الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دخلَ الكَعْبةَ، فرأَى فيها صُورةَ إبراهيمَ وإسماعيلَ يسْتَقْسِمانِ بالأَزْلَام، فقال:"قَاتَلَهُمُ اللَّهُ، لَقَدْ عَلِمُوا أنَّهُمَا مَا اسْتَقْسَمَا بِهَا قَطٌّ". رَواه أبو داودَ (34). وما ذَكْرَنا مِن خَبرِ عبدِ اللَّهِ أنَّه دخلَ بيتًا فيه تماثيلُ، وفى شُروطِ عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه على أهلِ الذِّمَّةِ: أَنْ يُوَسِّعوا أَبوابَ كنائسِهِمْ وبِيَعِهم، ليَدْخُلَها المسلمونَ للمَبِيتِ بها، والمارَّةُ بدَوابِّهِم، ورَوَى ابنُ عَائذٍ (35) فى "فُتوحِ الشَّام"، أَنَّ النَّصارَى صَنَعُوا لعمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، حين قدِمَ الشامَ، طعامًا، فدعَوْه، فقال: أين هو؟ قالوا: فى الكنيسةِ، فأبى أَنْ يذهبَ، وقال لعلىٍّ: امْضِ بالنَّاس، فليتَغَدُّوا. فذهبَ علىٌّ، رضىَ اللَّه عنه، بالنَّاسِ، فدخلَ الكنيسةَ، وتغذَّى هو والمسلمونَ، ليجعلَ علىٌّ ينظُر إلى الصُّوَرِ، وقال: ما على أميرِ المؤمنينَ لو دخلَ فأكلَ (36)! وهذا اتفاقٌ منهُمْ على إباحةِ دخولِها وفيها الصُّور (37)، ولأنَّ دخولَ الكنائسِ والبِيَعِ غيرُ مُحرَّمٍ، فكذلك المنازلُ التى فيها الصُّوَرُ، وكَوْنُ الملائكةِ لا تدْخُلُه لا يُوجبُ تحريمَ دُخولِه علينا، كما لو كان فيه كلبٌ، ولا يحْرُمُ علينا صُحْبةُ رُفْقةٍ فييه جَرَسٌ، مع أَنَّ الملائكَة لا تصحَبُهم، وإنَّما أُبيحَ تَرْكُ الدَّعوةِ مِن أجْلِه عُقوبةً لفاعلِه، وزجرًا له (38) عن فعلِه، واللَّهُ أعلمُ.
فصل:
فأمَّا سَتْرُ الحِيطَانِ بسُتورٍ غيرِ مُصَوَّرةٍ؛ فإنْ كان لحاجةٍ مِن وِقَايةِ حَرٍّ أو بَرْدٍ، فلا بأسَ بِه؛ لأنَّه يسْتَعْمِلُه فى حاجتِه، فأشبَهَ السِّتْرَ. على البابِ، وما يلْبَسُه على بدنِه، وإِنْ كان لغيرِ حاجةٍ، فهو مَكْرُوهٌ، وعُذْرٌ فى الرُّجُوعِ عن الدَّعوةِ وتركِ
(34) فى: باب الصلاة فى الكعبة، من كتاب المناسك. سنن أبى داود 1/ 467.
كما أخرجه البخارى، فى: باب من كبر فى نواحى الكعبة، من كتاب الحج، وفى: باب أين ركز النبى صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح، من كتاب المغازى. صحيح البخارى 2/ 184، 5/ 188.
(35)
محمد بن عائذ بن أحمد القرشى الدمشقى، الكاتب المؤرخ المحدث، توفى سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، أو فى التى بعدها. تاريخ التراث العربى 1/ 2/ 114.
(36)
وأخرج البيهقى نحوه، فى: باب المدعو يرى فى الموضع الذى يدعى فيه صورا، من كتاب الصداق. السنن الكبرى 7/ 268.
(37)
فى ب، م:"الصورة".
(38)
سقط من: الأصل.
الإِجابةِ، بدليلِ ما رَوى سالمُ بن عبدِ اللَّه بن عمرَ، قال: أعْرَسْتُ فى عَهْدِ أبى، فآذَنَ أبى النَّاسَ، فكان أبو أيُّوبَ فى مَن آذَنًّا (39)، وقد سَتَرُوا بيتى بِنِجَادٍ (40) أخضرَ، فأقبلَ أبو أيُّوبَ مُسْرِعًا، فاطَّلَعَ، فرأى البيتَ مُستَتِرًا (41) بِنجَادٍ (40) أخضرَ، فقال: يا عبدَ اللَّه أتسْتُرون الجُدُرَ؟ فقال أبى، واسْتَحْيَى: غلبتْنا النِّساءُ (42) يا أبا أيُّوبَ. فقال: مَنْ خَشِيتُ. أن [يَغْلِبَه النِّساءُ](43)، فلم أخشَ أَنْ يغْلِبْنَك. ثم قال: لا أطْعَمُ لكم طعامًا، ولا أدْخُلُ لكم بَيْتًا، ثم خرجَ. رَواه الأَثْرَمُ (44). ورُوِىَ عن عبدِ اللَّه بن يزيدَ الخَطْمِىِّ، أنَّه دُعِىَ إلى طعامٍ، فرأى البيتَ مُنَجَّدًا، فقعدَ خارجًا وبَكَى، قيلَ له: ما يُبكيك؟ قال: إنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم رَأى رجلًا قد رقَّعَ بردةً له بِقطعةِ أَدَمٍ، فقال:"تطَالَعَتْ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا". ثلاثًا، ثم قال:"أَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرٌ أَمْ إِذَا غَدَتْ عَلَيْكُمْ قَصْعَةٌ وَرَاحَتْ أُخْرَى، وَيَغْدُو أَحَدُكُمْ فِى حُلَّةٍ وَيَرُوحُ فِى أُخْرَى، وَتَسْتُرُونَ بُيُوتَكُمْ كَمَا تُسْتَرُ (45) الْكَعْبَةُ؟ ". قال عبدُ اللَّهِ: أفَلا أبْكى، وقد بَقِيْتُ حتى رأيتُكمْ تسْتُرونَ بيوتَكم كما تُسْتَرُ الكعبةُ (46)؟ . وقد رَوَى الخلَّالُ، بإسنادِه عن ابن عباسٍ، وعلىِّ بن الحسينِ، عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ نَهَى أَنْ تُسْتَرَ الْجُدُرُ (47). ورَوت عائشةُ، أَنَّ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم لم يأمُرْ
(39) فى ب، م:"آذن".
(40)
فى الأصل، أ:"بحنادى". وفى ب، م:"بخباء". والمثبت من: مجمع الزوائد.
(41)
فى الأصل: "مسترا".
(42)
سقط من: الأصل.
(43)
فى أ، ب، م:"يغلبنه".
(44)
وأخرجه البيهقى بنحوه، فى: باب ما جاء فى تستير المنازل، من كتاب الصداق. السنن الكبرى 7/ 272. وأورده الهيثمى، فى: باب فى من دعى فرأى ما يكره، من كتاب الصيد. مجمع الزوائد 4/ 54، 55. وقال: رواه الطبرانى فى الكبير، ورجاله رجال الصحيح.
(45)
فى أ: "تسترون".
(46)
أخرجه البيهقى، فى: باب ما جاء فى تستير المنازل، من كتاب الصداق. السنن الكبرى 7/ 272. وعزاه صاحب الكنز إلى الطبرانى فى الكبير. كنز العمال 3/ 216.
(47)
وأخرجه البيهقى، فى الموضع السابق.