الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك مربوب مقهور يتصرف فيه، فقير محتاج"
(1)
.
ويقول الشيخ السعدي في تفسير قوله تعالى: {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36)} [الجاثية: 36]: "أي: له الحمد على ربوبيته لسائر الخلق حيث خلقهم، ورباهم، وأنعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة"
(2)
.
ويقول الكفوي: "الرب: المالك والمصلح والسيد والمعبود"
(3)
.
فجميع ما سبق من تفسيرات لكلمة الرب لا تخرج عن تلك المعاني الثلاثة التي ذكرها أهل العلم، وبهذا يتبين لنا معنى الرب والربوبية في اللغة وفي تعبيرات العلماء.
أما الألوهية:
فهي مصدر للفعل أَلَهَ بالفتح، تقول: أَلَهَ يألَهَ إِلَاهة؛ أي: عبد يعبد عبادة. قال ابن فارس
(4)
: "الهمزة واللام والهاء أصل واحد وهو التعبد، فالإله الله تعالى وسمي بذلك لأنه معبود ويقال: تأله الرجل إذا تعبد"
(5)
.
و (الإِلاهُ: الله عز وجل، وكل ما اتُّخذ من دونه معبودًا إلاهٌ عند متخذه، والجميع آلِهَة، والإلاهَة والأُلوهَة والأُلُوهِيَّةُ: العبادة.
وأَلَهَ إلاهَةً بالكسْرِ وأُلُوهَةً وأُلُوهِيَّةً بضمِّهِما: عَبَدَ عِبادَةً، وإلاهٌ: كفِعالٍ بمعَنْى مَألُوهٍ؛ لأنَّه مَألُوهٌ؛ أَي: مَعْبودٌ، كَقَوْلِنا: إمامٌ فِعَالٌ بمعنَى
(1)
تفسير آيات من القرآن الكريم (ص 11).
(2)
تفسير السعدي (ص 778).
(3)
الكليات للكفوي (ص 466).
(4)
هو: أبو الحسن أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد، اللغوي: القزويني، له تصانيف كثيرة منها: مجمل اللغة، ومعجم مقاييس اللغة، وفقه اللغة، توفي سنة 395 هـ.
[ترجمته في: البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة (ص 61)].
(5)
معجم مقاييس اللغة (1/ 127).
مَفْعولٍ لأنَّه مُؤْتَمٌّ به، والتَّأَلُّه: التَّنَسُّكُ والتَّعَبُّدُ، والتَّأْلِيه: التَّعْبِيدُ قالَ رُؤْبَة:
لِلَّهِ دَرُّ الغَانِياتِ المُدَّهِ
…
سَبَّحْنَ واسْتَرْجَعْنَ من تأَلُّهِي
(1)
وكانت العَرَب في جاهليتها يَدعُون مَعبُوداتهم من الأصنام والأوْثان: آلهة وهي جمعُ إلاهة قال الله جلَّ وعزَّ: {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} وهي أصنامٌ عَبَدها قومُ فرعون معه، ورُوِي عن ابن عباس أنه قرأ:{وَيَذَرَكَ وَإِلاهَتَكَ} ويُفسِّره: وعِبادَتك، واعتلّ بأنّ فرعون كان يُعبَد ولا يَعْبُد، فهو على هذا ذو إلاهَةٍ لا ذو آلهَةٍ
…
والقراءة الأولى أكثر وأشهَر وعليها قراءة الأمصار)
(2)
.
يتبين مما سبق أن الإله مصدر للفعل أَلَهَ إلهة وألوهية إذا عبد عبادة وعبودية، فالإله هو المعبود والألوهية هي العبادة، وبهذا المعنى للإله وهو المعبود فسر العلماء النصوص الواردة في الشرع.
يقول الإمام الطبري: "فإن قال وما دل على أن الألوهية هي العبادة، وأن الإله هو المعبود، وأن له أصلًا في فعل ويفعل. قيل: لا تمانع بين العرب في الحكم لقول القائل يصف رجلًا بعبادة ويطلب مما عند الله جلَّ ذكره: تأله فلان بالصحة ولا خلاف، ولا شك أن التأله التَّفَعُّل من أَلَه يَأْلَه، وأن معنى أَلَه إذا نطق به: عبد الله"
(3)
.
ويقول الإمام ابن تيمية: "والإله: هو المعبود الذي هو المقصود بالإرادات والأعمال كلها"
(4)
.
(1)
انظر: العين، للخليل بن أحمد (4/ 32) مادة:(مده).
(2)
انظر: تهذيب اللغة للأزهري (6/ 222 - 224)، وتاج العروس للزبيدي (36/ 320 - 324)، والمحكم والمحيط الأعظم، لابن سيده (4/ 358)، ولسان العرب (13/ 470)، والقاموس المحيط (ص 1603).
(3)
تفسير الطبري (1/ 54).
(4)
مجموع الفتاوى (17/ 517).
ويقول الإمام ابن رجب: "فإن الإله: هو المعبود الذي يطاع فلا يعصى خشية وإجلالًا ومهابة ومحبة ورجاء وتوكلًا ودعاء"
(1)
.
ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "إذا عرفت أن معنى الله هو الإله وعرفت أن الإله هو المعبود"
(2)
.
ويقول الشيخ سليمان آل الشيخ: "وهذا كثير جدًا في كلام العلماء، وهو إجماع منهم أن الإله هو المعبود خلافًا لما يعتقده عباد القبور وأشباههم في معنى الإله أنه الخالق أو القادر على الاختراع أو نحو هذه العبارات"
(3)
.
ويقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: "وهو الإله المعبود في السموات والأرض؛ لأنه جلَّ وعلا هو المعبود وحده بحق في الأرض والسماء"
(4)
.
فالإله في اللغة كما مرَّ هو المعبود؛ فإن سمي به الله تعالى فهو المعبود بالحق المستحق للعبادة، وإن أطلق على غيره سبحانه كان معبودًا بالباطل، لكن عند تعريفه بالألف واللام وإطلاقه فلا يطلق إلا على الإله الحق المبين سبحانه وتعالى، ولذا فإن بعض أهل العلم عندما عرَّفوا الإله قيّدوه بأنه المعبود بحق، أو بأنه المستحق للعبادة، وهذا واضح؛ فإن مقصودهم بالإله الحق: هو الله تعالى، بخلاف الآلهة الباطلة فإن الله قد سماها آلهة؛ أي: معبودة، ولكنها عبدت بالباطل ولم تعبد بالحق، والله هو المعبود الحق المتفرد بالعبادة دون ما سواه.
ولذا قال ابن فارس: "فالإله: الله تعالى، وسمي بذلك لأنه معبود"
(5)
.
(1)
جامع العلوم والحكم (1/ 204).
(2)
تفسير آيات من القرآن الكريم (ص 12).
(3)
تيسير العزيز الحميد (ص 58).
(4)
أضواء البيان (1/ 470).
(5)
معجم مقاييس اللغة (1/ 127).
ويقول أبو بكر الدمياطي
(1)
: "وأصله إله: أي: أصله الأول إله كإمام، وهو اسم جنس لكل معبود؛ أي: سواء كان بحق أو باطل، ثم بعد تعريفه غلب استعماله في الله المعبود بحق غلبة تقديرية، وهي اختصاص اللفظ بمعنى مع إمكان استعماله
(2)
في غيره بحسب الوضع، لكن لم يستعمل فيه بالفعل كما هنا، فإن لفظ الإله صالح لأن يستعمل في غير الله بحسب الوضع لكن لم يستعمل إلا في الله سبحانه وتعالى"
(3)
.
ولذا يقول الإمام ابن تيمية: "والإله هو بمعنى المألوه المعبود الذي يستحق العبادة ليس هو الإله بمعنى القادر على الخلق"
(4)
.
ولا شك أن الذي يستحق العبادة هو الإله الحق، وهو الله سبحانه وتعالى، بخلاف غيره من المعبودات فإن ألوهيتها ألوهية باطلة، فهي مجرد تسمية لا حقيقة لها في الخارج، كما قال تعالى:{مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [يوسف: 40]، وإنما الألوهية الحقة التامة الشاملة هي الثابتة لله وحده لا شريك له، ولذلك استحق العبادة دون ما سواه.
يقول الإمام ابن تيمية: "أخبر -سبحانه- أن الأسماء التي سماها المشركون أسماء ابتدعوها: لا حقيقة لها، فهم إنما يعبدون أسماء لا مسميات لها؛ لأنه ليس في المسمى من الألوهية، ولا العزة، ولا التقدير شيء، ولم ينزل الله سلطانًا بهذه الأسماء؛ إن يتبع المشركون إلا ظنًا لا
(1)
هو: بكري بن محمد زين الدين شطا الدمياطي الشافعي، أبو بكر البكري: فقيه فاضل، ولد سنة 1266 هـ، له كتب منها: إعانة الطالبين في حل ألفاظ فتح المعين؛ وهو من الكتب المعتمدة عند متأخري الشافعية، والدرر البهية فيما يلزم المكلف من العلوم الشرعية، وكفاية الأتقياء ومنهاج الأصفياء، وتفسير القرآن لم يكمله، توفي سنة 1310 هـ. [ترجمته في: الإعلام بتصحيح كتاب الأعلام (ص 97)، والأعلام (4/ 214)].
(2)
في الأصل المطبوع (استعمال) والزيادة مني.
(3)
إعانة الطالبين (1/ 9).
(4)
درء التعارض (1/ 226).