الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الأمور التي لا يطلب من قامت به شاهدًا عليها من سوى أنفسها
(1)
.
ويقول الإمام ابن أبي العز الحنفي: "ولا تُحَد المحبة بحد أوضح منها، فالحدود لا تزيدها إلا خفاءً، وهذه الأشياء الواضحة لا تحتاج إلى تحديد؛ كالماء، والهواء، والتراب، والجوع، ونحو ذلك"
(2)
.
ويقول الحافظ ابن حجر: "وحقيقة المحبة عند أهل المعرفة من المعلومات التي لا تُحَد، وإنما يعرفها من قامت به وجدانًا لا يمكن التعبير عنه"
(3)
.
ويقول الإمام ابن القيم بعد أن ساق جملة من الأقوال التي قيلت في معنى المحبة: "ولا توصف المحبة ولا تحد بحد أوضح من المحبة، ولا أقرب إلى الفهم من لفظها، وأما ذكر الحدود والتعريفات فإنما يكون عند حصول الإشكال والاستعجام على الفهم، فإذا زال الإشكال وعدم الاستعجام فلا حاجة إلى ذكر الحدود والتعريفات، كما قال بعض العارفين: إن كل لفظ يعبر به عن الشيء فلا بد أن يكون ألطف وأرق منه، والمحبة ألطف وأرق من كل ما يعبر به عنها"
(4)
.
*
المسألة الثانية * معنى القاعدة
من المعلوم أن المحبة من حيث تعلقها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: محبة دينية شرعية تتعلق بالله تبارك وتعالى، وهذه على نوعين:
الأول: محبة أصلية تتعلق بذاته عز وجل وأسمائه وصفاته وأفعاله.
(1)
انظر: طريق الهجرتين (ص 440)، ومدارج السالكين (3/ 367).
(2)
شرح العقيدة الطحاوية (ص 176).
(3)
فتح الباري (10/ 462 - 463).
(4)
طريق الهجرتين (ص 461).
الثاني: محبة تابعة تتعلق بمحبوبات الرب تبارك وتعالى.
القسم الثاني: محبة دينية غير شرعية، وهي المحبة مع الله عز وجل، وهذه على نوعين:
الأول: محبة شركية تقدح في أصل التوحيد وتضاده وتناقضه، بل تذهبه بالكلية، ويخرج بسببها المرء عن دينه، ويصبح كافرًا بالله العظيم.
الثاني: محبة محرمة تقدح في كمال التوحيد الواجب، وتنقص من كمال الإخلاص، ولكنها لا تخرج من الإسلام.
القسم الثالث: محبة طبيعية خلقها الله في قلوب العباد وجبلهم عليها، وهذه إذا لم توصل إلى خير، ولا تسببت في شر لا يتعلق بها ثواب ولا عقاب، وكانت في حيز المباح.
والقاعدة أشارت إلى المحبة الدينية سواء كانت شرعية أو غير شرعية.
فأما المحبة الدينية الشرعية فأصلها وأساسها محبة الرب تبارك وتعالى، فهي الأصل الذي تنبني عليه جميع المحاب، والأساس الذي يقوم عليه دين الإسلام، بل هي أصل كل خير في الدنيا والآخرة
(1)
.
يقول الإمام ابن تيمية: "فجميع الأعمال الإيمانية الدينية لا تصدر إلا عن المحبة المحمودة، وأصل المحبة المحمودة هي محبة الله سبحانه وتعالى، إذ العمل الصادر عن محبة مذمومة عند الله لا يكون عملًا صالحًا، بل جميع الأعمال الإيمانية الدينية لا تصدر إلا عن محبة الله"
(2)
.
ويقول الإمام ابن القيم: "فمحبته تعالى، بل كونه أحب إلى العبد من كل ما سواه على الإطلاق من أعظم واجبات الدين، وأكبر أصوله، وأجلّ قواعده، ومن أحب معه مخلوقًا مثل ما يحبه فهو من الشرك الذي
(1)
انظر: طريق الهجرتين (ص 476).
(2)
مجموع الفتاوى (10/ 49).
لا يغفر لصاحبه، ولا يقبل معه عمل"
(1)
.
فنفس محبته أصل لعبادته، والشرك في محبته أصل الإشراك في عبادته
(2)
.
بل هي أعظم الغايات، وأجلّ المقامات، وأكبر الأصول، وأعلى الدرجات، بل ما من مقام بعد إدراك المحبة إلا وهو ثمرة من ثمارها، وتابع من توابعها؛ كالشوق، والأنس، والرضا، والإنابة، ولا من مقام قبلها إلا وهو مقدمة من مقدماتها؛ كالتوبة، والصبر، والزهد، وغيرها من المقامات
(3)
.
فثبت بذلك أن محبة الله تعالى هي أصل الدين وأساس الملة، فلا يقوم دين ولا يصح إيمان بدون هذه المحبة، كما سيأتي بيان ذلك بأدلة الكتاب والسُّنَّة، كما أنها أصل لجميع المحاب الشرعية، إذ جميع المحاب الشرعية غيره سبحانه وتعالى لا بد أن تكون محبة الله هي أصلها وأساسها الذي تنبني عليه هذه المحاب، فهي تابعة لمحبته سبحانه، ومحبة الله هي محبة لذاته عز وجل لا لشيء آخر، فهي محبة أصلية ترجع إليها جميع المحاب التابعة، فالله هو منتهى الحب والعبادة والتعظيم والذل والخضوع.
يقول الإمام ابن القيم فيما يجب أن يتحقق به العبد حتى يكون الله تعالى أحب إليه من كل شيء: "الثالث: أن تكون محبة غيره تابعة لمحبته، فيكون هو المحبوب بالذات والقصد الأول وغيره محبوبًا تبعًا لحبه كما يطاع تبعًا لطاعته، فهو في الحقيقة المطاع المحبوب"
(4)
.
(1)
إغاثة اللهفان (2/ 196)، وانظر: تفسير السعدي (ص 919).
(2)
انظر: منهاج السُّنَّة النبوية (5/ 329).
(3)
انظر: إحياء علوم الدين (4/ 294).
(4)
مدارج السالكين (2/ 183)، وانظر: ومجموع الفتاوى (10/ 265)، و (10/ 306)، و (18/ 316)، وروضة المحبين (ص 199).
ويقول الإمام ابن رجب: "ومحبة الرسول تابعة لمحبة مرسلة"
(1)
.
أما المحبة مع الله تعالى فهي أن يحب غيره سبحانه معه محبة ذاتية، وهذا كما سبق على ضربين؛ إما أن يحب غيره محبة كحبه وهي المحبة الخاصة التي تستوجب قصد المعبود بالعبادة والذل التام والخضوع للمعبود، وكمال التعظيم، والانقياد له بالطاعة، وهذه هي المحبة الشركية التي توقع صاحبها في الشرك الأكبر الذي لا يبقى معه مثقال ذرة من الإيمان، فبوجود هذه المحبة يزول أصل الإيمان والتوحيد، ويخرج بها الإنسان عن دين الإسلام.
ومعلوم أن المحبة تتبع العلم والمعرفة والاعتقاد كما سبق بيانه، فهؤلاء الذين وقعوا في المحبة الشركية مع الله تعالى قد صرفوا لمعبوداتهم بعض صفات الرب تعالى؛ كعلم الغيب، والاستقلال بالنفع والضر، فصاروا يدعون أندادهم من دون الله لما اعتقدوا فيهم من صفات الرب، ومالت قلوبهم إليهم وصرفوا لهم أنواع العبادة من دون الله تعالى من الحب والخوف والخضوع والذل، وبذلك وقعوا في المحبة الشركة مع الله تعالى.
فمن أحب ما سوى الله تعالى، معتقدًا فيه بعض صفات الرب فهذا يكون قد أشرك به في المحبة، فالذي يحب الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه يعلم الغيب
(2)
، فقد عبده بالمحبة حبًّا يخرجه من الإسلام بالكلية؛ لأن علم
(1)
جامع العلوم والحكم (389)، وانظر: مرقاة المفاتيح (9/ 254).
(2)
كما قال قائلهم يمدح النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:
فإن من جودك الدنيا وضرتها
…
ومن علومك علم اللوح والقلم
انظر: بُردة المديح للبوصيري (ص 35)، ولا شك أن هذه المحبة المبنية على هذا الاعتقاد في النبي صلى الله عليه وسلم من المحبة الشركية كالذين اتخذوا من دون الله أندادًا يحبونهم كحب الله. يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في رده على البوصيري: "وأضاف المتكلم إلى هذا إثبات عموم العلم وإحاطته بالكليات والجزئيات، وأن الدنيا والآخرة حصلتا وكانتا عن جوده وإحسانه، بل بعض جوده. =
الغيب من خصائص الرب تعالى، أو أحب الأولياء لأنهم يسمعون دعاء الغائبين فيشفعون لهم عند الله، أو أنهم ينفعون استقلالًا عن الله فقد عبدهم بالمحبة.
والنوع الثاني، وهي المحبة التي تؤدي إلى ترك الأوامر، وتضييع الواجبات، وارتكاب المنكرات، وإيثار محاب النفس والهوى والشيطان، على محاب الرب تعالى، وهذه المحبة لا يزول الإيمان بها، وإنما ينقص كماله الواجب، وهي مؤشر إلى الضعف في محبة الله تعالى الواجبة.
يقول الإمام ابن القيم: "وأما المحبة الخاصة التي لا تصلح إلا لله وحده، ومتى أحب العبد بها غيره كان شركًا لا يغفره الله، فهي محبة العبودية المستلزمة للذل، والخضوع، والتعظيم، وكمال الطاعة، وإيثاره على غيره، فهذه المحبة لا يجوز تعلقها بغير الله أصلًا، وهي التي سوى المشركون بين آلهتهم وبين الله فيها كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165]، وأصح القولين أن المعنى: يحبونهم كما يحبون الله، وسووا بين الله وبين أندادهم في الحب، ثم نفى ذلك عن المؤمنين فقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}، فإن الذين آمنوا وأخلصوا حبهم لله لم يشركوا به معه غيره، وأما المشركون فلم يخلصوا لله"
(1)
.
ويقول رحمه الله في بيان المحبة الخاصة: "وهي محبة تقتضي تقديم المحبوب فيها على النفس، والمال، والولد، وتقتضي كمال اللذة،
= كما تدل عليه (من) الموضوعة في اللغة العربية للتبعيض، ومعلوم أن هذا يدخل فيه كل تدبير وتأثير وتقدير وتيسير. فأي فرد يبقى لله؟ وأي شيء اختص به؟ فافهم ما في هذه الأبيات من منافاة مقتضى الرسالة وصريح الآيات". [مصباح الظلام (ص 201 - 202)].
(1)
طريق الهجرتين (ص 442)، وانظر: حاشية كتاب التوحيد لابن قاسم (ص 236).
والخضوع، والتعظيم، والإجلال، والطاعة، والانقياد ظاهرًا وباطنًا، وهذا لا نظير له في محبة مخلوق ولو كان المخلوق من كان.
ولهذا من أشرك بين الله وبين غيره في هذه المحبة الخاصة كان مشركًا شركًا لا يغفره الله، كما قال الله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165]، والصحيح أن معنى الآية: والذين آمنوا أشد حبًّا لله من أهل الأنداد لأندادهم كما تقدم بيانه؛ فإن محبة المؤمنين لربهم لا يماثلها محبة مخلوق أصلًا، كما لا يماثل محبوبهم غيره، وكل أذى في محبة غيره فهو نعيم في محبته، وكل مكروه في محبة غيره فهو قرة عين في محبته"
(1)
.
فكل من اتخذ من دون الله ندًا وصرف له شيئًا من العبادة فقد أحبه محبة مع الله كالذين اتخذوا من دون الله أندادًا يحبونهم كحب الله، ففرق بين الحب لله والحب مع الله، فأهل التوحيد والإخلاص يحبون غير الله لله، والمشركون يحبون غير الله مع الله كحب المشركين لآلهتهم، وحب النصارى للمسيح، وحب أهل الأهواء لرؤسائهم وكبرائهم
(2)
.
يقول الإمام ابن تيمية: "فإن هذا التوحيد يتضمن محبة الله وحده، وترك محبة المخلوق مطلقًا، إلا إذا أحبه الله فيكون داخلًا في محبة الله، بخلاف من يحبه مع الله، فإن هذا شرك"
(3)
.
وكل من كان حبه مصروفًا لغير الله وهوى النفس؛ إما من أجل الدنيا، أو الجاه، أو المال، أو العصبية، فإنه واقع في المحبة مع الله تعالى، وهذه المحبة إن لم توقعه في الكفر بالله العظيم، فهو مقترف
(1)
روضة المحبين (ص 200).
(2)
انظر: مجموع الفتاوى (10/ 465)، (10/ 265)، وقاعدة في المحبة (ص 102).
(3)
النبوات (ص 84).
لأعظم المنكرات، وقد تقوده إلى الكفر والشرك الأكبر، فإن مثل هذه المحاب مع ما فيها من الإثم، فإنها غالبًا ما توصل الإنسان إلى الكفر والفسوق والعصيان.
يقول الإمام ابن تيمية: "فإن المتحابين يحب أحدهما ما يحب الآخر بحسب الحب، فإذا اتبع أحدهما صاحبه على محبته ما يبغضه الله ورسوله نقص من دينهما بحسب ذلك إلى أن ينتهي إلى الشرك الأكبر، قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165]. الذين قدموا محبة المال الذي كنزوه، والمخلوق الذي اتبعوه على محبة الله ورسوله، كان فيهم من الظلم والشرك بحسب ذلك. . . فهؤلاء أهل الشرك الأكبر.
وأما عبيد المال الذين كنزوه، وعبيد الرجال الذين أطاعوهم في معاصي الله فأولئك يعذبون عذابًا دون عذاب أولئك المشركين؛ إما في عرصات القيامة، وإما في جهنم، ومن أحب شيئًا دون الله عذب به"
(1)
.
وبهذا يظهر أن المحبة الخاصة لا ينبغي أن تصرف لغيره عز وجل؛ إذا هي حقيقة الإلهية، وحقيقة كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، وهذه المحبة تتميّز عن باقي المحاب في عدة أمور:
أولًا: في قدر هذه المحبة، فمحبة الله لا نهاية لها، ومهما بلغ العبد من محبة الله الشرعية ما بلغ فإن ما يستحقه الله من المحبة لعظيم كماله، وكبير جلاله فوق ذلك بكثير.
ثانيًا: في صفة هذه المحبة، فمحبة الله الخاصة مستلزمة للذل والخضوع، والخوف والرجاء، والطاعة الكاملة، والانقياد التام للرب تبارك وتعالى.
ثالثًا: في وجوب إفراد الله بهذه المحبة، فلا يجوز أن يشركه فيها
(1)
مجموع الفتاوى (7/ 73 - 74).
أحد من البشر مهما كان، ومهما بلغ من الصلاح والديانة، حتى ولو كان ملكًا مقربًا، أو نبيًا مرسلًا.
يقول الإمام ابن القيم: "ومحبة الرب تعالى تختص عن محبة غيره في قدرها، وصفتها، وإفراده سبحانه بها، فإن الواجب له من ذلك كله أن يكون إلى العبد أحب إليه من ولده ووالده، بل من سمعه، وبصره، ونفسه التي بين جنبيه، فيكون إلهه الحق ومعبوده أحب إليه من ذلك كله، والشيء قد يحب من وجه دون وجه، وقد يحب بغيره، وليس شيء يحب لذاته من كل وجه إلا الله وحده، ولا تصلح الألوهية إلا له، ولو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، والتأله هو المحبة والطاعة والخضوع"
(1)
.
فالمحبة الخاصة بالله تعالى يجب ألا تصرف لغيره سبحانه، والمشركون قد أثبت الله لهم محبته العظيمة، ولكنهم أشركوا معه غيره فيها، فأبطل الله عليهم جميع محابهم، ولم يتقبل منهم شيئًا، كما قال سبحانه في مآل المشركين يوم القيامة:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)} [الفرقان: 23].
يقول الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ في شرحه لكلام الإمام محمد بن عبد الوهاب: "قلت: مراده أن معنى التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله هو إفراد الله بأصل الحب الذي يستلزم إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، وعلى قدر التفاضل في هذا الأصل وما ينبني عليه من الأعمال الصالحة يكون تفاضل الإيمان، والجزاء عليه في الآخرة، فمن أشرك بالله تعالى في ذلك فهو المشرك لهذه الآية"
(2)
.
والقاعدة ذكرت أنواع المحبة الدينية المتعلقة بالثواب والعقاب، والمدح والذم، وبقيمت المحبة الطبيعية، وهي محبة فطرية، وميل يلائم طبع الإنسان جَبَلَ الله خلقه عليه؛ لما فيه من المنافع العظيمة، والمقاصد
(1)
الجواب الكافي (ص 142).
(2)
تيسير العزيز الحميد (ص 112).
الشرعية، والحكم المرعية، ولكن قد يدخل ما هو محبوب لله في هذه المحبة فتكون محمودة، وقد يلابسها ما هو مبغوض لله فتكون مذمومة، كل ذلك بحسب نية صاحبها وقصده، وبحسب ما تؤول إليه هذه المودة والمحبة؛ فإن كانت نتائجها وما تؤدي إليه مما يحبه الله ويرضى عنه كانت محمودة، وأثيب عليها صاحبها، وإن أدت إلى محرم لا يرضاه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم كانت مذمومة، واستحق صاحبها العقاب، فإن لم تؤد إلى هذا ولا ذاك، كانت في حيّز المباح، وتحت حكم الجواز، فلم يتعلق بها مدح ولا ذم، ولا ثواب ولا عقاب، وبعض أهل العلم يعبّر عنها بالمحبة المشتركة؛ أي: يشترك فيها جميع الخلق، فجعلها في مقابل المحبة الخاصة بالله تبارك وتعالى، وهي على أنواع كما سيأتي بيانها.
يقول الإمام ابن تيمية: "والله تعالى خلق في النفوس حب الغذاء، وحب النساء، لما في ذلك من حفظ الأبدان، وبقاء الإنسان؛ فإنه لولا حب الغذاء لما أكل الناس ففسدت أبدانهم، ولولا حب النساء لما تزوجوا فانقطع النسل، والمقصود بوجود ذلك بقاء كل منهم ليعبدوا الله وحده، ويكون هو المحبوب المعبود لذاته الذي لا يستحق ذلك غيره"
(1)
.
ويقول الإمام ابن القيم: "وبقي قسم خامس ليس مما نحن فيه وهي: المحبة الطبيعية: وهي ميل الإنسان إلى ما يلائم طبعه؛ كمحبة العطشان للماء، والجائع للطعام، ومحبة النوم، والزوجة، والولد، فتلك لا تذم مالًا
(2)
، إن ألهت عن ذكر الله، وشغلته عن محبته كما قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [المنافقون: 9]، وقال تعالى:{رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37] "
(3)
.
(1)
مجموع الفتاوى (10/ 607).
(2)
صواب العبارة: (إلا إن ألهت).
(3)
الجواب الكافي (ص 134).