلُ أوْلَى؛ فإنَّ فى ذلك امْتثالًا لأمرِ اللَّهِ سبحانه، ومُوَافقةً لقولِ السَّلَفِ، وأمْنًا مِنَ النَّدمِ، فإنَّه متى نَدِمَ راجعَها، فإن فاتَه ذلك بانْقِضاءِ عِدَّتِها، فله نكاحُها. قال محمدُ بنُ سِيرِينَ: إنَّ عليًّا كرَّم اللَّهُ وجهَه، قال: لو أَنَّ النَّاسَ أخَذُوا بما أمرَ اللَّه مِنَ الطَّلاقِ، ما يُتْبِعُ رجلٌ نفسَه امرأةً أبدًا، يُطَلِّقُها تَطْليقةً ثم يَدعُها، ما بينها وبين أن تَحِيضَ ثلاثًا، فمتى شاءَ راجعَها. روَاه النَّجَّادُ بإسْنادِه (17). وعن عبدِ اللَّهِ قال: مَن أرادَ أن يُطَلِّقَ الطَّلاقَ الذى هو الطَّلاقُ، فليُمْهِلْ، حتى إذا حاضَتْ ثم طَهُرَتْ، طلَّقَها تَطْليقةً فى غيرِ جِمَاعٍ، ثم يَدعُها حتى تَنْقَضِىَ عِدَّتُها (18)، ولا يُطلِّقْها ثلاثًا وهى حامِلٌ، فيجْمَعُ اللَّه عليه نَفقتَها وأجرَ رَضاعِها، ويُندِمُه اللَّهُ، فلا يَستطيعُ إليها سبيلًا (19).
(16) فى الأصل: "يتعقبه".
(17)
تقدم تخريجه فى صفحة 327.
(18)
سقط من: الأصل.
(19)
أخرج ابن أبى شيبة نحوه، فى: باب ما قالوا فيه إذا طلقها وهى حامل؟ من قال عليه النفقة، من كتاب الطلاق. المصنف 5/ 151.