الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
ويَصحُّ التَّوكيلُ فى الخُلْعِ، مِن كلِّ واحدٍ مِنَ الزَّوجيْنِ، ومِن أحدِهما مُنْفرِدًا. وكلُّ مَنْ صَحَّ أن يَتَصَرَّفَ بالخُلعِ لنفسِه، جازَ توكيلُه ووكالتُه؛ حُرًّا كان أو عبدًا، ذكرًا أو أُنثى، مسلمًا أو كافرًا، محجورًا عليه أو رَشِيدًا؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهم يَجوزُ أن يُوجبَ الخُلعَ، فصَحَّ أن يكونَ وكيلًا ومُوكلًا فيه، كالحُرِّ الرَّشيدِ. وهذا مذهبُ الشَّافعىِّ، وأصْحابِ الرأى، ولا أعلمُ فيه خلافًا. ويكونُ تَوْكيلُ المرأةِ فى ثلاثةِ أشياءَ، اسْتِدْعاءُ الخُلْعِ أو الطَّلاقِ، وتقديرُ العِوَضِ، وتسليمُه. وتوكيلُ الرَّجُلِ فى ثلاثةِ أشياءَ؛ شرطُ العِوَضِ، وقَبْضُه، وإيقاعُ الطَّلاقِ أو الخُلْعِ. ويَجوزُ التَّوكيلُ مَعَ تقديرِ العِوَضِ، ومِن غيرِ تقْديرٍ؛ لأنَّه عَقْدُ مُعاوَضَةٍ، فصَحَّ كذلك، كالبيعِ والنِّكاحِ. والمُستَحَبُّ التَّقديرُ؛ لأنَّه أسْلَمُ من الغَرَرِ، وأسْهلُ على الوكيلِ؛ لاسْتِغْنائِه عن الاجتهادِ. فإن وَكَّلَ الزَّوجُ، لم يَخْلُ مِن حاليْنِ، أحدُهما، أن يُقَدِّرَ له العِوَضَ، فخالعَ به أو بما زادَ، صَحَّ، ولَزِمَ المُسَمَّى؛ لأنَّه فعلَ ما أُمِرَ به، وإن خالعَ بأقل منه، ففيه وَجْهانِ، أحدُهما، لا يَصحُّ الخُلعُ. وهذا اختيارُ ابنِ حامدٍ، ومذهبُ الشَّافعىِّ؛ لأنَّه خالفَ مُوَكِّلَه، فلم يَصِحَّ تَصَرُّفُه، كما لو وكَّلَه فى خُلعِ امرأةٍ فخالعَ أُخْرَى، ولأنه لم يَأْذَنْ (14) له فى الخُلْعِ بهذا العِوَضِ، فلم يَصحَّ منه، كالأجْنَبِىِّ. والثانى، يَصحُّ، ويَرْجعُ على الوكيلِ بالنَّقصِ (15). وهذا قولُ أبى بكرٍ؛ لأنَّ المُخالفةَ فى قَدْرِ العِوَضِ لا تُبطِلُ الخُلْعَ، كحالةِ الإِطلاقِ، والأوَّلُ أوْلَى. وأمَّا إن خالفَ فى الجنس، مثل أن يأمَره بالخُلْعِ على دراهمَ، فخالعَ على عبدٍ، أو بالعكسِ، أو يأمُرَه بالخُلْعِ حالًّا، فخالعَ بعِوَضٍ نَسِيئةً، فالقياسُ أنَّه لا يَصِحُّ؛ لأنَّه مُخَالِفٌ لموكلِه فى جنسِ العوض، فلم يَصِح تصرُّفه، كالوكيلِ فى البيعِ، ولأنَّ ما خالَعَ به لا يَمْلِكُه الموكِّلُ، لكَوْنِه لم يَأْذَنْ فيه، ولا الوكيلُ؛ لأنَّه لم يُوجَد السَّبَبَ بالنِّسْبةِ إليه. وفَارَقَ المُخالفةَ فى القَدْرِ؛ لأنَّه أمْكنَ جَبْرُه بالرُّجوعِ بالنَّقصِ على الوكيلِ. وقال القاضى: القياسُ أن يَلْزَمَ الوكيلَ القَدْرُ الذى أُذِنَ فيه، ويكونَ له ما خالعَ
(14) فى الأصل، أ:"يؤذن".
(15)
فى الأصل: "بالقبض".
به (16)، قياسًا على المُخالفةِ فى القَدْرِ، وهذا يَبْطُلُ بالوكيلِ فى البيعِ، ولأنَّ هذا خُلعٌ لم يأذَنْ فيه الزَّوجُ، فلم يَصِحَّ، كما لو لم يُوَكِّلْه فى شىءٍ، ولأنَّه يُفْضِى إلى أن يَمْلِكَ عِوَضًا ما ملُّكَته إيَّاه المرأةُ، ولا قَصَدَ هو تَمَلُّكَه، وتَنْخلِعُ المرأةُ مِن زوجها بغيرِ عِوَضٍ لَزِمَها له بغيرِ إذْنِه. وأمَّا المُخالفةُ فى القدْرِ، فلا يَلْزَمُ فيها ذلك، مع أنَّ الصَّحيحَ أنَّه لا يَصِحُّ الخُلْعُ فيها أيضًا، لما قدَّمناه. الحالُ الثَّانى، إذا أطْلَقَ الوكالةَ، فإنَّه يَقْتضِى الخُلْعَ بمَهْرِها المُسمَّى حالًّا مِن جِنْس نَقْدِ البلدِ، فإن خالعَ بذلك فما زادَ، صَحَّ؛ لأنَّه زادَه خيرًا، وإن خالعَ بدُونِه، ففيه الوَجْهانِ المذكورانِ فيما إذا قَدَّرَ له العِوَضَ فخالَعَ بدُونِه. وذكر القاضى احْتمالَيْنِ آخرَيْنِ؛ أحدُهما، أن يَسْقُطَ المُسمى، ويَجبَ مهرُ المِثْلِ؛ لأنَّه خالَعَ بما لم يُؤْذَنْ له فيه. والثَّانى، أن يتَخيَّرَ الزَّوجُ بين قبولِ العِوَض ناقصًا ولا رَجْعةَ له، وبينَ رَدِّه وله الرَّجعةُ. وإن خالعَ بغيرِ نَقْدِ البلدِ، فحُكْمُه حُكْمُ ما لو عَيَّنَ له عِوَضًا فخالعَ بغيرِ جنسِه. وإن خالعَ الوكيلُ بما ليس بمالٍ، كالخمرِ والخِنْزيرِ، لم يَصِحَّ الخُلعُ، ولم يَقَعِ الطَّلاقُ؛ لأنَّه غيرُ مأْذونٍ له فيه، إنَّما أُذِنَ له فى الخُلْعِ، وهو إبانةُ المرأةِ بعِوَضٍ، وما أَتَى به، وإنَّما أتَى بطلاقٍ غيرِ مَأذونٍ له فيه. ذكَرَه القاضى، فى "المُجرَّدِ". وهو مذهبُ الشَّافعىِّ. وسواءٌ عَيَّنَ له العِوَضَ أو أطلقَ، وذكَرَ، فى "الجامعِ" أنَّ الخُلْعَ يَصِحُّ، ويَرجعُ على الوَكيلِ بالمُسمَّى، ولا شىءَ على المرأةِ. هذا إذا قُلْنا: الخُلعُ بلا عِوَضٍ لم يَصحُّ. وإِنْ قُلْنا: لا يَصحُّ. لم يَصِحَّ إلَّا أن يكونَ بلفظِ الطَّلاقِ، فيَقَعُ طَلْقةً رجعِيَّةً. واحتجَّ بأنَّ وكيلَ الزَّوجةِ (17) لو خالَعَ بذلك صَحَّ، فكذلك كيلُ الزَّوجِ. وهذا القياسُ غيرُ صحيحٍ؛ فإنَّ كيلَ الزَّوجِ يُوقِعُ الطَّلاقَ، فلا يَصِحُّ أن يُوقِعَه على غيرِ ما أُذِنَ له فيه، ووكيلُ الزَّوجةِ لا يُوقِعُ، وإنَّما يَقْبَلُ، ولأنَّ وكيلَ الزَّوجِ إذا خالَعَ على مُحَرَّمٍ، فَوَّت على مُوَكِّلِه العِوَضَ، ووكيلُ الزوجةِ يُخَلِّصُها منه، فلا يَلْزمُ مِنَ الصِّحَّةِ فى موضعٍ يُخَلِّصُ مُوكِّلَه مِن وجوبِ العِوَض عليه، الصِّحَّةُ فى موضعٍ يُفوِّتُه عليه، ألَا تَرَى أَنَّ
(16) سقط من: ب، م.
(17)
فى الأصل: "المرأة".