الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
المطلب الثالث* أدلته
سبق الكلام عن أهمية توحيد العبادة، وبسبب هذه المنزلة العظيمة لهذا التوحيد فقد تعددت أدلته وتعاضدت، وفيما يأتي أذكر ما ظهر لي من أدلة لهذا النوع العظيم من أنواع التوحيد:
أولًا: أمر اللَّه تعالى في نصوص عديدة -يصعب حصرها- بهذا التوحيد، وإلزامه العباد به، وأنه من أعظم الفروض الواجبة المتحتمة على كل مسلم، وهذه النصوص الكثيرة تدل على أنه أصل عظيم من أصول الإسلام، ومن تلك النصوص:
قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36]، وقوله:{إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51)} [آل عمران: 51] وقوله سبحانه: {وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36)} [مريم: 36]، وقوله:{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)} [الأنبياء: 92]، وقوله عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (64)} [الزخرف: 64]، وقال سبحانه وتعالى: {
…
فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 2، 3]، وقوله:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)} [التوبة: 31]، وقوله تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5]، وقوله عز وجل:{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ} [النمل: 91]، وقوله سبحانه:{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11)} [الزمر: 11].
فكل هذه النصوص تدل على هذا الأصل العظيم من أصول الإسلام، وكونه من أفرض الفروض، وأكبر الواجبات على المسلم.
ثانيًا: من أعظم الأدلة الدالة على توحيد اللَّه وإفراده بالعبادة،
وعدم عبادة ما سواه اتصافه سبحانه وتعالى بصفات الربوبية، وتفرده بكشف الضراء وجلب السراء، المالك لكل شيء، فما من شيء سواه إلا في قبضه وتحت أمره.
يقول الإمام ابن القيم: "فتوحيد الربوبية أعظم دليل على توحيد الإلهية، ولذلك وقع الاحتجاج به في القرآن أكثر مما وقع بغيره؛ لصحة دلالته، وظهورها، وقبول العقول والفطر لها، ولاعتراف أهل الأرض بتوحيد الربوبية، وكذلك كان عباد الأصنام يقرون به وينكرون توحيد الإلهية، ويقولون: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا}، مع اعترافهم بأن اللَّه وحده هو الخالق لهم، وللسموات والأرض وما بينهما، وأنه المنفرد بملك ذلك كله، فأرسل اللَّه تعالى يذكر بما في فطرتهم الإقرار به؛ من توحيده وحده لا شريك له، وأنهم لو رجعوا إلى فطرهم وعقولهم لدلتهم على امتناع إله آخر معه، واستحالته وبطلانه"
(1)
.
ويقول الشيخ السعدي: "ومن أدلة توحيده: أنه تعالى المنفرد بكشف الضراء، وجلب الخير والسراء، ولهذا قال: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ} [الأنعام: 17]؛ من فقر، أو مرض، أو عسر، أو غم، أو هم، أو نحوه، {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)}، فإذا كان وحده النافع الضار فهو الذي يستحق أن يفرد بالعبودية والإلهية"
(2)
.
ولذا يقول الإمام الطبري
(3)
في قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ
(1)
طريق الهجرتين (ص 80).
(2)
تفسير السعدي (ص 252).
(3)
هو: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الآملي الطبري، أبو جعفر الإمام المفسر الحافظ أحد الأعلام، ولد عام 224 هـ، وهو إمام من أئمة أهل السُّنَّة والجماعة، صاحب المؤلفات الشهيرة في التاريخ والتفسير، له عناية بعلم القراءات، وأقوال الصحابة والتابعين، من مصنفاته: جامع البيان، وتهذيب الآثار، وتاريخ الأمم والملوك، توفي رحمه الله سنة 310 هـ. انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ (2/ 710)، =
حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42]: "ومن الدلالة على أن الألوهة للّه الواحد القهار، خالصة دون كل ما سواه: أنه يميت ويحيي، ويفعل ما يشاء، ولا يقدر على ذلك شيء سواه، فجعل ذلك خبرًا نبههم به على عظيم قدرته، فقال:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42]؛ فيقبضها عند فناء أجلها، وانقضاء مدة حياتها، ويتوفى أيضًا التي لم تمت في منامها كما التي ماتت عند مماتها، {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} [الزمر: 42]
…
"
(1)
.
فكونه سبحانه وتعالى متصفًا بصفات الربوبية من الخلق والإحياء والإماتة جعل له الاستحقاق الكامل دون غيره للتأله والتعبد، وهذا هو توحيد الإلهية، كما قال سبحانه:{أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17)} [النحل: 17].
ويبين الإمام ابن القيم أن الإلهية التي دعت الرسل أممهم إلى توحيد الرب بها هي العبادة والتأليه، ومن لوازمها توحيد الربوبية الذي أقر به المشركون، فاحتج اللَّه عليهم به؛ فإنَّه يلزم من الإقرار به الإقرار بتوحيد الإلهية
(2)
.
يقول الألولسي
(3)
في "تفسيره": "فإن توحيد الربوبية يشير إلى توحيد الألوهية؛ بناء على أن اختصاص الربوبية به عز وجل علة لاختصاص الألوهية، واستحقاق المعبودية به سبحانه وتعالى، وقد ألزم جلَّ وعلا الوثنية
= وسير أعلام النبلاء (14/ 267)، والبداية والنهاية، لابن كثير (11/ 156)، وشذرات الذهب (2/ 260)، وطبقات المفسرين (ص 95).
(1)
تفسير الطبري (24/ 8).
(2)
انظر: إغاثة اللهفان (2/ 135).
(3)
هو: محمد شهاب الدين بن عبد اللَّه الحسيني الألوسي أبو الثناء، ولد عام 1217 هـ، عالم جليل، له عناية بعلم الحديث وأصوله، وبرع في التفسير: من مؤلفاته: روح المعاني في تفسير القرآن، توفي عام 1270 هـ. [انظر ترجمته في: الأعلام للزركلي (7/ 176)، ومعجم المؤلفين لرضا كحالة (3/ 815)].