الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أكمل من غيره"
(1)
.
ويقول أيضًا: "فالعبد مع شهوده الربوبية العامة الشاملة للمؤمن والكافر والبر والفاجر؛ عليه أن يشهد ألوهيته التي اختص بها عباده المؤمنين الذين عبدوه وأطاعوا أمره واتبعوا رسله"
(2)
.
ويقول - الإمام المجدد- الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "السابعة عشرة: فى أول اقرأ: الربوبية العامة، وأول المدثر: الربوبية الخاصة"
(3)
.
وكلاهما من فعل الرب تبارك وتعالى لا يخرج منهما شيء عن خلقه وتدبيره سبحانه وتعالى.
*
المسألة الثانية* معنى القاعدة
دلَّت القاعدة على إقرار واعتراف جميع الخلائق بربوبية الله تعالى العامة، وأنه الخالق لهذا الكون فلا تخرج مثقال ذرة منه عن خلقه وعلمه وتدبيره وإحاطته تبارك وتعالى، كما أنه المالك لهذا الكون الملك التام الذي لا ينازعه فيه أحد من الخلق لا ملك مقرَّب، ولا نبيّ مرسل، أحكم كل شيء خلقه، وأتقنه بعلمه وحكمته، فكل مشرك وملحد يقرّ بذلك في نفسه، وإن جحده بلسانه.
يقول الإمام ابن تيمية: "فالكفار المشركون مقرون أن الله خالق السماوات والأرض، وليس في جميع الكفار من جعل لله شريكًا مساويًا له في ذاته، وصفاته، وأفعاله، هذا لم يقله أحد قط، لا من المجوس الثنوية، ولا من أهل التثليث، ولا من الصابئة المشركين الذين يعبدون
(1)
مجموع الفتاوى (5/ 105).
(2)
اقتضاء الصراط المستقيم (ص 461).
(3)
تفسير آيات من القرآن الكريم (ص 367).
الكواكب والملائكة، ولا من عُباد الأنبياء والصالحين، ولا من عُباد التماثيل والقبور، وغيرهم؛ فإن جميع هؤلاء وإن كانوا كفارًا، مشركين، متنوعين في الشرك، فهم مقرون بالرب الحق الذي ليس له مثل في ذاته، وصفاته، وجميع أفعاله، ولكنهم مع هذا مشركون به في ألوهيته بأن يعبدوا معه آلهة أخرى يتخذونها شفعاء أو شركاء، أو في ربوبيته بأن يجعلوا غيره رب بعض الكائنات دونه، مع اعترافهم بأنه رب ذلك الرب، وخالق ذلك الخلق"
(1)
.
ويقول ابن أبي العز الحنفي: "وهذا التوحيد لم يذهب إلى نقيضه طائفة معروفة من بني آدم، بل القلوب مفطورة على الإقرار به أعظم من كونها مفطورة على الإقرار بغيره من الموجودات، كما قالت الرسل فيما حكى الله عنهم: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم:10] "
(2)
.
كما أن القاعدة دلَّت على أنه لم ينكر إفراد الله بالربوبية، واختصاصه بالخلق والملك والتدبير إلا من شذَّ من أهل الأرض.
ثم إن من أشهر من أنكر توحيد الله تعالى جملة وتفصيلًا في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته هو فرعون -عليه لعنة الله-.
يقول الإمام محمد الأمين الشنقيطي: "أما تجاهل فرعون لعنه الله لربوبيته جلَّ وعلا في قوله: {قَالَ فِرغَوْنُ وَمَا رَبُّ اَلْعلمِينَ (23)} [الشعراء: 23]، فإنه تجاهل عارف؛ لأنَّه عبد مربوب كما دل عليه قوله تعالى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} [الإسراء: 102]، وقوله: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14] "
(3)
.
(1)
مجموع الفتاوى (11/ 51).
(2)
شرح العقيدة الطحاوية (ص 77).
(3)
أضواء البيان (2/ 155)، وانظر:(3/ 18).
ويقول الإمام ابن أبي العز: "وأشهر من عرف تجاهله وتظاهره بإنكار الصانع فرعون، وقد كان مستيقنًا به في الباطن كما قال له موسى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ}، وقال تعالى عنه وعن قومه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}، ولهذا لما قال: {وَمَا رَبُّ اَلعلَمِينَ (23)} على وجه الإنكار له تجاهل العارف قال له موسى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28)} [الشعراء: 23 - 28] "
(1)
.
يقول الشيخ حافظ الحكمي: "توحيد الربوبية لم ينكره أحد إلا مكابرة؛ كفرعون، ونمرود، والثنوية الذين اعتقدوا للوجود خالقين اثنين تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوًا كبيرًا"
(2)
.
والمقصود هنا: أن من أنكر توحيد الربوبية إنما أنكره مكابرة وعنادًا، ومنهم من أسند الخلق إلى النور أو الظلمة أو غير ذلك، ولكنهم على اختلاف فرقهم لم يثبتوا صانعين للعالم متماثلين في الصفات والأفعال.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وذلك أن المشركين من جميع الأمم لم يكن أحد منهم يقول إن للمخلوقات خالقين منفصلين متماثلين في الصفات، فإن هذا لم يقله طائفة معروفة من بني آدم، ولكن الثنوية
(3)
(1)
شرح العقيدة الطحاوية (ص 77).
(2)
معارج القبول (2/ 402).
(3)
الثنوية: هم طائفة من المجوس الذين أثبتوا أصلين اثنين، مدبرين قديمين، الأول للخير وانفع، والثاني للشر والضر، ويسمون الأول:(النور)، والثاني:(الظلمة)، والنور عندهم هو إله الخير المحمود والظلمة هي الإله الشرير المذموم، ويزعمون أن النور والظلمة أزليان قديمان بخلاف المجوس الأصليين القائلين بحدوث الظلام، =
من المجوس ونحوهم يقولون: إن العالم صادر عن أصلين؛ النور والظلمة، والنور عندهم هو إله الخير المحمود، والظلمة هي الإله الشرير المذموم، وبعضهم يقول: إن الظلمة هي الشيطان؛ وهذا ليجعلوا ما في العالم من الشر صادرًا عن الظلمة"
(1)
.
ويقول رحمه الله أيضًا في بيان شرك قوم إبراهيم وأنهم ممن أقرَّ بالخالق: "والمقصود هنا: أن المشركين لم يكونوا يثبتون مع الله إلهًا آخر مساويًا له في الصفات والأفعال، بل ولا كانوا يقولون: إن الكواكب والشمس والقمر خلقت العالم، ولا أن الأصنام تخلق شيئًا من العالم، ومن ظن أن قوم إبراهيم الخليل كانوا يعتقدون أن النجم أو الشمس أو القمر رب العالمين، أو أن الخليل عليه السلام لما قال:{هَذَا رَبِّي} ، أراد به (رب العالمين)، فقد غلط غلطًا بينًا، بل قوم إبراهيم كانوا مقرين بالصانع وكانوا يشركون بعبادته كأمثالهم من المشركين، قال تعالى عن الخليل:{فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77)} [الشعراء: 77]، فأخبر تعالى عن الخليل: أنه عدو لكل ما يعبدونه إلا لرب العالمين، وأخبر أنهم يقولون يوم القيامة:{تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98)} [الشعراء: [97، 98]
…
وقال: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)} [الأنعام: 79]، ولم يقل: من المعطلين؛ فإن قومه كانوا يشركون ولم يكونوا معطلين كفرعون اللعين، فلم يكونوا جاحدين للصانع، بل عدلوا به وجعلوا له أندادًا في العبادة والمحبة والدعاء"
(2)
.
=وهؤلاء قالوا بتساويهما في القدم واختلافهما في الجوهر والطبع والفعل والحيز والمكان والأجناس والأبدان والأرواح [انظر: الفهرست (ص 442) وما بعدها، والملل والنحل (1/ 244)].
(1)
الجواب الصحيح (1/ 351).
(2)
الجواب الصحيح (1/ 354 - 356).