الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله تعالى عن جملة من الأنبياء: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59]، وكل من الرسل يقول:{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108)} [الشعراء: 108]، وقال سبحانه عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم:{(46) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47)} [النور: 46، 47]، وغير ذلك من الآيات
(1)
.
القسم الثاني:
الأدلة على أن النطق بالشهادتين والتكلم بهما أصل لا بد منه، ولا تصح لا إله إلا اللّه بدونه، وهذه على أنواع كذلك:
أولًا: الأمر من اللّه سبحانه وتعالى بالقول والإقرار الذي يتضمن الإيمان والتوحيد، ولا شك أن التكلم بالشهادتين هما الأصل والأساس في هذا الإقرار؛ إذ بهما يحصل الإسلام، ويصح الإيمان، ومن ذلك قوله تعالى:{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136]، وقوله سبحانه:{قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا} [آل عمران: 84]، وقوله تعالى:{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)} [العنكبوت: 46]
(2)
.
ومن المعلوم أن الإيمان عند أهل السُّنَّة والجماعة هو قول وعمل؛ فالقول قول القلب واللسان، والعمل عمل القلب واللسان والجوارح، فإذا تخلف النطق بالشهادتين عن الإيمان بدون عذر لم يكن إيمانًا مقبولًا عند اللّه تبارك وتعالى كما سيأتي إيضاحه.
يقول أبو السعود في تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا
(1)
انظر: قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق، لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 16 - 17).
(2)
انظر: معارج القبول للحكمي (2/ 589).
فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3)} [المنافقون: 3]: "أي: بسبب أنهم {آمَنُوا}؛ أي: نطقوا بكلمة الشهاة كسائر من يدخل في الإسلام"
(1)
.
ثانيًا: ما جاء من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته بأمره من أراد الدخول في الإسلام بالشهادتين، وأنه لم يعتبر إسلام من لم يتكلم بها، وهذا كثير في سُنته وسيرته عليه السلام، بل أخبر أنه قد أُمِرَ بقتال من كفر وأشرك بالله تعالى حتى يشهد وينطق ويتكلم بهاتين الشهادتين، ومن ذلك:
ما رواه سعيد بن المسيب عن أبيه رضي الله عنه أنه أخبره: أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد اللّه بن أبي أمية بن المغيرة قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لأبي طالب: "يا عم قل: لا إله إلا الله كلمةً أشهد لك بها عند الله
…
"
(2)
.
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (قل لا إله إلا اللّه)؛ أي: انطق وتكلم بهذه الكلمة الفارقة بين المؤمن والكافر، والمسلم والمشرك
(3)
.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها وصلوا صلاتنا واستقبلوا قبلتنا وذبحوا ذبيحتنا فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على اللّه"
(4)
.
(1)
تفسير أبي السعود (8/ 252).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب: إذا قال المشرك عند الموت لا إله إلا الله (1/ 457)، رقم (1294)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب: الدليل على صحة إسلام من حضره الموت ما لم يشرع في النزع وهو الغرغرة (1/ 54)، رقم (24).
(3)
انظر: مصباح الظلام للشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (ص 429).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب: فضل استقبال القبلة (1/ 153)، رقم (384)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب: الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول اللّه (1/ 52)، رقم (21)، من حديث أبي هريرة، واللفظ للبخاري.
ومن ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما (قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: إنك ستأتي قومًا أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا اللّه، وأن محمدًا رسول اللّه، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن اللّه قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينه وبين اللّه حجاب)
(1)
.
فالكفار لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يأمرهم بالفروع قبل الشهادتين والدخول في الإسلام
(2)
.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: "ومن المعلوم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل من كل من جاءه يريد الدخول في الإسلام الشهادتين فقط، ويعصم دمه بذلك ويجعله مسلمًا"
(3)
.
وقال الإمام ابن تيمية: "وقد اتفق المسلمون على أنه من لم يأت بالشهادتين فهو كافر"
(4)
.
وقال أيضًا: "فأما الشهادتان: إذا لم يتكلم بهما مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين، وهو كافر باطنًا وظاهرًا عند سلف الأمة،
(1)
تقدم تخريج الحديث برواية أخرى عند البخاري ومسلم، وهذه الرواية أخرجها البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب: أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا (2/ 544)، رقم (1425)، ومسلم في صحيحه، كتاب، باب: الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام (1/ 50)، برقم (19).
(2)
منهاج السُّنَّة النبوية (7/ 68).
(3)
جامع العلوم والحكم (84)، وكرر المعنى نفسه في حديث قصة علي رضي الله عنه عندما ابتعثه النبي صلى الله عليه وسلم لفتح خبير. انظر:(ص 85)، وانظر: تفسير القرطبي (7/ 332).
(4)
مجموع الفتاوى (7/ 302).
وأئمتها، وجماهير علمائها"
(1)
.
وقال العينٍ في شرح حديث معاذ هذا: "لا يحكم بإسلام الكافر إلَّا بالنطق بالشهادتين، وهذا مذهب أهل السُّنَّة لأن ذلك أصل الدين الذي لا يصح شيء من فروعه إلَّا به"
(2)
.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم
(3)
: "لا يحكم بإسلام شخص إلا بالنطق بالشهادتين، كما هو مذهب أهل السُّنَّة. وقال الشيخ: قد علم بالاضطرار من دين الرسول، واتفقت الأمة أن أصل الإسلام، وأول ما يؤمر به الخلق شهادة أن لا إله إلا اللّه، وأن محمدًا رسول اللّه، فبذلك يصير الكافر مسلمًا، وإذا لم يتكلم مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين"
(4)
.
ثالثًا: أن نطق اللسان والتكلم بالشهادتين من لازم تصديق القلب وعمله وإرادته، فلا يتصور وجود تصديق القلب وحبه وانقياده لهذه الكلمة ثم لا ينطق بها مطلقًا، هذا لا يتصور إلا ممن خلا قلبه من التصديق أو المحبة والخضوع لله تعالى، فثبت بذلك أن النطق بالشهادتين أصل من أصول الدين لا تتحقق الشهادتان بدونه، وأنه ملازم لتصديق
(1)
المصدر نفسه (7/ 609).
(2)
عمدة القاري للعيني (8/ 236)، بل نقل الإجماع في ذلك. انظر: شرح النووي على صحيح الإمام مسلم (1/ 197)، الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 55).
(3)
هو: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي القحطاني نسبًا، أبو عبد الله: ففيه حنبلي من الأعيان فى نجد، ولد بقرية (البير) من قرى المحمل قرب الرياض سنة 1319 هـ، وأولع في أوليته بالتاريخ والأنساب والجغرافية، وصنف: إحكام الأحكام، والسيف المسلول على عابد الرسول، وجمع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، وسافر من أجل البحث عنها إلى بلاد كثيرة، وله الدرر السنية في الأجوبة النجدية، وعمل في مطبعة الحكومة بمكة، ثم تولى إدارة المكتبة السعودية في الرياض. توفي سنة 1392 هـ. [ترجمته في: مشاهير علماء نجد (ص 104)، والأعلام للزركلي (3/ 336)].
(4)
حاشية كتاب التوحيد لابن قاسم (ص 57).
القلب وانقياده وخضوعه لا ينفك عنه أبدًا في حال صحة الإسلام وسلامة عقد الإيمان.
يقول الإمام ابن تيمية: "إِذَا تَحَقَّقَ الْقَلْبُ بِالتَّصْدِيقِ، وَالْمَحَبَّةِ التَّامَّةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْإرَادَةِ لَزِمَ وُجُودُ الْأَفْعالِ الظَّاهِرَةِ؛ فَإِنَّ الْإِرَادَةَ الْجَازِمَةَ إِذَا اقْتَرَنَتْ بِهَا الْقُدْرَةُ التَّامَّةُ لَزِمَ وُجُودُ الْمُرَادِ قَطْعًا، وَإِنَّما يَنْتَفِي وُجُودُ الْفِعْلِ لِعَدَمِ كَمَالِ الْقُدْرَةِ أَوْ لِعَدَمِ كَمَالِ الْإِرَادَةِ، وإلَّا فَمَعَ كَمَالِهَا يَجِبُ وُجُودُ الْفِعْلِ الِاخْتِيارِيِّ، فَإِذَا أَقَرَّ الْقَلْبُ إِقْرارًا تَامًّا بِأَنَّ مَحَمَّدًا رَسُولُ اللّهِ، وَأَحَبَّهُ مَحَبَّةً تَامَّةً امْتَنَع مَعَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ، لَكِنْ إنْ كَانَ عَاجزًا لِخَرَسِ وَنَحْوِهِ، أَوْ لِخَوْفِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى النُّطْقِ بِهِمَا"
(1)
.
ويقول رحمه الله أيضًا: "وَإِلَّا فَمِنْ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَصلَ لَهُ الْإِقْرارُ وَالحُبُّ وَالِانْقِيَادُ بَاطِنًا وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فِي الظَاهِرِ مَعَ القُدْرَةِ عَلَيْهِ كَمَا يَمْتَنِعُ وُجُودُ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ بِدُونِ وُجُودِ الْمُرَادِ، وَبِهَذَا تَعْرِفُ أَنَّ مَنْ آمَنَ قَلْبُهُ إيمَانًا جَازِمًا امْتَنَعَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَ الْقُدْرَةِ فَعَدَمُ الشَّهَادَتَيْنِ مَعَ الْقُدْرَةِ مُسْتَلْزَمٌ انْتِفَاءَ الْإِيمَانِ الْقَلْبِيِّ التَّامِّ"
(2)
.
ويقول الشيخ مرعي الكرمي
(3)
: "فمن أراد النطق بالشهادتين مثلًا
(1)
مجموع الفتاوى (10/ 272).
(2)
مجموع الفتاوى (7/ 553).
(3)
هو: الشيخ مرعي بن يوسف بن أبي بكر بن أحمد الكرمي ثم المقدسي الحنبلي، وُلِدَ في طور كرم بفلسطين، وانتقل إلى القدس، ثم إلى القاهرة، واستقر بها إلى أن توفي، وكان إمامًا محدِّثًا فقيهًا، ذا اطلاع واسع على نقول الفقه، ودقائق الحديث، ومعرفة تامة بالعلوم المتداولة، وكان ينظم الشعر، وله ديوان جيد، وله مصنفات قيمة، فاقت السبعين مصنفًا، منها: غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى في فقه الحنابلة، ودليل الطالب، والكلمات السنيات، ومسبوك الذهب في فضل العرب، ورياض الأزهار في حكم السماع والأوتار، وغيرها كثير، توفي سنة 1033 هـ. =