الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
قاعدة الكفر بالطاغوت ركن التوحيد
ويشتمل على ما يأتي من مسائل:
*
المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة
معنى الطاغوت:
الطاغوت مشتق من أصل لغوي ثلاثي هو (طَغَى يَطْغَى أو يَطْغُو)
(1)
على وزن (فَعَلُوتٌ)، وليس (فَاعُوْل)، يدل على ذلك الاشتقاق، وأن (طوغ وطيغ) مهملان في العربية، وأصله (طَغَيُوت أو طَغَوُوت)، من الياء أو الواو؛ لأن (طغى يطغى ويطغو) كلاهما ثابتان في العربية، ثم وقع فيه قلب مكاني بتقديم لام الكلمة على عينها، فصار (طَيَغُوت أو طَوَغوت) على وزن (فَلَعُوت)، والقصد من هذا القلب تأتّي إبدال الواو ألفًا
(1)
قال السيوطي فى المزهر: "ذِكْرُ الأفعال التي جاءت لاماتها بالواو وبالياء: عقد لها ابن السكيت بابًا في إصلاح المنطق، وابن قتيبة بابًا في أدب الكاتب، وقد نظمها ابن مالك في أبيات فقال من الكامل
…
" ثم ذكرها السيوطي كاملة وهي تسعة عشر بيتًا ومنها قوله:
وَطغَوْت في معنى طَغَيْتُ ومن قَنَى
…
شفيًا يقول قنَوْتُه وقنَيْتُهُ
انظر: المزهر في علوم اللغة والأدب (2/ 241).
بتحرّكها وانفتاح ما قبلها، والعرب قد يقلبون حروف الكلمة ليتأتّى الإبدال، كما قلبوا (أرْءَام) جمع ريم إلى (آرام) ليتأتى إبدال الهمزة الثانية الساكنة ألفًا بعد الأولى المفتوحة، وقد ينزلون هذا الاسم منزلة المفرد فيجمعونه جمع تكسير على (طواغيت) ووزنه (فَعَالِيل)
(1)
.
و (طَغَى) سواء كان اعتلاله بالواو أو الياء فهو أصل واحد يدل على معنى واحد، وهو مجاوزة الحد في العصيان، وكل مجاوز حدَّه في العصيان فهو طاغ، والطَغْوَى مثل الطُغْيَان، وكذا الطُغْوَانُ
(2)
.
وفي معنى الطاغوت أقوال كثيرة لأهل العلم، فقيل: هو الشيطان، وهو قول عمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهم ومجاهد وقتادة والشعبي، وقيل: هو الكاهن، قاله سعيد بن جبير، وقيل: الساحر، قاله أبو العالية، وقيل: الأصنام، وقيل: مردة الجن والإنس وكل ما يطغى
(3)
.
وهذا تفسير له ببعض أفراده، وإلا فالطاغوت يطلق على كل من طغى وتجاوز حده بعبادة أو طاعة، كما سيأتي بيانه في أقوال أهل العلم
(4)
.
قال الإمام مالك بن أنس: "الطاغوت: كل ما عبد من دون اللّه؛
(1)
انظر تصريف الكلمة في: مقاييس اللغة (3/ 412)، والمحتسب لابن جني (1/ 131)، والمحكم والمحيط الأعظم لابن سيده (6/ 8)، وتفسير الطبري (3/ 19)، والتفسير الكبير للرازي (7/ 14)، وتفسير البحر المحيط لأبي حيان (2/ 281)، وكشف المشكل لابن الجوزي (1/ 490)، ومشكل إعراب القرآن لأبي طالب القيسي (1/ 137)، والصحاح للجوهوي (6/ 2412 - 2413)، ولسان العرب (8/ 169)، وروح المعاني (23/ 252)، والتحرير والتنوير لابن عاشور (5/ 86)، ومعجم تصريف الأفعال العربية (ص 497).
(2)
انظر: تهذيب اللغة (8/ 167)، الصحاح (6/ 2412 - 2413)، لسان العرب (8/ 169 - 171).
(3)
انظر: تفسير الطبري (3/ 18 - 19)، والتفسير الكبير (7/ 15)، وتفسير الثعلبي (2/ 237).
(4)
انظر: الأمثال القرآنية القياسية، للدكتور عبد الله الجربوع (1/ 215).
من صنم، أو كاهن، أو ساحر، أو كيفما تصرف الشرك فيه"
(1)
.
ويقول الإمام الطبري: "والصواب من القول عندي في الطاغوت: أنه كل ذي طغيان على الله، فَعُبِدَ من دونه، إما بقهر منه لمن عبده، وإما بطاعة ممن عبده له، إنسانًا كان ذلك المعبود، أو شيطانًا، أو وثنًا، أو صنمًا، أو كائنًا ما كان من شيء"
(2)
.
ويقرِّر الرازي عموم معنى الطاغوت وأن ما ذكر عن السلف من معانٍ إنما هي أسباب حصل بسببها الطغيان، وليس بمنحصر فيها، فقد يوجد الطغيان بصور أخرى غيرها
(3)
، وحصر ابن عطية: معنى الطاغوت فيمن عُبِدَ وأطيع من دون الله تعالى
(4)
.
وحقق الألولسي عمومه في سائر ما يطغى، وأن ما ذكر عن السلف هو من باب التمثيل فقط
(5)
.
ويقول الإمام ابن القيم: "والطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده؛ من معبود، أو متبوع، أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله، فهذه طواغيت العالم، إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم من عبادة الله إلى عبادة الطاغوت، وعن التحاكم إلى الله وإلى الرسول إلى التحاكم إلى الطاغوت، وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته"
(6)
.
ويقول -الإمام المجدد- الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "والطاغوت عام؛ فكل ما عبد من دون الله، ورضي بالعبادة، من معبود،
(1)
أحكام القرآن لابن العربي (1/ 578).
(2)
تفسير الطبري (3/ 19).
(3)
التفسير الكبير (7/ 15).
(4)
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/ 66)، وانظر: تفسير السمعاني (1/ 260).
(5)
روح المعاني (3/ 13).
(6)
إعلام الموقعين (1/ 50).
أو متبوع، أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله فهو طاغوت"
(1)
.
يقول الشيخ سليمان بن عبد الله: "والطاغوت كل باطل ليس من الدين وكل ما طغى من شيطان جني أو أنسي"
(2)
.
وقال الشيخ سليمان بن سحمان
(3)
معقبًا على تعريف الإمام ابن القيم للطاغوت ومبينًا لأفراده: "وحاصله: أن الطاغوت ثلاثة أنواع: طاغوت حكم، وطاغوت عبادة، وطاغوت طاعة ومتابعة"
(4)
.
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي مبينًا عموم معنى الطاغوت: "وهو كل ما ينافي الإيمان بالله من الشرك وغيره"
(5)
.
ويقول الشيخ الأمين الشنقيطي: "واعلم أن كل ما عبد من دون الله فهو طاغوت، ولا تنفع عبادة الله إلا بشرط اجتناب عبادة ما سواه"
(6)
.
"والذي يستخلص من كلام السلف رضي الله عنهم، أن الطاغوت: كل ما صرَف العبد وصدّه عن عبادة الله، وإخلاص الدين والطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، سواء في ذلك الشيطان من الجن، والشيطان من الإنس، والأشجار، والأحجار، وغيرها"
(7)
.
فظهر مما سبق من أقوال أهل العلم أن لفظ الطاغوت اسم جنس
(1)
مجموعة رسائل في التوحيد والإيمان للإمام محمد بن عبد الوهاب (ص 377).
(2)
التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق وتذكرة أولي الألباب في طريقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (ص 93).
(3)
هو: العلامة سليمان بن مصلح بن حمدان الخثعمي، مولاهم التبالي العسيري أصلًا، والنجدي مولدًا ومستقرًا، ولد في عام 1266 هـ، كان رحمه الله سيفًا مسلطًا على أعداء التوحيد والدعوة السلفية، وصاحب حجة قوية، من أشهر مصنفاته الضياء الشارق وإرشاد الطالب، توفي عام 1349 هـ. [انظر: علماء نجد (1/ 279)].
(4)
الدرر السنية في الأجوبة النجدية (10/ 503).
(5)
تفسير السعدي (ص 111).
(6)
أضواء البيان (2/ 374).
(7)
انظر: هامش كتاب "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، تحقيق: الشيخ محمد حامد الفقي، طبعة دار الفكر 1399 هـ.
عام يشمل كل ما تجاوز به المخلوق حدَّه، فادعى لنفسه أو لغيره شيئًا من خصائص الربوبية أو الألوهية، مما تفرد الله تبارك وتعالى به، أو نُسِبَ إليه شيء من هذه الخصائص فرضي بها ولم ينكرها، ويدخل فيه كل ما عبد من دون الله تعالى، ومن يتسبب في ضلال الناس وصدهم من الشياطين وبني آدم فيفسد عليهم فطرهم التي خلقهم الله عليها
(1)
.
ويمكن إرجاع جميع الأقوال السابقة عن أهل العلم في معنى الطاغوت إلى قول عمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهم ومن قال بقولهم بأن الطاغوت هو الشيطان، وذلك لأن الشيطان هو الداعي في الأصل إلى عبادة ما عبد من دونه، وكل من وقع وذلك لأن الشيطان هو الداعي في الأصل إلى عبادة ما عبد من دونه، وكل من وقع في الكفر بالله العظيم فبسبب دعوته وتسويله وتزيينه، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا
(1)
انظر: التسهيل لعلوم التنزيل للكلبي (1/ 90)، والأمثال القرآنية القياسية (1/ 216)، ويستثنى من معنى الطواغيت الذين عبدوا من دون الله الأنبياء والملائكة وعباده الصالحون من أهل الإيمان والتوحيد، قال تعالى في تبرؤ الملائكة ممن عبِدوهم:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41)} [سبأ: 40، 41]، وقال سبحانه في شأن عيسى عليه السلام:{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116)} [المائدة: 116]، ولذا عندما المشركون قوله تعالى:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)} ضربوا مثلًا بعيسى عليه السلام وأنه عُبِدَ من دون الله تعالى مع انه نبي من أهل الجنة، وذلك احتجاجًا منهم على عبادة آلهتهم الباطلة من دون الله ردَّ الله عليهم، وأبطل احتجاجهم باستثناء عباده الصالحين الذين عُبدوا من دونه من الدخول في جهنم؛ وذلك لأن عبادتهم لم تكن بطلب أو برضا منهم، بل نُسب إليهم ذلك زورًا وبهتانًا، وهم من أشد الخلق كرهًا وبغضًا وتسخطًا على عبادة غيره سبحانه، وسيتبرّؤون منهم يوم القيامة قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102)} [الأنبياء: 101، 102]. [انظر: الأمثال القرآنية القياسية للدكتور عبد الله الجربوع (1/ 216 - 218)].