المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

غير موضع، وهو ما شرع اللَّه لعباده من الدين؛ أي: - القواعد في توحيد العبادة - جـ ١

[محمد بن عبد الله باجسير]

فهرس الكتاب

- ‌المُقَدِّمَة

- ‌أهمية الموضوع:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في هذا البحث

- ‌مشاكل البحث وصعوباته:

- ‌شكر وتقدير:

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول القاعدة لغة واصطلاحًا

- ‌المطلب الأول: القاعدة لغة

- ‌ المطلب الثاني * القاعدة اصطلاحًا

- ‌ المطلب الثالث * بيان العلاقة بين القاعدة والضابط والأصل

- ‌المبحث الثاني أهمية القواعد وأثرها في العلوم

- ‌المبحث الثالث التقعيد ومنهج العلماء فيه

- ‌المبحث الرابع توحيد العبادة ومنزلته الشرعية

- ‌المطلب الأول: معناه وحقيقته

- ‌ المطلب الثاني * أهميته ومنزلته من الدين

- ‌ المطلب الثالث* أدلته

- ‌ المطلب الرابع* أسماؤه وإطلاقاته

- ‌أ - توحيد الطلب والقصد:

- ‌ب - توحيد الارادة والطلب:

- ‌ج - توحيد الشرع والقدر:

- ‌د - التوحيد العملي الإرادي، أو العملي القصدي:

- ‌هـ - توحيد الإلهية أو الألوهية أو العبادة:

- ‌الباب الأول القواعد المتعلقة بتوحيد العبادة

- ‌الفصل الأول القواعد العامة في توحيد العبادة

- ‌المبحث الأول قاعدة دين الأنبياء واحد هو الإسلام

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الشرع مبناه على تكميل أديان الخلق وعلى تكميل عقولهم

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌أولًا: الشرع:

- ‌ثانيًا: العقل:

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال العلماء في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدةالدين قد كَمُلَ بيانه في أصوله وفروعه باطنه وظاهره علمه وعمله

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة العبادة هي الغاية التي خلق الله لها الخلق من جهة أمره ومحبته ورضاه

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الخامسقاعدة ليس في الشريعة بقعة تقصد للعبادة لذاتها إلا المساجد ومشاعر الحج

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السادسقاعدة النزاع بين الرسل وأقوامهم إنما كان في إفراد الله بالعبادة وترك عبادة ما سواه

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السابعقاعدة البركة لله وصفًا وملكًا وفعلًا وكل بركة في الكون فمن آثار بركته سبحانه

- ‌ المسألة الأولى * شرح بعض ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في اعتماد القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة [*]: فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثامنقاعدة التوجه إلى شيء أو إلى جهة بقصد القربة وحصول الثواب عبادة

- ‌ توطئة

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى التوجه لغة وشرعًا:

- ‌تمهيد في أحوال التوجه والاستقبال:

- ‌ المسألة الثانية* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال العلماء في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثانيالقواعد المتعلقةبحقيقة العبادة وضابطها

- ‌المبحث الأولقاعدة العبادة لا تسمى عيادة في حكم الشرع إلا مع التوحيد

- ‌ المسألة الأولى* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة مناط العبادة غاية الحب مع غاية الذل ولا تنفع عبادة بواحد دون الآخر

- ‌ المسألة الأولى* شرح معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى العبادة:

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة صلاح الأعمال بصلاح النيات وكل عمل تابع لنية عامله وقصده

- ‌ المسألة الأولى * شرح معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى النية لغة وشرعًا:

- ‌ المسألة الثانية*بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال العلماء في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثالثالقواعد المتعلقة بأنواع التوحيد

- ‌المبحث الأولقاعدة أنواع التوحيد وأضدادها متلازمة لا ينفك أحدها عن الآخر

- ‌ المسألة الأولى * شرح معاني مفردات القاعدة

- ‌بيان معنى التلازم في القاعدة:

- ‌ المسألة الثانية* بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة توحيد الربوبية لا يصير الإنسان به مسلمًا حتى يأتي بأنواع التوحيد الأخرى

- ‌ المسألة الأولى* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة توحيد الربوبية أقرت به الخلائق مؤمنها وكافرها ولم ينكره إلا الشذاذ من العالم

- ‌ المسألة الأولى* بيان بعض ألفاظ القاعدة

- ‌معنى توحيد الربوبية:

- ‌ المسألة الثانية* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال العلماء في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة الربوبية والألوهية مفهومان متغايران فإذا اقترنا افترقا وإذا افترقا اقترنا

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌بيان معنى الرب والاله في القاعدة:

- ‌أما الألوهية:

- ‌ المسألة الثانية* بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الرابعالقواعد المتعلقة بأصل التوحيد

- ‌المبحث الأولقاعدةأصل الإيمان وقاعدته التي عليها مدار أعمال العباد هو تحقيق معنى الشهادتين قولًا وعملًا وعقيدة

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌القسم الرابع:

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة شهادة أن لا إله إلا الله مشتملة على النفي والإثبات

- ‌ المسألة الأولى * شرح مفردات القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الكفر بالطاغوت ركن التوحيد

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الطاغوت:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة محبة الله هي أصل الدين والمحبة فيه أو له تبع لمحبته والمحبة معه تضاده وتناقضه

- ‌ المسألة الأولى * شرح معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى المحبة:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الخامسقاعدة الحنيفية من موجبات الفطرة ومقتضياتها

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌أولًا: معنى الحنيفية:

- ‌ثانيًا: معنى الفطرة:

- ‌ثالثًا: معنى المُوْجَبِ والمُقْتَضى:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

الفصل: غير موضع، وهو ما شرع اللَّه لعباده من الدين؛ أي:

غير موضع، وهو ما شرع اللَّه لعباده من الدين؛ أي: سَنَّه لهم، وافترضه عليهم، يقال: شرَعَ لهم يَشرَع شرعًا فهو شارع، وقد شرع اللَّه الدين شرْعًا إذا أظهره وبيَّنه"

(1)

.

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "فالشرع يطلق تارة على ما جاء به الرسول من الكتاب والسُّنَّة، هذا هو الشرع المنزل وهو الحق الذي ليس لأحد خلافه"

(2)

.

ويقول الشيخ صديق حسن

(3)

: "والشرع ما شرعه اللَّه لعباده من الأحكام التي جاء بها كتابه المنزل، ونبيه المرسل الموحى إليه منه تعالى؛ سواء كانت متعلقة بكيفية عمل وتسمى فرعية وعملية، أو بكيفية الاعتقاد وتسمى أصلية واعتقادية، ويسمى أيضًا بالدين والملة"

(4)

.

وعرَّفه بعضهم بقوله: "هو وضع إلهي يسوق العقول باختيارهم المحمود إلى الخير بالذات، وهو ما يصلحهم في معاشهم ومعادهم"

(5)

.

‌ثانيًا: العقل:

وهو في اللغة مصدر عَقَلَ يَعْقِلُ عَقْلًا، وأصل معناه الحبس والمنع. يقول ابن فارس:"العين والقاف واللام أصل منقاس مطرد، يدلُّ عُظْمُه على حُبْسَة في الشيء أو ما يقارب الحُبْسَة؛ من ذلك العَقْل، وهو الحابس عن ذميم القَول والفِعْل"

(6)

.

(1)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 460).

(2)

النبوات (ص 67)، وانظر: مجموع الفتاوى (19/ 99)، (35/ 376)، ومنهاج السُّنَّة (5/ 128).

(3)

هو: العلامة صديق حسن الحسيني القنوجي، أبو الطيب، ولد سنة 1248 هـ. من مصنفاته: فتح البيان، والدين الخالص. توفي عام 1307 هـ. [التاج المكلل (ص 546 - 556)].

(4)

انظر: أبجد العلوم (2/ 337).

(5)

انظر: المصدر السابق (2/ 337).

(6)

معجم مقاييس اللغة (4/ 69).

ص: 102

وقال الراغب: "وأصل العقل الإمساك والاستمساك؛ كعقل البعير بالعقال، وعقل الدواء البطن، وعقلت المرأة شعرها، وعقل لسانه كفه، ومنه قيل للحصن: معقل وجمعه معاقل"

(1)

.

وأما معناه في الاصطلاح

(2)

:

فقيل: هو العلم الضروري الذي يقع ابتداء، وقيل: هو ما أفاد العلم بموجباته، وقيل: بل هو قوة التمييز بين الحق والباطل، وقيل: هو العلم بخفيات الأمور التي لا يوصل إليها إلا بالاستدلال والنظر، وقيل: هو ضبط ما وصل إلى القلب، وإمساكه حتَّى لا يتفلت، وقيل: هو القوة المتهيئة لقبول العلم، وقيل: هو استعمال الطاعات والفضائل، وقيل: هو العلم الذي يعمل به صاحبه، وقيل: هو قدر من العلم يميز من قام به بين خير الخيرين وشر الشرين، ويصح منه بحصوله به الاستشهاد بالشاهد على الغائب، ويخرج به عن حد المجانين والمعتوهين، ويصح معه التكليف والخطاب.

(1)

المفردات في غريب القرآن (ص 342).

(2)

المقصود معناه عند من ينتسب إلى أهل الإسلام، وذلك بخلاف قول الفلاسفة فإنه عندهم جوهر قائم بنفسه، يفصل بين حقائق المعلومات، ولا شكَّ في بطلانه. يقول الإمام السمعاني:"وقد جعله المتقدمون جوهرة، وقالوا إنه جوهر لطيف يُفصَل به بين حقائق المعلومات، وهذا فاسد؛ لأنَّهُ لو كان جوهرًا لصح قيامه بذاته، فجاز أن يكون عقل بلا عاقل، كما جاز أن يكون جسم بغير عقل، فحين لم يتصور ذلك دل أنه ليس بجوهر". [انظر: قواطع الأدلة في الأصول (1/ 27)]. ويقول الإمام ابن تيمية: "فإن العقل في لغة المسلمين عرض من الأعراض، قائم بغيره، وهو غريزة، أو علم، أو عمل بالعلم، ليس العقل في لغتهم جوهرًا قائمًا بنفسه، فيمتنع أن يكون أول المخلوقات عرضًا قائمًا بغيره؛ فإن العرض لا يقوم إلا بمحل، فيمتنع وجوده قبل وجود شيء من الأعيان، وأما أولئك المتفلسفة ففي اصطلاحهم أنه: جوهر قائم بنفسه، وليس هذا المعنى هو معنى العقل في لغة المسلمين، والنبي صلى الله عليه وسلم خاطب المسلمين بلغة العرب، لا بلغة اليونان، فعلم أن المعنى الذي أراده المتفلسفة لم يقصده الرسول لو كان تكلم بهذا اللفظ، فكيف إذا لم يتكلم به". [مجموع الفتاوى 18/ 338)].

ص: 103

وقيل: إنه قوة ضرورية للوجود، بها يصح درك الأشياء، ويتوجه تكليف الشرع، وهو ما يعرفه كل إنسان من نفسه ولا يستدل عليه بغيره، وقيل: هو نور يضاء به طريق إصابة الحق، والمصالح الدينية والدنيوية، فيدرك القلب به كما يدرك العين بالنور الحسي المبصرات، وقيل: هو صفة إذا ثبتت تأتَّى بها التوصل إلى العلوم النظرية، ومقدماتها من الضروريات التي هي مستند النظريات، وقيل: العقل هو ما يحجز الإنسان عن فعل ما لا ينبغي؛ وهو خلاف الذكاء، فالذكاء هو سرعة البديهة، والفهم؛ وقد يكون الإنسان ذكيًا، ولكنه ليس بعاقل

(1)

.

ويمكن إرجاع ما سبق من تفسيرات للعقل إلى ثلاثة معانٍ:

الأول: القوة الغريزية التي في الإنسان، وبها يعلم ويميز ويقصد المنافع ويحذر المضار.

الثاني: العلم الذي ناله بواسطة هذه القوة، سواء كان علمًا ضروريًا أم نظريًا.

الثالث: العمل بمقتضى وموجب ذلك العلم

(2)

.

ولذا قسم بعضهم

(3)

العقل من حيث آثاره وفوائده إلى قسمين:

الأول: عقل إدراك: وهو العقل المشترك الذي عند كل أحد، ما لم يكن مسلوبًا بجنون، أو قاصرًا لصغر السن، وهو الذي يميز به الناس

(1)

انظر: قواطع الأدلة في الأصول، للسمعاني (1/ 28)، وإحياء علوم الدين (1/ 86)، والبرهان في أصول الفقه (1/ 96)، وأعلام النبوة، للماوردي (ص 27)، والإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (1/ 50)، وكشف الأسرار (2/ 575)، ومفتاح دار السعادة (ص 125)، ومجلة الجامعة الإسلامية أمقال بعنوان: التربية الإبداعية عدد (116)].

(2)

انظر: الإحياء للغزالي (1/ 86)، ومنهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد (1/ 158).

(3)

انظر: بحث بعنوان: (التربية الإبداعية في منظور التربية الإسلامية) للدكتور خالد الحازمي، بمجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية عدد (116)، (ص 453 - 454).

ص: 104

بين الأشياء؛ في الكثرة، والقلة، والأعداد، والأحجام، ونحو ذلك. وهذا عند المسلم والكافر، وليس له علاقة بالديانة.

الثاني: عقل رشد: وهو الذي يعلم به صاحبه فيعمل، وهو العقل الصحيح الذي يقبل الحق إذا علمه، ويبتعد عن الشر إذا عرفه، فالذي يعلم الحق ولا يعمل به ليس لديه عقل رشد، وإنما لديه عقل إدراك، حيث أدرك به العلم، ولم يسترشد بذلك ويرشد.

يقول الإمام ابن تيمية: "والمقصود هنا أن اسم العقل عند المسلمين وجمهور العقلاء إنما هو صفة، وهو الذي يسمى عرضًا قائمًا بالعاقل، وعلى هذا دل القرآن، .. وإذا كان كذلك؛ فالعقل لا يسمى به مجرد العلم الذي لم يعمل به صاحبه، ولا العمل بلا علم، بل إنما يسمى به العلم الذي يعمل به والعمل بالعلم"

(1)

.

فهؤلاء الكفار لديهم عقل إدراك الذي هو مناط التكليف، ولكنهم فقدوا عقل الرشد بسبب عدم اتباعهم الحق بعد أن تبين لهم.

فالعقل النافع الممدوح هو العلم المستلزم للعمل المصاحب للانقياد والتطبيق، وهو بخلاف الذكاء الذي هو سرعة البديهة وبخلاف مطلق التمييز كذلك.

يقول الإمام ابن حزم

(2)

: "والعقل هو استعمال الطاعات والفضائل، وهو غير التمييز؛ لأنَّهُ استعمال ما ميز الإنسان فَضلَهُ، فكل

(1)

مجموع الفتاوى (9/ 286 - 287).

(2)

هو: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف، الفارسي الأصل، الأموي مولاهم، الظاهري، الأندلسي القرطبي، أديب، أصولي، محدث حافظ، ألف كتبًا كثيرة منها: الفصل في الملل والأهواء والنحل، والإحكام في أصول الإحكام، والمحلى بالآثار، توفي رحمه الله سنة 456 هـ، وقيل: 457 هـ. [انظر ترجمته في: شذرات الذهب (3/ 299)، والبلغة في تراجم أئمة النحو واللغة (ص 146)، وسير أعلام النبلاء (18/ 198)].

ص: 105

عاقل مميز، وليس كل مميز عاقلًا

(1)

.

وقال رحمه الله أيضًا: "لأن العقل على الحقيقة إنما هو استعمال الطاعات، واجتناب المعاصي، وما عدا هذا فليس عقلًا بل هو سخف وحمق"

(2)

.

فالعاقل إذًا لا بد أن يجمع بين العلم بالحق والعمل به.

يقول الإمام ابن تيمية: "والمطلوب من الناس أن يعقلوا ما بلغه الرسل، والعقل يتضمن العلم والعمل، فمن عرف الخير والشر فلم يتبع الخير ويحذر الشر لم يكن عاقلًا؛ ولهذا لا يعد عاقلًا إلا من فعل ما ينفعه واجتنب ما يضره، فالمجنون الذي لا يفرق بين هذا وهذا قد يُلْقِي نفسه في المهالك، وقد يفر مما ينفعه"

(3)

.

ويقول الإمام أبو عبد اللَّه القرطبي

(4)

: "وأما كمال العقل فبه تعرف حقائق الأمور، ويفصل بين الحسنات والسيئات، فالعاقل يعمل لآخرته ويرغب فيما عند ربه"

(5)

.

والقلب هو مكان التعقل، ولذا ربما جاء التعبير بالقلب مرادًا به العقل، وهو أسلوب عربي معروف، فيطلق المحل ويراد الحال فيه.

ولذا عرَّف بعضهم القلب بقوله: "وهو النور الذي خص اللَّه تعالى به نوع الإنسان، وشرفه به، وجعله مناط توجيه الأمر والنهي، والإبانة

(1)

الإحكام لابن حزم (1/ 50).

(2)

الفصل في الملل والأهواء والنحل (3/ 66).

(3)

مجموع الفتاوى (15/ 108).

(4)

هو: محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري، الخزرجي، الأندلسي، القرطبي المالكي المفسر؛ من مصنفاته: جامع أحكام القرآن، في التفسير، والتذكرة، وغيرها. توفي سنة 671 هـ. [انظر ترجمته في: الديباج المذهب (ص 317)، وطبقات المفسرين للداوودي (1/ 69)].

(5)

تفسير القرطبي (14/ 354).

ص: 106