الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحب الشرعي، وهو إيثاره على النفس وتقديم أوامره على مراداتها فأما الحب الطبعي فلا وقد سبق بيان هذا"
(1)
.
*
المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة
تضافرت أقوال أهل العلم في بيان أنواع المحبة الدينية سواء كانت شرعية، أم غير شرعية، وهي: محبة الله تبارك وتعالى محبة ذاتية، والمحبة في الله ولله المستلزمة لمحبة ما يحب الله، والمحبة مع الله، فالأولى هي الأصل لجميع المحاب، والثانية مكملة ومتممة لأصل المحبة، أما الثالثة فهي إما ناقضة لأصل المحبة فتزول بسببها جميع المحاب الشرعية، بل تبطل بوجودها جميع الأعمال الدينية، أو تكون منقصة لتمامها وكمالها.
وقد تعددت أقوال أهل العلم في بيان هذه الأنواع، وتنوعت تعبيراتهم وتقسيماتهم لأنواع المحبة الدينية، وكلها ترجع إلى هذه المعاني الثلاثة، وفيما يلي أسوق بعضًا مما ذكره العلماء من هذه الأنواع التي تضمنتها القاعدة:
يقول الإمام ابن تيمية: "ثم إنه كما بَيَّن أن محبته أصل الدين، فقد بَيَّن أن كمال الدين بكمالها ونقصه بنقصها"
(2)
.
ويقول رحمه الله: "محبة الله، بل محبة الله ورسوله من أعظم واجبات الإيمان، وأكبر أصوله، وأجلّ قواعده، بل هي أصل كل عمل من أعمال الإيمان والدين، كما أن التصديق به أصل كل قول من أقوال الإيمان والدين"
(3)
.
(1)
كشف المشكل (4/ 168).
(2)
مجموع الفتاوى (10/ 56 - 57).
(3)
المصدر نفسه (10/ 48 - 49)، وانظر: قاعدة في المحبة (ص 68).
ويقول الإمام ابن القيم: "فمحبة الله عز وجل أصل المحاب المحمودة وأصل الإيمان والتوحيد"
(1)
.
ويقول رحمه الله: "فإن المحبة ثلاثة أقسام: محبة الله، والمحبة له وفيه، والمحبة معه؛ فالمحبة له وفيه من تمام محبته وموجباتها لا من قواطعها؛ فإن محبة الحبيب تقتضي محبة ما يحب، ومحبة ما يعين على حبه، ويوصل إلى رضاه وقربه، وكيف لا يحب المؤمن ما يستعين به على مرضاة ربه، ويتوصل به إلى حبه وقربه.
وأما المحبة مع الله فهي المحبة الشركية، وهي كمحبة أهل الأنداد لأندادهم كما قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165]، وأصل الشرك الذي لا يغفره الله هو الشرك في هذه المحبة، فإن المشركين لم يزعموا أن آلهتهم وأوثانهم شاركت الرب سبحانه في خلق السموات والأرض، وإنما كان شركهم بها من جهة محبتها مع الله، فوالوا عليها، وعادوا عليها، وتألهوها، وقالوا هذه آلهة صغار تقربنا إلى الإله الأعظم.
ففرق بين محبة الله أصلًا والمحبة له تبعًا والمحبة معه شركًا، وعليك بتحقيق هذا الموضع فإنه مفرق الطرق بين أهل التوحيد وأهل الشرك"
(2)
.
ويقول أيضًا: "وها هنا أربعة أنواع من الحب يجب التفريق بينها، وإنما ضلَّ من ضلَّ بعدم التمييز بينها: أحدهما: محبة الله، ولا تكفي وحدها في النجاة من الله من عذابه، والفوز بثوابه، فإن المشركين، وعُبّاد الصليب، واليهود، وغيرهم يحبون الله.
الثاني: محبة ما يحب الله، وهذه هي التي تدخله في الإسلام، وتخرجه من الكفر، وأحب الناس إلى الله أقومهم بهذه المحبة، وأشدهم فيها.
(1)
إغاثة اللهفان (2/ 140).
(2)
روضة المحبين (ص 293).
الثالث: الحب لله وفيه، وهي من لوازم محبة ما يحب الله، ولا تستقيم محبة ما يحب الله إلا بالحب فيه وله.
الرابع: المحبة مع الله وهي المحبة الشركية، وكل من أحب شيئًا مع الله لا لله، ولا من أجله ولا فيه فقد اتخذه ندًا من دون الله، وهذه محبة المشركين"
(1)
.
ويقول رحمه الله: "وأصل العبادة، وتمامها، وكمالها: هو المحبة، وإفراد الرب سبحانه بها، فلا يشرك العبد به فيها غيره"
(2)
.
فجعل رحمه الله المحبة على أقسام بالنسبة للعبادة؛ منها ما هو أصل في العباة لا تصح بدونها، ومنها ما هو واجب لا تتم العبادة إلا به، ويأثم من لا يتحقق فيه هذا، ومنها ما هو كمال تنقص به العبادة عن درجة الكمال، وإن كان صاحبها لا يأثم بفقدها، وهذا الأخير هو معترك التفضيل بين أهل الإيمان.
ويقول رحمه الله في بيان أنواع المحبة وتصنيفها إلى نافعة وضارة: "فالمحبة النافعة ثلاث أنواع: محبة الله، ومحبة في الله، ومحبة ما يعين على طاعة الله تعالى اجتناب معصيته، والمحبة الضارة ثلاثة أنواع: المحبة مع الله، ومحبة ما يبغضه الله تعالى، ومحبة ما تقطع محبته عن محبة الله تعالى أو تنقصها، فهذه ستة أنواع عليها مدار محاب الخلق، فمحبة الله عز وجل أصل المحاب المحمودة، وأصل الإيمان والتوحيد، والنوعان الآخران تبع لها"
(3)
.
ويقول الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ: "لما كانت محبة الله سبحانه: هي أصل دين الإسلام الذي يدور عليه قطب رحاها، فبكمالها يكمل الإيمان، وبنقصانها ينقص توحيد الإنسان، نبه المُصَنِّف رحمه الله
(1)
الجواب الكافي (ص 134).
(2)
إغاثة اللهفان (2/ 134).
(3)
إغاثة اللهفان (2/ 140).
على وجوبها على الأعيان"
(1)
.
ويقول الشيخ محمد العثيمين: "والمحبة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: محبة عبادة، وهي التي توجب التذلل والتعظيم، وأن يقوم بقلب الإنسان من إجلال المحبوب وتعظيمه ما يقتضي أن يمتثل أمره ويجتنب نهيه، وهذه خاصة بالله، فمن أحب مع الله غيره محبة عبادة، فهو مشرك شركًا أكبر، ويعبر العلماء عنها بالمحبة الخاصة.
القسم الثاني: محبة ليست بعبادة في ذاتها، وهذه أنواع:
النوع الأول: المحبة لله وفي الله، وذلك بأن يكون الجالب لها محبة الله؛ أي: كون الشيء محبوبًا لله تعالى من أشخاص، كالأنبياء، والرسل، والصديقين، والشهداء، والصالحين، أو أعمال، كالصلاة، والزكاة، وأعمال الخير، أو غير ذلك.
وهذا النوع تابع للقسم الأول الذي هو محبة الله.
النوع الثاني: محبة إشفاق ورحمة، وذلك كمحبة الولد، والصغار، والضعفاء، والمرضى.
النوع الثالث: محبة إجلال وتعظيم لا عبادة، كمحبة الإنسان لوالده، ولمعلمه، ولكبير من أهل الخير.
النوع الرابع: محبة طبيعية، كمحبة الطعام، والشراب، والملبس، والمركب، والمسكن.
وأشرف هذه الأنواع النوع الأول، والبقية من قسم المباح، إلا إذا اقترن بها ما يقتضي التعبد صارت عبادة، فالإنسان يحب والده محبة إجلال وتعظيم، وإذا اقترن بها أن يتعبد لله بهذا الحب من أجل أن يقوم ببر والده صارت عبادة، وكذلك يحب ولده محبة شفقة، وإذا اقترن بها
(1)
تيسير العزيز الحميد (ص 388).