الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
المطلب الثالث * بيان العلاقة بين القاعدة والضابط والأصل
سبق بيان معنى القاعدة، ولمعرفة العلاقة بينها وبين الضابط والأصل فلا بد من معرفة معاني هذه المفردات من الناحية اللغوية، ثم الاصطلاحية، ومن ثم معرفة أقوال أهل العلم في طبيعة العلاقة بين هذه الألفاظ:
الضابط: لغة؛ اسم فاعل مشتق من الفعل الثلاثي (ضبط)، من باب ضرب، يقال: ضبَطَهُ يَضْبُطه ويَضْبِطُه ضبْطًا وضَبَاطَةً بالفَتْحِ: حَفِظَهُ بالحَزْمِ، فهو ضَابِطٌ؛ أَيْ: حازِمٌ، وقيل: ضَبْطُ الشَّيْءِ لُزُومُه لا يُفارِقُه، يُقَالُ ذَلِكَ في كلِّ شيءٍ، وضَبْطُ الشَّيْءِ: حِفْظُه بالحَزْم، وأحكمه وأتقنه، وقيل: ضَبَطَ الرَّجُلُ الشَّيءَ يَضْبِطُه ضبْطًا: إِذا أَخَذَه أَخْذًا شَدِيدًا.
ومنه قيل: ضبطت البلاد وغيرها: إذا قمت بأمرها قيامًا ليس فيه نقص، وضبط الكتاب ونحوه: أصلح خلله، أو صححه وشكله، وضَبِطَ ضبطًا من باب تَعِبَ: عمل بكلتا يديه، فهو أضبط وهي ضبطاء
(1)
.
واصطلاحًا عند العلماء: "حكم كلي ينطبق على جزئياته"
(2)
.
وقال يعقوب الباحسين: "هو قضية كلية تحصر الفروع وتحبسها"
(3)
.
أما علاقة القاعدة بالضابط فهي علاقة تداخل وعموم؛ فالقاعدة أعم من الضابط من حيث دخولها وتطبيقها على أبواب متعددة، بخلاف الضابط فإنَّه يختص بفروع الباب الواحد.
(1)
انظر: تاج العروس (19/ 439)، والمعجم الوسيط (1/ 533)، والمصباح المنير (2/ 357).
(2)
المعجم الوسيط (1/ 533).
(3)
قاعدة العادة محكمة، للباحسين (ص 15).
يقول الحموي في معنى الضابط: "ما يجمع فروعًا من باب واحد، بخلاف القاعدة وهي ما يجمعها من أبواب شتى"
(1)
.
ويقول الكفوي عن القاعدة: "وهي تجمع فروعًا من أبواب شتى، والضابط يجمع فروعًا من باب واحد"
(2)
.
ويقول الباحسين: "والفرق بينه وبين القاعدة، كما قالوا: أن القاعدة تكون الفروع الداخلة تحتها من أبواب مختلفة كقاعدة (المشقة تجلب التيسير) التي تدخل فيها فروع العبادات، والمعاملات والجنايات وغيرها.
وأما الضابط فإن الفروع الداخلة تحته تكون من باب واحد؛ كقولهم: (كل مكروه في الجماعة يسقط فضيلتها)، و (ما أبطل عمده الصلاة اقتضى سهوه السجود، وما لا فلا)، فإن جزئيات هذين الضابطين داخلة في باب الصلاة، ولا تتعداه إلى غيره"
(3)
.
كما أن للضابط إطلاقات عديدة ومختلفة عند أهل العلم؛ فمن ذلك: إطلاق الضابط على تعريف الشيء؛ كضابط العَصَبة: كل ذكر ليس بينه وبين الميت أنثى، ويطلق على المقياس الذي يكون علامة على تحقق معنى من المعاني؛ كقولهم:(ضابط المشقة المؤثرة في التحقيق هو كذا)، ويطلق على تقاسيم الشيء، أو أقسامه؛ كقول بعضهم: (ضابط الناس في الإمامة أقسام
…
)، ومنهم من أطلقه على القاعدة والعكس واقع أيضًا
(4)
.
(1)
غمز عيون البصائر، للحموي (1/ 31).
(2)
الكليات (ص 728).
(3)
قاعدة العادة محكمة، للباحسين (ص 15 - 16).
(4)
انظر: القواعد الفقهية -المبادئ- المقومات - المصادر الدليلية -، للباحسين (ص 63 - 65).
مع العلم أن الذين فرقوا بين القاعدة والضابط لم يلتزموا بهذا التفريق بدقة في مجال التطبيق، بحيث تجدهم يعبرون عن القاعدة بالضابط والعكس كذلك
(1)
.
يقول الشيخ يعقوب الباحسين بعد أن ذكر إطلاقات أهل العلم السابقة بالنسبة للضابط: "لكنا نختار الأمر الثاني، وهو تفسير الضابط بمعنى أوسع مما ذكروه؛ فنحمل الضابط على معناه اللغوي الدال على الحصر والحبس، فالضابط: هو كل ما يحصر ويحبس سواء كان بالقضية الكلية، أو بالتعريف، أو بذكر مقياس الشيء، أو بيان أقسامه، أو شروطه، أو أسبابه، وحصرها. وهذا أولى من اللجوء إلى التأويل والتكلف بتحويل تلك الصور إلى قضايا كلية، ولهذا فإنَّه يحسن تعريفه بأنه: كل ما يحصر جزئيات أمر معين"
(2)
.
وعرَّف الضابط أيضًا مستخلصًا للتعريف من كلام ابن السبكي بقوله: "إنه ما انتظم صورًا متشابهة في موضوع واحد، غير ملتفت فيها إلى معنى جامع مؤثر"
(3)
.
الأصل: لغة؛ مشتق من الأصل اللغوي الثلاثي (أصل)
(4)
، وأصل الشيء: أساسه وأسفله الذي يقوم عليه، ومنشؤه الذي ينبت منه، واستأصل الشيء: ثبت أصله، وقوي، وأصلته تأصيلًا: جعلت له أصلًا ثابتًا يبنى عليه، والأصل: كرم النسب، والأصلي: ما كان أصلًا في معناه، ويقابل بالفرعي، أو الزائد، أو الاحتياطي، أو المُقلد، والجمع
(1)
انظر: القواعد الفقهية المستخرجة من كتاب إعلام الموقعين، لعبد المجيد جمعة (ص 165).
(2)
القواعد الفقهية - المبادئ - المقومات - المصادر الدليلية
…
، للباحسين (ص 65 - 66).
(3)
المصدر نفسه (ص 67).
(4)
انظر: معجم مقاييس اللغة (1/ 109).
أصول، وأصول العلوم: قواعده التي تبنى عليها الأحكام، والنسبة إليها أصولي، والأصيل: الوقت بعد العصر إلى المغرب، وجمعه أُصُل وآصال وأصائل
(1)
.
أما اصطلاحًا فيطلق على عدة معانٍ عند أهل العلم؛ منها:
الدليل؛ يقال: الأصل في المسألة قوله تعالى كذا
…
، ويطلق على القاعدة أو الضابط، فيقال: الأصل بقاء ما كان على ما كان، والأصل في المياه الطهارة، ويطلق على الراجح، فيقال: الحقيقة هي الأصل عند تعارض الحقيقة والمجاز، وغير ذلك من المعاني
(2)
.
وعلى ضوء هذه المعاني تظهر علاقة القاعدة بالأصل، فهي علاقة عموم وخصوص، فالأصل أعم من القاعدة إذ إنه يجمع مسائل متفرقة من أبواب شتى، وقد يجمعها من باب واحد، بخلاف القاعدة فإن مسائلها لا تكون إلا من أبواب متفرقة، ولا تجمع مسائل الباب الواحد.
وقد نص على هذه العلاقة الإمام المقري
(3)
عندما عرَّف القاعدة حيث قال: "كل كلي هو أخص من الأصول وسائر المعاني العقلية العامة، وأعم من العقود، وجملة الضوابط الفقهية الخاصة"
(4)
.
وعليه فقد يطلق الأصل على القاعدة، وعلى الضابط لما له من
(1)
انظر: المعجم الوسيط (1/ 20)، والمصباح المنير (1/ 16)، ومختار الصحاح (ص 8).
(2)
انظر: قاعدة العادة محكمة ليعقوب الباحسين (ص 16 - 17)، والقواعد الفقهية المستخرجة من كتاب إعلام الموقعين، لعبد المجيد جمعة (ص 168 - 169).
(3)
هو: محمد بن أحمد بن بكر بن يحيى القرشي المقري يكنى أبا عبد الله، قاضي الجماعة بفاس فقيه مالكي، لقي أبا حبان، والشمس الأصبهاني وابن عدلان بمكة، وابن القيم بدمشق، وآخرين وأخذ عنه الشاطبي، وابن الخطيب التلمساني، وابن خلدون وغيرهم. له مصنفات منها: القواعد، توفي سنة 759 هـ. [انظر ترجمته في: الديباج المذهب (ص 288)، ونيل الابتهاج (ص 249)].
(4)
القواعد، للمقري (1/ 212).
العموم المطلق بين هذه الألفاظ؛ ولذا قال التهانوي في تعريف القاعدة: "هي تطلق على معانٍ: مرادف الأصل، والقانون، والمسألة، والضابطة، والمقصد. وعرّفت بأنّها أمر كلّي منطبق على جميع جزئيّاته عند تعرّف أحكامها منه"
(1)
.
(1)
كشاف اصطلاحات الفنون (ص 886)، نشر: دار صادر - بيروت.