الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
قاعدة أنواع التوحيد وأضدادها متلازمة لا ينفك أحدها عن الآخر
وفيه مسائل:
*
المسألة الأولى * شرح معاني مفردات القاعدة
بيان معنى التلازم في القاعدة:
التلازم في اللغة مشتق من الفعل الثلاثي (لَزِمَ)، وهو أصل واحد صحيح يدل على مصاحبة الشيء للشيء دائمًا، والفِعل لَزِم يَلزم، والفاعل لازم، والمفعولُ به ملزوم، ولزم الشيء لزومًا، ثبت ودام، ولَزِمَ كذا من كذا: نشأ عنه وحصل منه، ولازمه ملازمة ولزامًا: داوم عليه، واستلزم الشيء عده لازمًا واقتضاه، واللَّازِمُ ما يَمْتَنِعُ انفِكَاكُهُ عن الشَّيء، والجَمْعُ لَوَازِمُ وهو مَلْزُومٌ بِهِ
(1)
.
ومعنى اللزوم للشيء: عدم مفارقته، يقال: لزم فلان بيته إذا لم يفارقه، ولم يوجد في غيره، ومنه قولهم:(الباء) لازمة للحرفية والجر،
(1)
تهذيب اللغة (13/ 150)، ومعجم مقاييس اللغة (5/ 245)، تاج العروس (33/ 420)، المعجم الوسيط (2/ 823).
و (قد) من لوازم الأفعال، وإطلاق الملازمة والتلازم أيضًا على معنى اللزوم كثير، وقد يراد بلازم الشيء ما يتبعه ويرادفه، وبلزومه إياه أن يكون له تعلق ما، والملزوم أصل ومتبوع من حيث إن منه الانتقال، واللازم فرع وتبع، من جهة أن إليه الانتقال
(1)
.
فالتلازم إذن لغة: امتناع انفكاك الشيء عن الشيء، ويأتي اللزوم والتلازم بمعنى الملازمة
(2)
.
أما معنى التلازم واللزوم في اصطلاح العلماء؛ فإنه أحد الدلالات اللفظية التي تدل على المعنى، فإنَّه ليس خافيًا أن دلالة الألفاظ على المعنى تنحصر في ثلاث دلالات؛ المطابقة، والتضمن، واللزوم؛ فالمطابقة: كدلالة لفظ البيت على معنى البيت، والتضمن: كدلالته على السقف، ودلالة لفظ الإنسان على الجسم، واللزوم: كدلالة لفظ السقف على الحائط إذ ليس هو جزءًا من السقف، ولكنه لا ينفك عنه، فهو كالرفيق الملازم
(3)
.
يقول الجرجاني: "واصطلاحًا كون الحكم مقتضيًا للآخر، على معنى أن الحكم بحيث لو وقع يقتضي وقوع حكم آخر اقتضاء ضروريًا؛ كالدخان للنار في النهار، والنار للدخان في الليل"
(4)
.
والتلازم إما أن يكون تلازمًا من الطرفين، أو يكون تلازمًا من طرف واحد، فالأول يسمى تلازم تساو، والثاني تلازمًا مطلقًا، وقد بيَّن الإمام الشوكاني هذين النوعين بقوله: "التلازم: وهو أربعة أقسام؛ لأن التلازم إنما يكون بين حكمين، وكل واحد منهما إما مثبت أو منفي،
(1)
انظر: الكليات للكفوي (ص 122)، و (ص 795 - 796)، والتوضيح في حل غوامض التنقيح (1/ 141).
(2)
انظر: التعريفات للجرجاني (ص 293).
(3)
انظر: روضة الناظر لابن قدامة (ص 14).
(4)
تعريفات الجرجاني (ص 293 - 294).
وحاصله: إذا كان تلازم تساو فثبوت كل يستلزم ثبوت الآخر، ونفيه نفيه، وإن كان مطلق اللزوم فثبوت الملزوم يستلزم ثبوت اللازم من غير عكس، ونفي اللازم يستلزم نفي الملزوم من غير عكس"
(1)
.
وتلازم التساوي هو التلازم من الطرفين بحيث أنه إذا ثبت أحدهما ثبت الآخر، وإذا انتفى أحدهما انتفى الآخر، أما مطلق التلازم فإن ثبوت الملزوم يستلزم ثبوت اللازم، لكن ثبوت اللازم لا يستلزم ثبوت الملزوم، كما أن نفي اللازم يستلزم نفي الملزوم، ونفي الملزوم لا يستلزم نفي اللازم.
يبيّن الإمام ابن تيمية هذه العلاقة بين اللازم والملزوم في حالتي التلازم من الطرفين أو من طرف واحد فيقول رحمه الله: "ومعلوم أنه إذا كان اللزوم من أحد الطرفين لزم من وجود الملزوم وجود اللازم، ومن نفي اللازم نفي الملزوم، فكيف إذا كان التلازم من الجانبين، فإن هذا التلازم يستلزم أربع نتائج؛ فيلزم من ثبوت هذا اللازم ثبوت هذا، ومن نفيه نفيه، ومن ثبوت الملزوم الآخر ثبوت ذلك ومن نفيه نفيه"
(2)
.
ويقرر الإمام ابن القيم ما قرره شيخه فيقول: "الشرع والعقل متلازمان، ويمتنع تعارض المتلازمين، إن العقل ملزوم لعلمنا بالشرع ولازم له، ومعلوم أنه إذا كان اللزوم من أحد الطرفين لزم من وجود الملزوم وجود اللازم، ومن نفي اللازم نفي الملزوم، فكيف إذا كان التلازم من الجانبين، فإن هذا التلازم يستلزم أربع نتائج، إذ يلزم من ثبوت هذا الملزوم ثبوت لازمه، ومن ثبوت لازمه المساوي ثبوته، ومن نفي اللازم نفي ملزومه، ومن نفي ملزومه المساوي نفيه، وهذا شأن كل شيئين بينهما تلازم من الطرفين"
(3)
.
(1)
إرشاد الفحول (ص 395).
(2)
درء التعارض (5/ 268 - 269).
(3)
الصواعق المرسلة (3/ 1091).