الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس
قاعدة الحنيفية من موجبات الفطرة ومقتضياتها
وفيه مسائل:
*
المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة
أولًا: معنى الحنيفية:
الحَنِيفيّة مشتقة من الأصل اللغوي الثلاثي (حَنِفَ) على وزن (فَعِيلِية)، وهي مصدر صناعي نسبة إلى (حَنِيف)، والحنيف على وزن (فَعِيل)، بمعنى (فَاعِل)، يقال: حَنِفَ يَحْنَفُ حَنَفًا
(1)
.
ومعنى الحنف في اللغة: الإقبال على الشيء، يقال: أحنف الرجلين من الحَنَف؛ أي: كل واحدة من الرجلين مقبلة على الأخرى بإبهامها. وقيل: هو الميل عن الشيء.
ومن معان الحنف: الاستقامة، فالحنيف: المستقيم، وقد قيل للرجل الأعرج الذي تقبل إحدى قدميه على الأخرى إنما قيل له: أحنف؛ على جهة التفاؤل، ونظرًا إلى السلامة، كما قيل للقفر وللمهلكة
(1)
انظر: مقاييس اللغة (2/ 110)، وتصريف الأسماء (ص 51 - 76 - 77)، ومعجم تصريف الأفعال العربية (ص 207 - 485).
من البلاد: المفازة، بمعنى الفوز بالنجاة منها والسلامة، وكما قيل للديغ: السليم تفاؤلًا له بالسلامة من الهلاك
(1)
.
أما معنى الحنيفية شرعًا فقد قيل في معناها أقوال كثيرة، منها ما يتعلق بأصل الإسلام وهو التوحيد، والبعض فسرها ببعض الأعمال التي اختصت بها الشريعة؛ من الحج والختان وتحريم المحارم، وغير ذلك
(2)
، والصحيح في معناها أنها بمعنى التوحيد، وإخلاص الدين لله عز وجل، إضافة إلى أعمال الشرائع التي اختص بها الحنيفية؛ ويظهر ذلك من قوله تعالى في شأن إبراهيم عليه السلام:{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67)} [آل عمران: 67]، وقوله سبحانه:{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161)} [الأنعام: 161].
ففسَّر تعالى حنيفية إبراهيم عليه السلام ببعده وبراءته من الشرك وأهله، وهذا يدل على أن معنى الحنيفية التوحيد وإسلام الوجه لله، وإخلاص العبادة له سبحانه بالحب والخضوع والانقياد
(3)
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والحنيفية: هي الاستقامة بإخلاص الدين لله، وذلك يتضمن حبه تعالى والذل له، لا يشرك به شيئًا؛ لا في الحب ولا في الذل"
(4)
.
ويقول أيضًا: "فالدين الحنيف: هو الإقبال على الله وحده، والإعراض عما سواه، وهو الإخلاص الذي ترجمته كلمة الحق، والكلمة
(1)
الصحاح (4/ 1347)، ولسان العرب (2/ 362 - 363)، وانظر: تفسير الطبري (1/ 564)، والاستذكار (3/ 102)، وجلاء الأفهام (ص 269)، ومفتاح دار السعادة (1/ 174).
(2)
انظر: تفسير الطبري (30/ 263)، وتفسير ابن كثير (1/ 188).
(3)
انظر: منهاج السُّنَّة النبوية (5/ 350).
(4)
مجموع الفتاوى (10/ 466).