الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأسبابِ بعدَ مُباشَرَتِها لا يَقفُ على اختيارِ أحدٍ، ولا إرادتِه. فإن نَقَصَ الصَّداقُ فى يَدِ المرأةِ بعدَ الطَّلاقِ، فإن كان قد طالَبها به فمَنَعَتْه، فعليها الضَّمانُ؛ لأنَّها غاصِبةٌ، وإن تَلِفَ قبلَ مُطالَبتِه، فقِياسُ المذهبِ أنَّه لا ضَمانَ عليها؛ لأنَّه حَصَلَ فى يدِها بغير فِعْلِها، ولا عُدْوانٍ من جِهَتِها، فلم تَضْمَنْه، كالوَديعةِ. وإن اخْتَلَفا فى مُطالَبَتِه لها، فالقولُ قولُها؛ لأنَّها مُنْكِرةٌ. وإن ادَّعَى أَنَّ التَّلَفَ أو النَّقْصَ كان قبلَ الطَّلاقِ. وقالت: بعدَه. فالقولُ أيضًا قولُها؛ لأنَّه يَدَّعِى ما يُوجِبُ الضَّمانَ عليها، وهى تُنْكِرُه، والقولُ قولُ المُنْكِرِ. وظاهرُ قولِ أصحابِ الشافعىِّ، أَنَّ على المرأةِ الضَّمانَ لما تَلِفَ أو نَقَصَ فى يَدِها بعدَ الطَّلاقِ؛ لأنَّه حَصَلَ فى يدِها بحُكْمِ قَطْعِ العَقْدِ، فأشْبَهَ المَبِيعَ إذا ارْتَفَعَ العَقْدُ بالفَسْخِ. ولَنا، ما ذكَرْناه. وأمَّا المَبِيعُ فيَحْتَمِلُ أن يَمْنَعَ، وإن سَلَّمْنا فإنَّ الفَسْخَ إن كان منهما، أو من المُشْتَرِى، فقد حَصَلَ منه التَّسَبُّبُ إلى جَعْلِ مِلْكِ غيرِه فى يَدِه، وفى مَسْألَتِنا ليس من المرأةِ فِعْلٌ، وإنَّما حَصَلَ ذلك بفِعْلِ الزوجِ وَحْدَه، فأشْبَهَ ما لو ألْقَى ثَوْبَه فى دارِها بغير أمْرِها.
فصل:
ولو خالَعَ امرأتَه بعدَ الدُّخولِ، ثم تزوَّجَها فى عِدّتِها، [ثُمَّ طَلَّقها](11) قبلَ دُخولِه بها، فلها فى النِّكاحِ الثانى نِصْفُ الصَّداقِ (12) المُسَمَّى فيه. وبهذا قال الشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: لها جَمِيعُه؛ لأنَّ حُكْمَ الوَطْءِ موجودٌ فيه، بدليلِ أنَّها لو أتَتْ بوَلَدٍ لَزِمَه. ولَنا، قولُ اللَّهِ سبحانه:{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} . ولأنَّه طَلاقٌ من نِكاحٍ لم يَمَسَّها فيه، فوَجَبَ أن يتَنَصَّفَ به المَهْرُ، كما لو تزوَّجَها بعدَ العِدَّةِ، وما ذكره غيرُ صحيحٍ؛ فإن لُحُوقَ النَّسبِ لا يَقِفُ على الوَطْءِ عندَه، فلا (13) يقومُ مَقامَه. فأمَّا إن كان لم يَدْخُلْ بها فى النِّكاحِ الأَوَّلِ أيضًا، فعليه نِصْفُ الصَّداقِ الأَوَّلِ، ونِصْفُ الصَّداقِ الثانى. بغير
(11) فى أ، ب، م:"وطلقها".
(12)
فى ب، م زيادة:"أو".
(13)
فى م: "ولا".
خِلافٍ. الحكم الثالث، أنَّ الصداقَ إذا زاد بعدَ العَقْدِ، لم يَخْلُ من أن تكونَ الزيادةُ غيرَ مُتَمَيزةٍ، كعَبْدٍ يَكْبَرُ أو يتَعَلَّمُ صناعةً أو يَسْمَنُ، أو مُتَمَيِّزةً، كالوَلَدِ والكَسْبِ والثَّمرةِ، فإن كانت مُتَمَيِّزةً أخَذَتِ الزيادةَ، ورَجَعَ بنِصْفِ (14) الأصْلِ، وإن كانت غيرَ مُتَمَيِّزةٍ، فالخِيَرَةُ إليها، إن شاءت دَفَعَتْ إليه نِصْفَ قِيمَتِه يومَ العَقْدِ؛ لأنَّ الزيادةَ لها لا يَلْزَمُها بَذْلُها (15)، ولا يُمْكِنُها دَفْعُ الأصْلِ بدُونِها، فصِرْنا إلى نِصْفِ القِيمةِ، وإن شاءتْ دَفَعَتْ إليه نِصْفَه (16) زائدًا، فيَلْزَمُه قبولُه؛ لأنَّها دَفَعَتْ إليه حَقَّه وزيادةً لا تَضُرُّ ولا تَتَمَيَّز، فإن كانتْ (17) مَحْجُورًا عليها، لم يَكُنْ له (18) الرُّجوعُ إلّا فى نِصْفِ القِيمةِ؛ لأنَّ الزِّيادةَ لها، ولايجوزُ لها ولا لِوَلِيِّها التَّبَرُّعُ بشىءٍ لايجبُ عليها. وإن نَقَصَ الصَّداقُ بعدَ العَقْدِ، فهو من ضَمانِها، ولا يخلُو أيضًا من أن يكونَ النَّقْصُ مُتَمَيِّزًا أو غيرَ مُتَمَيِّزٍ؛ فإن كان مُتَمَيِّزًا، كعَبْدَيْنِ تَلِفَ أحدُهما، فإنَّه يَرْجِعُ بنِصْفِ الباقِى ونصفِ قيمةِ التَّالفِ، أو مثلِ نصفِ التالفِ إن كان من ذَواتِ الأمثالِ، وإن لم يكُنْ مُتَمَيِّزًا، كعَبْدٍ كان شابًّا فصار شيخًا، فنَقَصَتْ قِيمَتُه، أو نَسِىَ ما كان يُحْسِنُ من صناعةٍ أو كتابةٍ، أو هُزِلَ، فالخِيارُ إلى الزَّوْجِ، إن شاء رَجَعَ بنصفِ قِيمتِه وقتَ ما أصْدَقَها؛ لأنَّ ضَمانَ النَّقْصِ عليها، فلا يَلْزَمُه أخْذُ نِصْفِه؛ لأنَّه دُونَ حَقِّه، وإن شاء رَجَعَ بنصفِه ناقصًا، فتُجْبَرُ المرأةُ على ذلك؛ لأنَّه رَضِىَ أن يأخُذَ حَقَّه ناقِصًا، وإن اخْتارَ أن يأخُذَ أرْشَ النَّقْصِ مع هذا، لم يكُنْ له ذلك (19)، فى ظاهرِ كلامِ الخِرَقِىِّ، وهو قولُ أكثر الفقهاءِ. وقال القاضى: القياسُ أَنَّ له ذلك، كالمَبِيعِ يُمْسِكُه ويُطالِبُ بالأرْشِ. وبما ذكَرْناه كلِّه قال أبو حنيفةَ، والشافعىُّ. وقال محمدُ بن الحسنِ: الزِّيادةُ غيرُ المتمَيِّزةِ تابعةٌ للعَيْنِ، فله
(14) فى م: "نصف".
(15)
فى أ، ب، م:"بدلها".
(16)
فى م: "نصفا".
(17)
فى أ، م:"كان".
(18)
فى ب، م:"لها".
(19)
فى أ، ب، م:"هذا".