الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبعضهم ذكر تفريقًا بينهما
(1)
.
ويقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين في شرحه لقول -الإمام المجدد- الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "إلا من عرف الله وأسماءه وصفاته، وَمُوْجَبَ حِكْمَتِهِ وَحَمْدِهِ"
(2)
قال رحمه الله: "وقوله: (مُوْجَبَ) مُوْجَبَ بالفتح: هو المُسَبَّبُ الناتج عن السَّبَبِ؛ بمعنى المُقْتَضَى، وبالكسر: السَّبَبُ الذي يقتضي الشيءَ؛ بمعنى: المُقْتَضي"
(3)
.
*
المسألة الثانية * معنى القاعدة
تضمنت القاعدة بيان مقتضيات وآثار الفِطْرَة السليمة، التي فطر الله عليها العباد، ألا وهي حنيفيَّة الإسلام والتوحيد، والخضوع والمحبة للخالق العظيم سبحانه وتعالى، فكل ذلك من آثار ومُسَبَّبات وموجَبات هذه الفِطْرَة السليمة التي جبل الله تعالى عليها الخلق، ويشترط في إيجاب الفِطْرَة واقتضائها لهذه الحنيفية أن تكون سليمة كما خلقها الله تبارك وتعالى، على هيئتها وجبلتها الأولى يوم خلقت، فهذه هي الفِطْرَة التي توجب موجَباتِها، وتقتضي آثارها ومُسَبَّباتِهَا.
(1)
ووجه التفريق بينهما ذكره بعض الفقهاء؛ كقول ابن عابدين: "وهذا معنى قول بعض المحققين من الشافعية: إن المُوْجَبَ: عبارة عن الأثر المترتب على ذلك الشيء، وهو والمُقْتَضَى مختلفان، خلافًا لمن زعم اتحادهما؛ إذ المُقْتَضى لا ينفك، والمُوْجَبُ قد ينفك؛ فالأول: كانتقال الملك للمشتري بعد لزوم البيع، والثاني: كالرد بالعيب، والموجب أعم". [حاشية ابن عابدين (5/ 397)، وانظر: حاشية الجمل على شرح المنهج (5/ 53)].
(2)
كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب (ص 134).
(3)
القول المفيد على كتاب التوحيد لابن عثيمين (2/ 392)، وانظر للمزيد في استعمالاته أهل العلم (للمُوجَب)، و (المُقْتَضَى):[حاشية ابن عابدين (5/ 398)، ومواهب الجليل (3/ 194)].
وهذه الآثار والمقتضيات للفطرة لازمة لها لا تنفك عنها ما دامت سليمة على خلقتها الأولى؛ فإن موجَبَ الشيءِ لا يتخلف عنه البتة.
يقول الإمام ابن تيمية: "ولكنَّ فطرته مُقْتَضِيَة، مُوْجِبَة لدين الإسلام، لمعرفته ومحبته، فنفس الفطرة تستلزم الإقرار بخالقه، ومحبته، وإخلاص الدين له، ومُوجَبَات الفِطْرَة وَمُقْتَضَاهَا تحل شيئًا بعد شيء، بحسب كمال الفطرة إذا سلمت عن المعارض"
(1)
.
وهذه الفطرة مشتملة على قوة علمية وعملية تقتضي وجود وحصول موجَباتها ومقتضياتها كما سبق بيان ذلك، وهذه القوة هي جزء ماهيتها، بحيث تخلق معها، وتوجد بوجودها.
وقد بين الإمام ابن تيمية مدى ارتباط الفطرة السليمة بموجَباتها ومقتضياتها من الإسلام والإخلاص، فقال: "فعلم أن في فطرة الإنسان قوة تقتضي اعتقاد الحق، وإرادة النافع، وحينئذٍ فالإقرار بوجود الصانع ومعرفته والإيمان به هو الحق، أو نقيضه، والثاني معلوم الفساد قطعًا، فتعين الأول، وحينئذٍ فيجب أن يكون في الفطرة ما يقتضي معرفة الصانع، والإيمان به، وأيضًا فإنه مع الإقرار به إما أن تكون محبته أنفع للعبد، أو عدم محبته، والثاني معلوم الفساد، وإذا كان الأول أنفع له كان في فطرته محبة ما ينفعه.
وأيضًا فإنه إما أن تكون عبادته وحده لا شريك له أكمل للناس؛ علمًا وقصدًا، أو الإشراك به، والثاني معلوم الفساد، فوجب أن يكون في فطرته مقتض يقتضي توحيده.
وأيضًا فإما أن يكون دين الإسلام مع غيره من الأديان متماثلين، أو الإسلام مرجوحًا، أو راجحًا، والأول والثاني باطلان باتفاق المسلمين، وبأدلة كثيرة، فوجب أن يكون في الفطرة مقتض يقتضي خير
(1)
درء التعارض (8/ 383).
الأمرين لها، وامتنع أن تكون نسبة الإسلام وسائر الملل إلى الفطرة واحدة؛ سواء كانت نسبة قدرة أو نسبة قبول.
وإذا لزم أن يكون في الفطرة مرجح للحنيفية التي أصلها معرفة الصانع، ومحبته، وإخلاص الدين له؛ فإما أن يكون مع ذلك لا يوجد مقتضاها إلا بسبب منفصل؛ مثل من يعلمه ويدعوه، أو يمكن وجود ذلك بدون هذا السبب المنفصل، فإن كان الأول لزم أن يكون موجَبها متوفقًا على مخاطب منفصل دائمًا فلا يحصل بدونه البتة، ثم القول في حصول موجَبها لذلك المخاطب المنفصل كالقول في الأول، وحينئذٍ فيلزم التسلسل في المخاطبين، ووجود مخاطبين لا يتناهون، وهم أيضًا مخاطبون، وهذا تسلسل في الفاعلين وهو ممتنع.
وإن كان في المخاطبين من حصل له بموجب الفطرة بلا مخاطب منفصل دل على إمكان ذلك في الفطرة، فبطل هذا التقدير وهو كون موجب الفطرة لا يحصل قط إلا لمخاطب منفصل، وإذا أمكن حصول موجب الفطرة بدون مخاطب منفصل علم أن في الفطرة قوة تقتضي ذلك، وأن ذلك ليس موقوفًا على مخاطب منفصل، لكن قد يكون لذلك المقتضي معارض مانع، وهذا هو الفطرة.
وهذا الدليل يقتضي أنه لا بد في الفطر ما يكون مستغنيًا عن مخاطب منفصل في حصول موجَب الفطرة، لكن لا يقتضي أن كل واحد كذلك، لكن إذا عرف أن ما جاز على أحد الإنسانين يجوز على الآخر لتماثلهما في النوع أمكن ذلك في حق كل شخص وهو المطلوب"
(1)
.
ويقول أيضًا: "وإذا كان كذلك؛ علم أن في النفوس قوة تقتضي العلم والإرادة؛ يبين ذلك أن ذلك المرجح إذا حصل من خارج فمعلوم
(1)
درء التعارض (8/ 458 - 460)، وقرر مثله ابن القيم. انظر: شفاء العليل (ص 330 - 302).