الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَقْتضِى التِّكْرَارَ إلَّا كلَّما، وذكر أبو بكرٍ فى متى أنَّها تَقْتضِى التّكرارَ أيضًا؛ لأنَّها تُستعمَلُ للتَّكرارِ، بدليلِ قولِه:
متى تَأتِه تَعشُو إلى ضَوْءِ نارِه
…
تَجدْ خيرَ نارٍ عندَها خيرُ مُوقِدِ
أى: فى كلِّ وقتٍ. ولأنَّها تُستعمَلُ فى الشَّرْطِ والجزاءِ، ومتى وُجِدَ الشَّرطُ تَرَتَّبَ عليه جَزاؤُه. والصَّحيحُ أنَّها لا تَقْتضِيه؛ لأنَّها اسمُ زمنٍ بمعنى أىّ وقتٍ، وبمعنى إذا، فلا تَقْتضِى ما لا يَقْتضِيَانِه، وكونُها تُسْتعمَلُ للتكْرارِ (16) فى بعضِ أحْيانِها، لا يَمْنعُ استعمالَها فى غيرِهِ، مثل إذا وأىّ وقتٍ، فإنَّهما يُسْتعمَلانِ فى الأمرينِ، قال اللَّهُ تعالى:{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِى آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ} (17). {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} (18). {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا} (19). وقال الشَّاعرُ (20):
قَومٌ إذا الشَّرُّ أبْدَى نَاجِذَيْه لهمْ
…
سَارُوا إليه زُرَافاتٍ ووُحْدانَا
وكذلك أىّ وقتٍ وأىّ زمانٍ، فإنَّهما يُسْتعمَلانِ للتَّكرارِ، وسائرُ الحروفِ يُجازَى بها، إلَّا أنَّها لمَّا كانتْ تُسْتعمَلُ للتَّكْرارِ وغيرِه، لا تُحْمَلُ على التَّكرارِ إلَّا بدليلٍ، كذلك متى.
فصل:
وهذه الحروفُ إذا تَقَدَّمَ جَزاؤُها عليها، لم تَحْتَجْ إلى حرفٍ فى الْجَزاءِ، كقوله: أنتِ طالقٌ إن دخلتِ الدَّارَ. وإن تَأخَّرَ جَزاؤُها، احْتاجتْ فى الجزاءِ إلى حرفِ الفاءِ إذا كان جُمْلةً مِن مبتدأٍ وخَبَرٍ، كقولِه: إن دخلتِ الدَّارَ فأنتِ طالقٌ. وإنَّما اختُصَّتْ بالفاءِ لأنَّها للتَّعْقيبِ، فتَرْبِطُ بينَ الجزاءِ وشَرْطِه، وتَدلُّ على تَعْقيبِه به. فإن
(16) فى أ، ب، م:"للتكرر".
(17)
سورة الأنعام 68. ولم يرد فى ب، م: {حَتَّى يَخُوضُوا فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ}.
(18)
سورة الأنعام 54.
(19)
سورة الأعراف 203.
(20)
هو قريط بن أنيف. والبيت فى الحماسة 1/ 58.
قال: إن دخَلْتِ الدَّارَ أنتِ (21) طالقٌ. لم تَطْلُقْ حتى تَدخُلَ. وبه قال بعضُ الشّافعيَّةِ. وقال محمَّدُ بنُ الحسنِ: تَطْلُقُ فى الحالِ؛ لأنَّه لم يُعَلِّقْه بِدُخولِ الدَّارِ؛ لأنَّه إنَّما يُعلَّقُ (22) بالفاءِ، وهذه لا فاءَ فيها، فيكونَ كلامًا مُستأنَفًا غيزَ مُعَلَّقٍ بشَرْطٍ، فيَثْبُتَ حُكمُه فى الحالِ. ولَنا، أنَّه أتَى بحَرْفِ الشَّرْطِ، فيَدُلُّ ذلك على أنَّه أراد التَّعْليقَ به، وإنَّما حذَفَ الفاءَ وهى مُرَادةٌ، كما يُحْذَفُ المبتداُ تارةً، ويُحْذَفُ الخبرُ أُخْرَى، لدَلالةِ باقى الكلامِ على المحذوفِ، ويَجوزُ أن يَكونَ حَذْفُ الفاءِ على التَّقْديمِ والتَّأْخيرِ، فكأنَّه أرادَ: أنتِ طالقٌ إن دَخَلْتِ الدَّارَ. فقَدَّمَ الشَّرطَ، ومُرادُه التَّأخيرُ، ومَهْما أمْكَنَ حملُ كلامِ العاقلِ على فائدةٍ، وتَصْحيحُه عَنِ الفسادِ، وَجَبَ، وفيما ذكَرْنا تَصحيحُه، وفيما ذكَرُوه إلْغاؤُه. وإن قال: أردتُ الإِيقاعَ فى الحالِ. وقَعَ؛ لأنَّه يُقِرُّ على نفسِه بما هو أغْلَظُ. وإن قال: أنتِ طالقٌ وإن دخلتِ الدَّارَ. وقعَ الطَّلاقُ فى الحالِ؛ لأنَّ معناه أنتِ طالقٌ فى كلِّ حالٍ، ولا يَمنعُ من ذلك دخولُك الدَّارَ، كقَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ قَالَ: لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَإِنْ زَنَى، وَإِنْ سَرَقَ"(23). وقال: "صلْهُمْ وإِنْ قَطَعُوكَ، وَأَعْطِهِمْ وَإِنْ حَرَمُوكَ (24) ". وإن قال: أردتُ الشَّرْطَ، دِينَ. وهل يُقْبَلُ فى الحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ على روايتَيْنِ. فإذا قال: إن دخلْتِ الدَّارَ فأنتِ طالقٌ وإن دَخَلَتِ الأُخْرَى.
(21) فى ب، م:"فأنت".
(22)
فى الأصل، أ:"يتعلق".
(23)
أخرجه البخارى، فى: باب فى الجنائز ومن كان آخر كلامه لا إله إلا اللَّه، من كتاب الجنائز، وفى: باب الثياب البيض، من كتاب اللباس، وفى: باب من أجاب بلبيك وسعديك، من كتاب الاستئذان، وفى: باب المكثرون هم المقلون، وباب قول النبى صلى الله عليه وسلم:"ما أحب أن لى مثل أحد ذهبا"، من كتاب الرقاق، وفى: باب كلام الرب مع جبريل ونداء اللَّه الملائكة، من كتاب التوحيد. صحيح البخارى 2/ 89، 90، 7/ 192، 193، 8/ 75، 117، 118، 9/ 174. ومسلم، فى: باب من مات لا يشرك. . .، من كتاب الإِيمان، وفى: باب الترغيب فى الصدقة، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم 1/ 94، 95، 2/ 688، 689.
كما أخرجه الإمام أحمد، فى: المسند 5/ 152، 159، 161، 166.
(24)
فى أ: "منعوك".
وأخرج نحوه الحاكم، فى: كتاب البر والصلة. المستدرك 4/ 162. وعبد الرزاق، فى: باب صلة الرحم، من كتاب الجامع. المصنف 11/ 172، 173.
فمتى دخلَتِ الأُولَى طَلُقَتْ (25)، سواءٌ دخَلَتِ الأُخْرَى أو لم تَدْخُلْ، ولا تَطْلُقُ بدُخولِ (26) الأُخْرَى. وقال ابنُ الصَّبَّاغِ: تَطْلُقُ بدُخولِ كلِّ واحدةٍ منهما. وقد ذكَرْنا أَنَّ مُقْتَضَى اللُّغةِ ما قُلْناه. وإن قال: أردتُ جَعْلَ الثَّانى شَرْطًا لطلاقِها أيضًا. طَلُقَتْ بكلِّ واحدٍ منهما؛ لأنَّه يُقِرُّ على نَفْسِه بما هو أغْلَظُ. وإن قال: أردتُ أَنَّ دُخولَ الثَّانيةِ شَرْطٌ لطلاقِ الثَّانيةِ، فهو على ما أرادَه (27). وإن قال: أنتِ طالقٌ إن دخلتِ الدَّارَ وإن دَخَلْتِ الأُخْرَى. طَلُقَتْ بدُخولِ إحْداهما؛ لأنَّه عَطَفَ شَرْطًا على شَرْطٍ. فإن قال: أردتُ أَنَّ دُخُولَ الثّانيةِ لا (28) يَمنعُ وقوعَ الطّلاقِ. قُبِلَ منه؛ لأنَّه مُحْتمِلٌ، وطَلُقَتْ بدُخولِ الأُولَى وحدَها. وإن قال: إن دخَلْتِ الدَّارَ وإن دَخَلَتْ هذه الأُخْرَى فأنتِ طالقٌ. فقد قِيلَ: لا تَطْلُقُ إلَّا بدُخولِهما؛ لأنَّه جَعَلَ طلاقَها جزاءً لهذَيْنِ الشَّرطَيْنِ. ويَحْتَمِلُ أن تَطْلُقَ بأحدِهما (29) أيِّهما كان؛ لأنَّه ذكَرَ شَرْطَيْنِ بحَرْفينِ، فيَقْتَضِى كلُّ واحدٍ منهما [جَزاءً، فتَركَ ذِكْرَ](30) جزاءِ الأوَّلِ، وكان الجزاءُ الآخَرُ دَالًّا عليه، كما لو قال: ضَربْتُ وضَرَبَنِى زيدٌ. قال (31) الفَرَزْدَقُ (32):
ولَكِنَّ نِصْفًا لو سَبَبْتُ وسَبَّنِى
…
بَنُوعَبْدِ شَمْسٍ مِنْ قُرَيشٍ وَهَاشِمِ (33)
والتَّقديرُ سبَّنى هؤلاء وسَبَبْتُهم. وقال اللَّه تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} (34). أى عن اليَمينِ قَعِيدٌ وعن الشِّمالِ قَعِيدٌ. وإن قال: إن دخلتِ الدَّارَ وأنتِ
(25) فى أزيادة: "وحدها".
(26)
سقط من: أ.
(27)
فى أ: "أراد".
(28)
سقط من: ب، م.
(29)
فى أ: "بإحداهما".
(30)
سقط من: الأصل.
(31)
فى الأصل: "وقال".
(32)
البيت فى ديوانه 844.
(33)
فى الديوان: "ولكن عدلا". والنصف، بالكسر: الإنصاف. اللسان (ن ص ف). وأورد البيت.
(34)
سورة ق 17.