الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِمَّا تَعْبُدُونَ} [الزخرف: 26]، ومعنى الإثبات منها: هو إفراد الله وحده بجميع أنواع العبادات على الوجه الذي شرعه على ألسنة رسله، وهذا المعنى جاء موضحًا في قوله:{إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27)} [الزخرف: 27] "
(1)
.
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: "فقولك: (لا إله إلا اللّه): فـ (لا): نافية للجنس، و (الإله) هو: المألوه بالعبادة، وهو الذي تألهه القلوب، وتقصده رغبة إليه في حصول نفع، أو دفع ضر، كحال من عبد الأموات، والغائبين، والأصنام، فكل معبود مألوه بالعبادة، والخبر المرفوع محذوف تقديره: حق، وقوله:(إلا الله): استثناء من الخبر المرفوع، فاللّه سبحانه هو الحق، وعبادته وحده هي الحق، وعبادة غيره منتفية بلا في هذه الكلمة.
قال اللّه تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} [لقمان:30]، فإلهية ما سواه باطلة، فدلت الآية على أن صرف الدعاء الذي هو مخ العبادة عنه لغيره باطل؛ فتبيَّن أن الإلهية هي العبادة؛ لأن الدعاء من أفرادها، فمن صرف منها شيئًا لغيره تعالى فهو باطل"
(2)
.
*
المسألة الثالثة * أدلة القاعدة
دلَّ على صحة القاعدة ما يلي:
أولًا: لفظ الشهادة نفسه مشتمل على دلالة النفي والإثبات؛ فإن (لا إله) نفي لجميع ما يوجد أو سيوجد من آلهة في هذا العالم، و (إلا اللّه) استثناء للإله الحق الواحد، والاستثناء بعد النفي إثبات كما هو
(1)
أضواء النبيان (7/ 102).
(2)
مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (2/ 88).
مقرر عند جمهور أهل العلم من أهل اللغة والأصول، وعليه فتكون كلمة التوحيد (لا إله إلا اللّه) دالة ومشتملة على النفي والإثبات.
يقول الإمام ابن قدامة: "فإن هذا صريح في الإثبات والنفي فمن قال: (لا إله إلا اللّه): مثبت للإلهية نافٍ لها عمن سواه"
(1)
.
وقال القرطبي: "لا خلاف بين أهل اللسان وغيرهم أن الاستثناء من النفي إثبات، ومن الإثبات نفي"
(2)
.
وقال الآمدي
(3)
: "الاستثناء من الإثبات نفي، ومن النفي إثبات، خلافًا لأبي حنيفة، ودليلنا في ذلك أن القائل إذا قال (لا إله إلا اللّه) كان موحدًا مثبتًا للألوهية لله سبحانه وتعالى، ونافيًا لها عما سواه، ولو كان نافيًا للألوهية عما سوى الرب تعالى، غير مثبت لها بالنسبة إلى الرب تعالى لما كان ذلك توحيدًا لله تعالى؛ لعدم إشعار لفظه بإثبات الألوهية لله تعالى وذلك خلاف الإجماع"
(4)
.
وقال الزركشي
(5)
: "قول (لا إله إلا اللّه)؛ أي: على هذه الصيغة
(1)
روضة الناظر لابن قدامة (ص 270)، وانظر لتقرير قاعدة الاستثناء من النفي: الأشباه والنظائر" للسيوطي (ص 378)، ومعنى لا إله إلا الله، للزركشي (ص 101 - 104).
(2)
تفسير القرطبي (10/ 37).
(3)
هو: علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي، الفقيه، الأصولي، له تصانيف عديدة منها:"الإحكام في أصول الأحكام"، و"منتهى السول"، توفي سنة 631 هـ.
[انظر ترجمته في: طبقات الشافعية للسبكي: (5/ 129)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شبهة (2/ 79)].
(4)
الإحكام للآمدي (2/ 330)، وانظر:(3/ 108 - 109)، وإرشاد الفحول (ص 255).
(5)
هو: الإمام بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد اللّه الزركشي، الشافعي، أحد علماء مصر في القرن الثامن الهجري، ولد سنة 745 هـ، من مؤلفاته: البحر المحيط في أصول الفقه، والبرهان في علوم القرآن وغيرها، توفي سنة 794 هـ. [انظر: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (3/ 397)، وشذرات الذهب (6/ 335)].
الخاصة الجامعة بين النفي والإثبات ليدل على حصر الإلهية لله تعالى؛ فإن الجمع بين النفي والإثبات أبلغ صيغ الحصر، وقد ثبت العلم الضروري بالاكتفاء بهذه الكلمة الشريفة في إثبات التوحيد لله تعالى، من غير نظر إلى واسطة بين النفي والإثبات، ولا انضمام لفظ آخر إليه"
(1)
.
ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ: "اعلم أن (لا إله إلا اللّه)، هي كلمة التقوى، والعروة الوثقى، وأصل دين الإسلام، ومفتاح دار السلام؛ قد دلت بمنطوقها وموضوعها، على نفي استحقاق الإلهية عن غيره تعالى، والبراءة من كل معبود سواه، قولًا وفعلًا، وإثبات استحقاق الإلهية على وجه الكمال لله تعالى.
فالأول: وهو النفي، يستفاد من:(لا) واسمها، وخبرها المقدر، والإثبات: يستفاد من الاستثناء؛ لأن الإثبات بعد النفي المتقدم، أبلغ من الإثبات بدونه، وهذه طريقة القرآن، يقرن بين النفي والإثبات غالبًا؛ -كما في هذا الموضع- لأن المقصود لا يحصل إلا بهما"
(2)
.
ثانيًا: من المعلوم مجيء جميع الأنبياء والرسل بالدعوة إلى (لا إله إلا اللّه)، وإخلاص العبادة لله تعالى، وقد جاءت النصوص القرآنية تبين وتوضح اشتمال دعوة الرسل جميعًا على النفي والإثبات، ومعناه كما سبق: الأمر بعبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه، فهذا هو المقصود من النفي والإثبات، فإن دلالة (لا إله إلا اللّه) اللفظية على صورة الخبر، والمقصود منه الأمر والنهي -كما سيأتي تفصيل ذلك في تطبيقات القاعدة- ومن تلك الآيات التي جاءت مفسرة لكلمة التوحيد ما يأتي:
قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
(1)
معنى لا إله إلا الله للزركشي (ص 83).
(2)
الدرر السنية في الأجوبة النجدية (2/ 326).
يقول الشيخ سليمان آل الشيخ في معنى الآية: "وهذه الآية هي معنى (لا إله إلا اللّه)، فإنها تضمنت النفي والإثبات كما تضمنته (لا إله إلا اللّه) ففي قوله: {اعْبُدُوا اللَّهَ} الإثبات، وفي قوله: {وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} النفي، فدلت الآية على أنه لا بد في الإسلام من النفي والإثبات، فيثبت العبادة لله وحده، وينفي عبادة ما سواه"
(1)
.
ويقول الشيخ الأمين الشنفيطي في تفسير الآية: "ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه بعث في كل أمة رسولًا بعبادة اللّه وحده، واجتناب عبادة ما سواه، وهذا هو معنى (لا إله إلا اللّه)؛ لأنها مركبة من نفي وإثبات، فنفيها: هو خلع جميع المعبودات غير الله تعالى، في جميع أنواع العبادات، وإثباتها: هو إفراده جلَّ وعلا بجميع أنواع العبادات بإخلاص، على الوجه الذي شرعه على ألسنة رسله -عليهم صلوات اللّه وسلامه-"
(2)
.
ومن ذلك قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)} [البقرة: 256].
وقوله تعالى في براءة إبراهيم عليه السلام من معبودات أبيه وقومه: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27)} [الزخرف: 26، 27].
يقول -الإمام المجدد- الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "ومعنى (لا إله): نفي و (إلا الله): إثبات. فإذا قيل لك إيش أنت ناف؟ وإيش أنت مثبت؟ فقل: ناف جميع ما يعبد من دون اللّه، ومثبت العبادة لله وحده لا شريك له، فإذا قيل لك: إيش الدليل على ذلك؟ فقل: قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} هذا دليل النفي، ودليل
(1)
تيسير العزيز الحميد (ص 38)، وانظر: حاشية كتاب التوحيد لابن قاسم (ص 14).
(2)
أضواء البيان (2/ 374).