الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعلى هذا لها مَهْرُ المِثْلِ، وكذلك كلُّ مَوْضعٍ قُلْنا: لا تَصِحُّ التَّسْمِيةُ.
فصل:
وإن أصْدَقَها خِيَاطةَ ثَوْبٍ بعَيْنهِ، فهَلَكَ الثوبُ، لم تَفْسُدِ التَّسْمِيةُ، ولم يَجِبْ مَهْرُ المِثْلِ؛ لأنَّ تَعَذُّرَ تَسْلِيمِ ما أصْدَقَها بعَيْنهِ لا يُوجِبُ مَهْرَ المِثْلِ، كما لو أصْدَقَها قَفِيزَ حِنْطةٍ فهَلَكَ قبلَ تَسْلِيمِه، ويَجِبُ عليه أجْرُ مِثْلِ خِياطَتِه؛ لأنَّ المَعْقُودَ على العَمَلِ فيه تَلَفٌ، فوَجَبَ الرُّجوعُ إلى عِوَضِ العَمَلِ، كما لو أصْدَقَها تَعْلِيمَ عَبْدِها صِناعةً فمات قبلَ التَّعْليمِ. وإن عَجَزَ عن خِياطَتِه، مع بَقاءِ الثوبِ، لمَرَضٍ أو نحوِه، فعليه أن يُقِيمَ مُقامَه مَنْ يَخِيطُه. وإن طَلَّقَها قبلَ خِياطَتِه قبلَ الدُّخُولِ، فعليه خِياطَةُ نِصْفِه، إن أمْكَنَ مَعْرِفَةُ نِصْفِه، وإن لم يُمْكِنْ فعليه نِصْفُ أجْرِ خِيَاطَتِه، إلَّا أن يَبْذُلَ خِياطةَ أكْثَرَ من نِصْفِه، بحيث يُعْلَمُ أنَّه قد خاط النِّصْفَ يَقِينًا. وإن كان الطَّلاقُ بعد خِياطَتِه، رَجَعَ عليه بنِصْفِ أَجْرِه.
فصل: وإن أصْدَقَها تعليمَ صِنَاعةٍ، أو تَعْليمَ عَبْدِها صِناعةً، صَحَّ؛ لأنَّه مَنْفَعةٌ معلومةٌ، يجوزُ بَذْلُ العِوَضِ عنها، فجاز جَعْلُها صَداقًا، كخِياطةِ ثَوْبها. وإن أصدَقها تَعْلِيمَه، أو تعليمَها شِعْرًا مُباحًا مُعيَّنًا، أو فِقْهًا، أو لغةً، أو نَحْوًا، أو غيرَ ذلك من العُلُومِ الشَّرعيَّةِ التى يجوزُ أخْذُ الأجْرةِ على تعليمِها، جاز، وصَحَّتِ التَّسْمِيَةُ؛ لأنَّه يجوزُ أخذُ الأجرةِ عليه، فجاز صَداقًا، كَمنافِعِ الدارِ.
فصل: فأمَّا تعليمُ القرآنِ، فاخْتلَفتِ الرِّوايةُ عن أحمدَ فى جَعْلِه صَدَاقًا؛ فقال فى مَوْضعٍ: أكْرَهُه. وقال فى موضعٍ: لا بَأْسَ أن يتزَوّجَ الرَّجُلُ (27) المرأةَ على أن يُعَلِّمَها سورةً من القرآنِ، أو على نَعْلَيْنِ. وهذا مذهبُ الشافعىِّ. قال أبو بكرٍ: فى المسألةِ قولان. يعنى رِوايتَيْنِ. قال: وأخْتِيارِى أنَّه لا يجوزُ. وهو مذهبُ مالكٍ، واللَّيْثِ، وأبى حنيفةَ، ومكحولٍ، وإسْحاقَ. واحْتَجَّ مَنْ أجازَه بما رَوَى سَهْلُ بن سَعْدٍ السَّاعِدِىُّ،
(27) سقط من: أ، ب، م.
أَنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم (28) جاءته امرأةٌ، فقالت: إنِّى وَهَبْتُ نَفْسِى لك. فقامت طَوِيلًا، فقال رَجُلٌ: يا رسولَ اللَّه، زَوِّجْنِيها إن لم يكُنْ لك بها حاجةٌ. فقال:"هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَىْءٍ تُصْدِقُها؟ ". فقال: ما عندى إِلَّا إزَارِى. فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إِزَارُكَ، إنْ أعْطتَها جَلَسْتَ وَلَا إِزَارَ لَكَ، فالْتَمِسْ شَيْئًا". قال: لا أجِدُ. قال: "الْتَمِسْ ولو خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ". فالْتَمَسَ، فلم يَجِدْ شيئًا، فقال رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرآنِ". مُتَّفَقٌ عليه (29). ولأنَّها مَنْفعةٌ معيَّنةٌ مُباحةٌ، فجاز جَعْلُها صَداقًا، كتعْليمِ قَصِيدة من الشِّعْرِ المُباح. وَوَجْه الرِّوايةِ الأُخْرى، أَنَّ الفُرُوجَ لا تُسْتَباح إلَّا بالأَمْوالِ، لقولِه تعالى:{أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} . وقولِه تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} (30). والطَّوْلُ: المالُ. وقد رُوِىَ أَنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم زَوَّجَ رَجُلًا على سُورَةٍ من القرآنِ، ثم قال:"لَا تَكُونُ لِأَحَدٍ بَعْدَكَ مَهْرًا". روَاه النَّجَّادُ بإِسْنادِه (31). ولأنَّ تعليمَ القرآنِ لا يجوزُ أن يَقَع إِلَّا قُرْبةً لفاعِلِه، فلم يَصِحَّ أن يكونَ صَدَاقًا، كالصَّوْمِ والصلاةِ وتعْليمِ الإيمانِ. ولأنَّ التَّعْليمَ من المُعَلِّمِ والمُتَعَلِّمِ مُخْتَلِفٌ، ولا يكاد يَنْضَبِطُ، فأشْبَهَ الشىءَ المجهولَ. فأمَّا حديثُ المَوْهُوبةِ، فقد قيل: معناه أنْكَحْتُكَها (32) بما معك من القرآنِ، أى زَوَّجْتُكَها لأنَّك من أهْلِ القرآنِ، كا زَوَّجَ أبا طَلْحةَ على إسْلامِه، فرَوَى ابنُ عبدِ البَرِّ، بإسناده عن أنَسٍ، أن أبا طَلْحةَ أرتَى أُمَّ سُلَيمٍ يَخْطُبُها قبلَ أن يُسْلِمَ، فقالت: أتَزَوَّجُ بك وأنت تَعْبُدُ خَشَبةً نَحَتَها عبدُ بنى فلانٍ! إن أسْلَمْتَ تَزَوَّجْتُ بك. قال: فأسْلَمَ أبو طَلْحةَ، فتزَوَّجَها على إسْلامِه (33). وليس فى الحديثِ الصحيحِ ذِكْرُ التَّعْلِيمِ. يحْتَمِل أن يكونَ خاصًّا لذلك الرَّجُلِ؛ بدليلِ ما رواه النَّجَّادُ. ولا تَفْرِيعَ
(28) فى أ، م زيادة:"أنه".
(29)
تقدم تخريجه فى: 8/ 137.
(30)
سورة النساء 25.
(31)
وأخرجه سعيد بن منصور، فى: باب تزويج الجارية الصغيرة. السنن 1/ 176.
(32)
فى م: "أنكحتها".
(33)
وأخرجه عبد الرزاق، فى: باب غلاء الصداق، من كتاب النكاح. المصنف 6/ 179.