الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإثبات: {إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} "
(1)
.
*
المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة
لا يكاد يخلو كلام أحد من أهل العلم -ممن تكلم في معنى كلمة التوحيد- من تقرير قاعدة النفي والإثبات في لا إله إلا اللّه؛ فمنهم من عبَّر عنهما بالأصل، وآخر بالركن، وغير ذلك، وفيما يأتي أذكر بعضًا مما وقفت عليه من تلك التقريرات:
يقول الإمام ابن أبي العز الحنفي في قول الإمام الطحاوي: (ولا إله غيره): "هذه كلمة التوحيد التي دعت إليها الرسل كلهم كما تقدم ذكره، وإثبات التوحيد بهذه الكلمة باعتبار النفي والإثبات المقتضي للحصر؛ فإن الإثبات المجرد قد يتطرق إليه الاحتمال، ولهذا والله أعلم لما قال تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة: 163] قال بعده: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)} [البقرة: 163]؛ فإنه قد يخطر ببال أحد خاطر شيطاني: هب أن إلهنا واحد فلغيرنا إله غيره، فقال تعالى: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)} "
(2)
.
ويقول الإمام ابن تيمية: "من سَوَّغَ أن يُدْعَى المخلوق، ومنع من دعاء الخالق الذي فيه تحقيق صمديته، وإلهيته فقد ناقض الإسلام في النفي والإثبات، وهو شهادة أن لا إله إلا اللّه"
(3)
.
ويقول الإمام ابن القيم: "ونظير هذا اشتمال كلمة الإسلام وهي شهادة أن لا إله إلا اللّه على النفي والإثبات، فكان في الإتيان بالنفي في صدر هذه الكلمة من تقرير الإثبات، وتحقيق معنى الإلهية، وتجريد
(1)
الدرر السنية (1/ 153)، وانظر: مجموع الفتاوى ورسائل ابن عثيمين (9/ 22 - 23).
(2)
شرح العقيدة الطحاوية (ص 111).
(3)
مجموع الفتاوى (3/ 276).
التوحيد الذي يقصد بنفي الإلهية عن كل ما ادعيت فيه سوى الإله الحق تبارك وتعالى، فتجريد هذا التوحيد من العقد واللسان بتصور إثبات الإلهية لغير اللّه -كما قاله أعداؤه المشركون- ونفيه وإبطاله من القلب واللسان من تمام التوحيد، وكماله، وتقريره، وظهور أعلامه، ووضوح شواهده، وصدق براهينه"
(1)
.
وقال أيضًا في حقيقة كلمة التوحيد: "وهي حقيقة التجريد والتفريد؛ فيتجرد عن عبادة ما سواه، ويفرده وحده بالعبادة، فالتجريد نفي، والتفريد إثبات، ومجموعهما هو التوحيد"
(2)
.
وقال الإمام القرطبي: "قوله تعالى: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}، نفي وإثبات، أولها كفر وآخرها إيمان"
(3)
.
ويقول الإمام العينٍ: "قوله: (لا إله إلَّا اللّه) إلى آخره: كلمة توحيد بالإجماع، وهي مشتملة على النفي والإثبات، فقوله: (لا إله): نفي الألوهية عن غير الله، وقوله: (إلا الله): إثبت الألوهية لله تعالى، وبهاتين الصفتين صار هذا كلمة التوحيد والشهادة، وقد قيل: إن الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي"
(4)
.
ويقول -الإمام المجدد- الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "فاعلموا أن قول الرجل (لا إله إلا الله): نفي وإثبات؛ إثبات الألوهية كلها لله وحده، ونفيها عن الأنبياء، والصالحين وغيرهم"
(5)
.
ويقول الشيخ سليمان بن عبد الله: "فـ (لا إله إلا اللّه) اشتملت على نفي وإثبات، فنفت الإلهية عن كل ما سوى الله تعالى، فكل ما
(1)
طريق الهجرتين (ص 236).
(2)
مدارج السالكين (1/ 168).
(3)
تفسير القرطبي (2/ 191).
(4)
محمدة القاري للعيني (6/ 133)، وانظر: نوادر الأصول في أحاديث الرسول (4/ 196).
(5)
الرسائل الشخصية (ص 187).
سواه من الملائكة، والأنبياء، فضلًا عن غيرهم، فليس بإله، ولا له من العبادة شيء، وأثبتت الإلهية للّه وحده: بمعنى أن العبد لا يَألَه غيره: أي: لا يقصده بشيء من التأله، وهو تعلق القلب الذي يوجب قصده بشيء من أنواع العبادة"
(1)
.
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن: "و (لا إله إلا اللّه) خير الكلام وأفضله، وتناولت الدين كله، ودلت عليه مطابقة وتضمنًا والتزامًا، وتضمنت أمرين هما أساس الدين:
الأول: نفي الإلهية عن كل ما سوى الله تعالى نفيًا عامًا، وهي العبادة كما نطق به القرآن في مواضع كثيرة فـ (لا): هي أداة النفي، دخلت على المنفي بها، فينتفي إذا قاله الموحد.
الأمر الثاني: المستثنى بـ (إلا): وهو اللّه وحده دون كل ما سواه؛ من قبر، أو وثن، أو شجر، أو حجر، أو غير ذلك، فلا يقصد بشيء من أنواع العبادة شيئًا سوى اللّه تعالى وحده. فدلت على هذين الأمرين مطابقة"
(2)
.
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن قاسم: "فبهذا ونحوه تعرف أن معنى (لا إله إلا اللّه): النفي والإثبات، والولاء والبراء، والتجريد والتفريد، وهذه التفاسير ونحوها ترجع إلى معنى واحد، وهو: تجريد غير اللّه عن الألوهية وتفريدها للّه وحده دون كل من سواه، والبراءة من تأله غير اللّه بالكلية، ومن اعتقد أنه بمجرد تلفظه بالشهادة يدخل الجنة، ولا يدخل النار فهو ضال، مخالف للكتاب، والسُّنَّة، وإجماع الأمة"
(3)
.
ويقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: "تحقيق معنى (لا إله إلا اللّه)،
(1)
تيسير العزيز الحميد (ص 58 - 59).
(2)
الدرر السنية في الأجوبة النجدية (11/ 568).
(3)
حاشية الأصول الثلاثة لابن قاسم (ص 87 - 88).