الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التوحيد المنجي: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، بحيث يقر بأن الله هو المستحق للعبادة دون ما سواه، وأن محمدًا رسوله"
(1)
.
ويقول الإمام ابن القيم مؤكدًا هذا المعنى: "وأما ما فيه من التوحيد، وانتهاء الأمور إلى مشيئة الرب جل جلاله، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فذلك عقد نظام الإيمان، ومع ذلك فلا يكفي وحده، إذ غايته تحقيق توحيد الربوبية الذي لا ينكره عباد الأصنام، وإنما الشأن في أمر آخر وراء هذا، هذا بابه، والمدخل إليه، والدليل عليه، ومنه يوصل إليه، وهو التوحيد الذي دعت إليه الرسل، ونزلت به الكتب، وعليه الثواب"
(2)
.
فكلام ابن القيم: يدل على أهمية توحيد الربوبية، وأنه الأصل والأساس الذي يقوم عليه توحيد العبادة، كما سيأتي بيان ذلك مفصلًا في قاعدة مستقلة، ولكنه مع كل هذه المكانة إلا أنه لا يكفي ولا يفيد شيئًا إذا لم يقرن بتوحيد العبادة الذي هو غاية الله من بعثة الرسل.
يقول الشيخ سليمان آل الشيخ: "وقد عرفوا معنى لا إله إلا الله وأبوا على النطق والعمل بها، فلم ينفعهم توحيد الربوبية مع الشرك في الإلهية، كما قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)} [يوسف: 106] "
(3)
.
*
المسألة الثانية * أدلة القاعدة
أذكر فيما يلي بعض الأدلة التي تدلل على صحة القاعدة وشرعيتها:
(1)
تلخيص كتاب الاستغاثة (1/ 358 - 359).
(2)
مدارج السالكين (3/ 397).
(3)
تيسير العزيز الحميد (ص 59).
1 -
إقرار المشركين بتوحيد الربوبية لا يدخلهم في الإسلام؛ لأن الإسلام هو التوحيد، وإفراده عز وجل بالعبادة كما قال تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]، فالذي أقرَّ لله بالربوبية ولم يأت بلازمه من توحيد العبادة لم يحقق الإسلام الذي سمى الله تعالى أهله مسلمين، ووعدهم بالحسنى.
يقول الشيخ سليمان آل الشيخ: "وهذا التوحيد هو حقيقة دين الإسلام الذي لا يقبل الله من أحد سواه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بُني الاسلامُ على خَمْس شَهَادةِ أنْ لَا إله إلّا الله، وأن محمدًا رسولُ الله، وإقامِ الصَّلاة، وإيتاء الزَّكاةِ، وَصَوْم رَمَضَانَ، وحَج البَيتِ""
(1)
.
فأخبر أن دين الإسلام مبني على هذه الأركان الخمسة: وهي الأعمال، فدل على أن الإسلام: هو عبادة الله وحده لا شريك له بفعل المأمور وترك المحظور، والإخلاص في ذلك لله، وقد تضمن ذلك جميع أنواع العبادة، فيجب إخلاصها لله تعالى، فمن أشرك بين الله تعالى وبين غيره في شيء فليس بمسلم"
(2)
.
2 -
أن توحيد الربوبية الذي أقرَّ به المشركون لم يقبله الله منهم، بل هو مردود عليهم، ولو كان إقرارهم هذا كافيًا عند الله تعالى لما أرسل الرسل وأنزل الكتب التي فيها الأمر بإفراده بالعبادة، كما قال عزَّ من قائل:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)} [التوبة: 31].
يقول الإمام الصنعاني: "الحمد لله الذي لا يقبل توحيد ربوبيته من العباد حتى يفردوه بتوحيد العبادة كل الإفراد؛ من اتخاذ الأنداد، فلا يتخذون له ندًا، ولا يدعون معه أحدًا، ولا يتكلون إلا عليه، ولا
(1)
سيأتي تخريجه، انظر:(ص 505) من الرسالة.
(2)
تيسير العزيز الحميد (ص 31).
يفزعون في كل حال إلا إليه، ولا يدعونه بغير أسمائه الحسنى، ولا يتوصلون إليه بالشفعاء"
(1)
.
ولذا من اتخذ غير عبادة الله وتوحيده دينًا، كان ولا بد متخذًا غير الله معبودًا، فكان ممن ابتغى غير دين الإسلام دينًا، فلا يقبل الله منه، ولذا يقول سبحانه:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} [آل عمران: 85].
يقول الإمام ابن تيمية: "فبيَّن سبحانه أنه بهذا التوحيد بعث جميع الرسل، وأنه بعث إلى كل أمة رسولًا به، وهذا هو الإسلام الذي لا يقبل الله من الأولين ولا من الآخرين دينًا غيره"
(2)
.
3 -
أن إقرار المشركين بتوحيد الربوبية دون توحيد العبادة لم يعصم دماءهم ولم يحرّم أموالهم، بل أمر الله نبيه بقتالهم، فأوجب سفك دمائهم، وأحلَّ له أخذ أموالهم، وأباح سبي نساءهم، ولو كان اعترافهم وإيمانهم بربوبية الله تعالى نافعًا لهم لما أمر الله بقتالهم حتى يوحدوه ويفردوه بالعبادة، ولكان قتال النبي صلى الله عليه وسلم لهم، وسفكه لدمائهم، وسبيه لذراريهم ونسائهم، هو عين الظلم والجور.
يقول الإمام الطبري في تفسير الآية: "فإن رجعوا عما نهاهم عليه من الشرك بالله، وجحود نبوة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم إلى توحيد الله، وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأنداد، والإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم {وَأَقَامُواْ اَلصَّلَوةَ} ، يقول: وأدوا ما فرض الله عليهم من الصلاة بحدودها، وأعطوا الزكاة التي أوجبها الله عليهم في أموالهم أهلها، {فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ} ،
(1)
تطهير الاعتقاد (ص 67).
(2)
الفتاوى الكبرى (5/ 249).