الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - باب جوار أبي بكر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعقده
2297 -
عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين» . وعنها رضي الله عنها قالت: «لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان (1)
الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية. فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرًا قبل الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة، وهو سيد القارة فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي. قال ابن الدغنة: إن مثلك لا يخرج ولا يُخرَج، فإنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق (2)، وأنا لك جار. فارجع فاعبد ربك ببلادك، فارتحل ابن الدغنة فرجع مع أبي بكر فطاف في أشراف كفار قريش فقال لهم: إن
(1) فهو أول من أسلم من الأحرار الرجال أبو بكر رضي الله عنه.
* هذه من الابتلاءات التي تعرض للمؤمنين، وهي من المحن التي وقعت لهم في مكة.
* ابن الدغنة من السادات.
(2)
مثلما وصفت خديجة النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا الأخيار، والنبي صلى الله عليه وسلم في القمة في هذه الخصال.
أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلًا يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق؟ فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة، وأمنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر ليعبد ربه في داره، فليصل وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به، فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا. قال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر، فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره. ثم بدا لأبي بكر فابتني مسجدًا بفناء داره، وبرز، فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلًا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليه فقالوا له: إذا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره، وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجدًا بفناء داره، وأعلن الصلاة والقراءة، وقد خشينا أن يفتن أبنائنا ونساءنا، فأته، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا كرهنا أن يخفرك، ولسنا مقريين الإستعلان.
قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال: قد علمت الذي عقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترد إلى ذمتي؛ فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له. قال أبو بكر: فإني أرد إليك جوارك وأرضي بجوار الله- ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد أريت دار هجرتكم، رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين (1). وهما الحرتان» . فهاجر من هاجر قبل
(1) المدينة.
المدينة حين ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة. وتجهز أبو بكر مهاجرًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«على رسلك (1)، فإني أرجو أن يؤذن لي» . قال أبو بكر: هل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: «نعم» فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر».
(1) حتى نخرج جميعًا فخرجوا أربعة الديلي وعامر بن فهيرة مولى الصديق.
* فلا ينبغي للعاقل أن يجزع، فإذا لم يسلم الأنبياء والصالحون فغيرهم من باب أولى، فينبغي أن يكون المرء قويًا حتى يفرج الله.
* الجوار كفالة بالبدن يلتزم بما قيل لا يعلن، وكفالة البدن أقسام يلزم محل العين، كما في قصة الصديق.
* زعم كفار قريش أنهم يخافون عليهم، وهذا من الجهل والبلاء خافوا عليهم من الحق والسعادة، لكن كما قيل: ما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه، وأولى منه قوله تعالى:{فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} .