الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَزَوُّجَهَا تَزْوِيجًا (6) صَحِيحًا، لا يُرِيدُ بِهِ إِحْلالًا، فلا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَها الْأَوَّلُ. قال ابْنُ الْمُنْذِرِ: لا نَعْلَمُ أحَدًا مِن أهلِ العِلْمِ قال بِقَوْلِ سعيد بنِ المُسَيَّبِ هذا، إلَّا الخَوارِجَ أخَذُوا بِظاهرِ قولِهِ سبحانَه:{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} . ومع تَصْرِيحِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم ببَيانِ المُرَادِ مِنْ كتابِ اللَّهِ تعالى، وأنَّها لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حتَّى يَذُوقَ الثَّانِى عُسَيْلَتَهَا وتَذُوْقَ عُسَيْلَتَهُ، لا يُعَرَّجُ على شيْءٍ سِوَاهُ، ولا يَسُوغُ لأحَدٍ الْمَصِيرُ إلى غيرِه، مع ما عليه جُمْلَةُ أهْلِ العِلْمِ؛ منهم علىُّ بن أبى طالِبٍ، وابْنُ عمرَ، وابنُ عَبَّاسٍ، وجابِرٌ، وعائشَةُ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم، وَمِمَّنْ بعدَهم مَسْرُوقٌ، والزُّهْرِىُّ، ومالكٌ، وأَهْلُ المَدِينَةِ، والثَّوْرِىُّ، وَأصْحابُ الرَّأْىِ، والأَوْزاعِىُّ، وَأَهْلُ الشَّامِ، والشَّافِعِىُّ، وأبو عُبَيْدَةَ، وغيرُهم.
فصل:
ويُشْتَرَطُ لِحِلِّها لِلْأَوَّلِ ثلاثةُ شُرُوطٍ؛ أحدُها، أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَه، فلو كانتْ أُمَةً، فَوَطِئَها سَيِّدُها، لم يُحِلَّها؛ لِقَولِ اللَّهِ تعالى:{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} . وهذا ليس بزَوْجٍ. ولو وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، لم تُبَحْ؛ لما ذَكَرْنا. ولو كانَتْ أَمَةً، فَاسْتَبْرَأَهَا مُطَلِّقُها (7)، لَمْ يَحِلَّ له وَطْؤُها، فى قَوْلِ أَكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ. وقال بعضُ أصْحابِ الشَّافِعِىِّ: تَحِلُّ له؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَخْتَصُّ الزَّوْجيَّةَ فَأَثَّرَ فى التَّحْرِيمِ بها، وقَوْلُ اللَّهِ تعالى:{فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} . صَرِيحٌ فى تَحْرِيمِهَا، فلا يُعَوَّلُ على ما خَالفَهُ، ولِأَنَّ الفَرْجَ لا يجوزُ أَنْ يكونَ مُحَرَّمًا مُبَاحًا، فَسَقَطَ هذا. الشَّرْطُ الثَّانِى، أَنْ يكونَ النِّكاحُ صَحِيحًا، فإنْ كان فاسِدًا لَمْ يُحِلَّها (8) الوَطْءُ فيه، وبهذا قال الحسنُ، والشَّعْبِىُّ، وحَمَّاد، ومالِكٌ، والثَّوْرِىُّ، والأَوْزاعِىُّ، وإِسْحاقُ، وأبو عُبَيْدٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ، والشَّافِعِىُّ فِى الجَدِيدِ. وَقالَ فى القَدِيمِ يُحِلُّها ذلك. وهو قَوْلُ الْحَكَمِ. وخَرَّجَهُ أبو الخَطَّابِ وَجْهًا فى المَذْهَبِ، لِأَنَّهُ زَوْجٌ، فيَدْخُلُ فى عُمُومِ النَّصِّ، ولأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ المُحَلِّلَ وَالمُحَلَّلَ له (9). فَسَمَّاهُ مُحَلِّلًا، مع فَسَادِ
(6) فى م: "تزوجا".
(7)
فى ب: "مطلقًا".
(8)
فى ب: "يحل".
(9)
تقدم فى صفحة 50.
نِكاحِه. ولَنا، قَوْلُ اللَّهِ تعالى:{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} . وَإِطْلاقُ النِّكاحِ يَقْتَضِى الصَّحِيحَ، ولذلك لو حَلَفَ لا يَتَزَوَّجُ، فتَزَوَّح تَزْويجًا فاسِدًا، لم يَحْنَثْ. ولو حَلَفَ لَيَتَزَوَّجَنَّ، لم يَبَرَّ بِالتَّزَوُّجِ الفَّاسِدِ. ولِأَنَّ أَكْثَرَ أَحْكَامِ الزَّوْج غَيْرُ ثابِتَةٍ فيه، مِن الإِحْصانِ، واللِّعَانِ، والظِّهارِ، والْإِيلاءِ، والنَّفَقَةِ، وأَشْباه ذلك. وأَمَّا تَسْمِيَتُهُ مُحَلِّلًا، فَلِقَصْدِهِ (10) التَّحْلِيلَ فيما لا يَحِلُّ، ولو أَحَلَّ حَقِيقَةً لَمَا (11) لُعِنَ، ولا لُعِنَ الْمُحَلَّلُ له، وإنَّمَا هذا كقولِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنِ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ"(12). وقال اللَّهُ تعالى: {يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا} (13). ولأنَّهُ وَطْءٌ فى غيرِ نِكاحٍ صَحِيحٍ، أَشْبَهَ وَطْءَ الشُّبْهَةِ. الشَّرْطُ الثَّالِثُ؛ أَنْ يَطَأَها فى الْفَرْجِ، فلو وَطِئَهَا (14) دُونَهُ، أَو فى الدُّبُرِ، لم يُحِلَّهَا؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّقَ الْحِلَّ على ذَوْقِ (15) العُسَيْلَةِ منهما، ولا يَحْصُلُ إلَّا بالوَطْءِ فى الفَرْجِ، وَأَدْناهُ تَغْيِيبُ الحَشَفَةِ فى الفَرْجِ؛ لأَنَّ أحْكامَ الوَطْءِ تَتَعَلَّقُ بِهِ، ولو أَوْلَجَ الحَشَفَةَ مِن غيرِ انْتِشَارٍ، لم تَحِل له؛ لأنَّ الحُكْمَ يتَعَلَّقُ بِذَواقِ (16) العُسَيْلَةِ، ولَا تَحْصُلُ مِنْ غيرِ انْتِشارٍ. وإِنْ كان الذَّكَرُ مَقْطُوعًا، فإنْ بَقِىَ منه قَدْرُ الحَشَفَةِ، فأوْلَجَهُ، أَحَلَّها، وإِلَّا فلا. فان كان خَصِيًّا، أو مَسْلُولًا، أو مَوْجُوءًا، حَلَّتْ بِوَطْئِه؛ لأنَّهُ يَطَأُ كالْفَحْلِ، ولم يَفْقِدْ إِلَّا الإِنْزَالَ، وهو غيرُ مُعْتَبَرٍ فى الإِحْلالِ. وهذا قَوْلُ الشَّافِعِىِّ. قال أبو بُكَيْر: وقد رُوِىَ عن أحمدَ، فى الخَصِىِّ، [أَنَّهُ لا يُحِلُّها؛ فإِنَّ أبا طالِبٍ سألَه فِى الْمَرْأَةِ تَتَزَوَّجُ الخَصِىَّ](17)، تُسْتَحَلُّ بهِ؟ قال: لا خَصِىَّ يَذُوقُ العُسَيْلَةَ. قَال أبو بكرٍ: والْعَمَلُ على ما رَوَاهُ مُهَنَّا، أنَّهَا تَحِلُّ. ووَجْهُ الأَوَّلِ أَنَّ الخَصِىَّ
(10) فى الأصل: "فبقصده".
(11)
فى أ: "لم".
(12)
تقدم تخريجه فى صفحة 54.
(13)
سورة التوبة 37.
(14)
فى ب زيادة: "فى".
(15)
فى ب: "ذواق".
(16)
فى م: "بذوق".
(17)
سقط من: ب. نقل نظر.