المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المسألة الثانية*بيان معنى القاعدة - القواعد في توحيد العبادة - جـ ١

[محمد بن عبد الله باجسير]

فهرس الكتاب

- ‌المُقَدِّمَة

- ‌أهمية الموضوع:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في هذا البحث

- ‌مشاكل البحث وصعوباته:

- ‌شكر وتقدير:

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول القاعدة لغة واصطلاحًا

- ‌المطلب الأول: القاعدة لغة

- ‌ المطلب الثاني * القاعدة اصطلاحًا

- ‌ المطلب الثالث * بيان العلاقة بين القاعدة والضابط والأصل

- ‌المبحث الثاني أهمية القواعد وأثرها في العلوم

- ‌المبحث الثالث التقعيد ومنهج العلماء فيه

- ‌المبحث الرابع توحيد العبادة ومنزلته الشرعية

- ‌المطلب الأول: معناه وحقيقته

- ‌ المطلب الثاني * أهميته ومنزلته من الدين

- ‌ المطلب الثالث* أدلته

- ‌ المطلب الرابع* أسماؤه وإطلاقاته

- ‌أ - توحيد الطلب والقصد:

- ‌ب - توحيد الارادة والطلب:

- ‌ج - توحيد الشرع والقدر:

- ‌د - التوحيد العملي الإرادي، أو العملي القصدي:

- ‌هـ - توحيد الإلهية أو الألوهية أو العبادة:

- ‌الباب الأول القواعد المتعلقة بتوحيد العبادة

- ‌الفصل الأول القواعد العامة في توحيد العبادة

- ‌المبحث الأول قاعدة دين الأنبياء واحد هو الإسلام

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الشرع مبناه على تكميل أديان الخلق وعلى تكميل عقولهم

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌أولًا: الشرع:

- ‌ثانيًا: العقل:

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال العلماء في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدةالدين قد كَمُلَ بيانه في أصوله وفروعه باطنه وظاهره علمه وعمله

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة العبادة هي الغاية التي خلق الله لها الخلق من جهة أمره ومحبته ورضاه

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الخامسقاعدة ليس في الشريعة بقعة تقصد للعبادة لذاتها إلا المساجد ومشاعر الحج

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السادسقاعدة النزاع بين الرسل وأقوامهم إنما كان في إفراد الله بالعبادة وترك عبادة ما سواه

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السابعقاعدة البركة لله وصفًا وملكًا وفعلًا وكل بركة في الكون فمن آثار بركته سبحانه

- ‌ المسألة الأولى * شرح بعض ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في اعتماد القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة [*]: فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثامنقاعدة التوجه إلى شيء أو إلى جهة بقصد القربة وحصول الثواب عبادة

- ‌ توطئة

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى التوجه لغة وشرعًا:

- ‌تمهيد في أحوال التوجه والاستقبال:

- ‌ المسألة الثانية* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال العلماء في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثانيالقواعد المتعلقةبحقيقة العبادة وضابطها

- ‌المبحث الأولقاعدة العبادة لا تسمى عيادة في حكم الشرع إلا مع التوحيد

- ‌ المسألة الأولى* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة مناط العبادة غاية الحب مع غاية الذل ولا تنفع عبادة بواحد دون الآخر

- ‌ المسألة الأولى* شرح معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى العبادة:

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة صلاح الأعمال بصلاح النيات وكل عمل تابع لنية عامله وقصده

- ‌ المسألة الأولى * شرح معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى النية لغة وشرعًا:

- ‌ المسألة الثانية*بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال العلماء في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثالثالقواعد المتعلقة بأنواع التوحيد

- ‌المبحث الأولقاعدة أنواع التوحيد وأضدادها متلازمة لا ينفك أحدها عن الآخر

- ‌ المسألة الأولى * شرح معاني مفردات القاعدة

- ‌بيان معنى التلازم في القاعدة:

- ‌ المسألة الثانية* بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة توحيد الربوبية لا يصير الإنسان به مسلمًا حتى يأتي بأنواع التوحيد الأخرى

- ‌ المسألة الأولى* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة توحيد الربوبية أقرت به الخلائق مؤمنها وكافرها ولم ينكره إلا الشذاذ من العالم

- ‌ المسألة الأولى* بيان بعض ألفاظ القاعدة

- ‌معنى توحيد الربوبية:

- ‌ المسألة الثانية* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال العلماء في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة الربوبية والألوهية مفهومان متغايران فإذا اقترنا افترقا وإذا افترقا اقترنا

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌بيان معنى الرب والاله في القاعدة:

- ‌أما الألوهية:

- ‌ المسألة الثانية* بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الرابعالقواعد المتعلقة بأصل التوحيد

- ‌المبحث الأولقاعدةأصل الإيمان وقاعدته التي عليها مدار أعمال العباد هو تحقيق معنى الشهادتين قولًا وعملًا وعقيدة

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌القسم الرابع:

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة شهادة أن لا إله إلا الله مشتملة على النفي والإثبات

- ‌ المسألة الأولى * شرح مفردات القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الكفر بالطاغوت ركن التوحيد

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الطاغوت:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة محبة الله هي أصل الدين والمحبة فيه أو له تبع لمحبته والمحبة معه تضاده وتناقضه

- ‌ المسألة الأولى * شرح معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى المحبة:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الخامسقاعدة الحنيفية من موجبات الفطرة ومقتضياتها

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌أولًا: معنى الحنيفية:

- ‌ثانيًا: معنى الفطرة:

- ‌ثالثًا: معنى المُوْجَبِ والمُقْتَضى:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

الفصل: ‌ المسألة الثانية*بيان معنى القاعدة

ويقول أيضًا في بيان الارتباط بين قصد المعبود، وقصد التعبد: "فكما أنه يجب في العبادات إفراد المعبود تعالى بها لا سواه، فكذلك يجب فيها تمييز العبادة عن العادة، ولا يقع التمييز بين النوعين -اتحاد صورة العملين- إلا بالنية، فعمل لا يصحبه إرادة المعبود غير مقبول، ولا يعتد به، وكذلك عمل لا تصحبه إرادة التعبد له، والتقرب إليه غير مقبول، ولا [معتد]

(1)

به، بل نية التقرب والتعبد جزء من نية الإخلاص، ولا قوام لنية الإخلاص للمعبود إلا بنية التعبد، فإذا كان نية الإخلاص شرطًا في صحة أداء العبادة فاشتراط نية التعبد أولى وأحرى"

(2)

.

ويقول رحمه الله: "فالمتفق على وجوبه؛ كالإخلاص، والتوكل، والمحبة، والصبر، والإنابة، والخوف، والرجاء، والتصديق الجازم، والنية في العبادة، وهذه قدر زائد على الإخلاص؛ فإن الإخلاص هو إفراد المعبود عن غيره.

ونية العبادة لها مرتبتان:

إحداهما: تمييز العبادة عن العادة.

والثانية: تمييز مراتب العبادات بعضها عن بعض. والأقسام الثلاثة واجبة"

(3)

.

*‌

‌ المسألة الثانية*

بيان معنى القاعدة

من المعلوم أنه ما من حركة متحرك في هذا الكون إلا بإرادة ومحبة، والنية أصلها الإرادة، فهي إرادة مخصوصة بإمالة الفعل إلى إحدى جهاته، فكل متحرك لا بد له من إرادة، فإذا تحرك بالإرادة كانت

(1)

في الأصل (معتقد).

(2)

المصدر السابق (3/ 711).

(3)

مدارج السالكين (1/ 110).

ص: 389

النية لازمة لذلك، فلا يخلو متحرك من نية يتحرك بها، وعليه فتكون جميع الأعمال الصادرة من الحي المتحرك صادرة عن نية وإرادة كانت سببًا في تحركه، ولولا هذه الإرادة وتلك النية لما تحرك حي.

فجميع الأعمال الصادرة من الحي المتحرك سواء كانت صالحة، أم فاسدة لا توجد بدون النية، فالنية هي شرط حصولها، سواء كانت نية شرعية، أم نية مباحة.

ثم لا بد لهذه الإرادة والنية أن تكون متوجهة ومائلة إلى المعبود الحق، المقصود لذاته دون ما سواه، وهو الرب تبارك وتعالى، فذلك شرطها لتكون نافعة لصاحبها، مصلحة لأحواله وشؤونه، فإن مالت إلى غيره فلا أضر على العبد من ذلك.

يقول الإمام ابن تيمية في بيان ذلك: "فالإنسان متحرك بالإرادة، وكل مريد لا بد له من مراد، والذي يجب أن يكون هو المراد المقصود بالحركات هو الله، فصلاح النفوس وسعادتها وكمالها في ذلك،

وكل إرادة لا يكون الله هو المراد المقصود بالقصد الأول بها، كانت ضارة لصاحبها، مفسدة له غير نافعة، ولا مصلحة له، وليس ما يستحق أن يكون هو المحبوب لذاته، المراد لذاته، المطلوب لذاته، المعبود لذاته: إلا الله، كما أنه ليس ما هو بنفسه مبدع، خالق إلا الله، فكما أنه لا رب غيره، فلا إله إلا هو"

(1)

.

ويقول رحمه الله: "ولهذا كان من أجمع الكلام وأبلغه قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"، وهذا يعم كل عمل، وكل نية.

فكل عمل في العالم هو بحسب نية صاحبه، وليس للعامل إلا ما نواه، وقصده، وأحبه، وأراده بعمله، ليس في ذلك تخصيص، ولا

(1)

درء التعارض (9/ 374).

ص: 390

تقييد، كما يظنه طوائف من الناس، حيث يحسبون أن النية المراد به

(1)

النية الشرعية المأمور بها، فيحتاجون أن يحصروا الأعمال بالأعمال الشرعية، فإن النية موجودة لكل متحرك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:"أصدق الأسماء الحارث وهمام"

(2)

، فالحارث: هو العامل الكاسب، والهمام: هو القاصد المريد، وكل إنسان متحرك بإرادته حارث همام"

(3)

.

ويقول الإمام ابن حزم: "ولا بد لكل عمل من نية، وكل شيء يتصرف فيه المرء، فلا يخلو من أحد وجهين: إما حركة، وإما إمساك عن حركة، وإنما يفرق بين الطاعة من هذين الوجهين، وبين المعصية منهما، وبين اللغو منهما النيات فقط، ولا فرق بين الطاعة والمعصية، واللغو في الحركات، والإمساك عن الحركات، إلا بالنيات فقط، وإلا فكل واحد فهو إما: واقع تحت جنس الحركة، وإما واقع تحت جنس الإمساك عن الحركة.

فوجب بالضرورة أن لا يتم عمل، ولا يصح أن يكون حركة، إو إمساك، متوجهين إلى الطاعة المأمور بها، خارجين عن المعصية، وعن اللغو إلا بنية، هذا أمر لا محيد عنه أصلًا، إلا لجاهل لا معرفة له بحقائق الأمور"

(4)

.

ويقول ابن الحاج: "فلا يكون عمل من الأعمال إلا عن إرادة،

(1)

كذا في المطبوع، ولعل الصواب [بها].

(2)

أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في تغيير الأسماء (4/ 287)، برقم (4950)، وأحمد في مسنده (4/ 345)، برقم (19054)، وأبو يعلى في مسنده (13/ 111)، برقم (7169)، والحديث حسنه الشيخ الألباني. [انظر: صحيح الترغيب والترهيب (2/ 431)، برقم (1977)، ولفظ أبي داود:(وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة)].

(3)

قاعدة في المحبة (ص 15).

(4)

الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم (5/ 134).

ص: 391

ولا تكون الإرادة إلا عن نية، وقد نهى الله تبارك وتعالى عن إضاعة شيء من ذلك، وأي عمل أكبر من الإرادة والنية، وقد وجدنا الإنسان لا يخلو من حركة أو سكون، والحركة والسكون جميعها عمل"

(1)

.

ويقول الإمام ابن تيمية: "ولما كان العمل لا بد فيه من شيئين: النية والحركة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أصدق الأسماء حارث وهمام" فكل أحد حارث وهمام له عمل ونية" لكن النية المحمودة التي يتقبلها الله ويثيب عليها: أن يراد الله بذلك العمل، والعمل المحمود: الصالح؛ وهو المأمور به، ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في دعائه:"اللَّهُمَّ اجعل عملي كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا"

(2)

"

(3)

.

والمقصود: أن جميع أعمال العبد وحركاته لا بد لها من غاية هي نهاية مقصوده وإلا لما تحرك، ولما كان فاعلًا، ولا تكون هذه الحركات نافعة إلا أن يكون مقصوده وغاية مطلبه هو الله تبارك وتعالى، بأن يكون هو معبوده، ومقصوده، ومحبوبه، وإلا كانت فاسدة غير نافعة، كما أن ما كان لغيره لا يدوم ولا يستمر، فالعبد مفتقر إلى ربه في وجوده، وكماله، فكما لا وجود له إلا بالله، فكذلك لا كمال له، ولا نفع لأعماله وحركاته إلا بأن تكون لله، فهو مفتقر إلى الله لذاته في الأسباب والغايات

(4)

.

(1)

المدخل، لابن الحاج (3/ 14).

(2)

أخرجه أحمد في الزهد (ص 118)، عن الحسن، وذكره الهندي في كنز العمال (2/ 286)، برقم (5041)، ورواه أبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (4/ 261)، وفيه زيادة، ولفظه:(اللَّهُمَّ اجعل عملي كله صالحًا، واجعله لك خالصًا، ولا تجعل لغيرك منه شيئًا، اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من ظلم خلقك إياي، وأسألك العافية من ظلمي إياهم).

(3)

مجموع الفتاوى (28/ 135)، وانظر:(10/ 63).

(4)

انظر: الفوائد لابن القيم (ص 184).

ص: 392

يقول الإمام ابن تيمية: "وكل الأعمال إن لم تكن لأجله؛ فيكون هو المعبود، المقصود، المحبوب، لذاته، وإلا كانت أعمالًا فاسدة؛ فإن الحركات تفتقر إلى العلة الغائية، كما افتقرت إلى العلة الفاعلية، بل العلة الغائية بها صار الفاعل فاعلًا ولولا ذلك لم يفعل.

فلولا أنه المعبود المحبوب لذاته لم يصلح قط شيء من الأعمال والحركات بل كان العالم يفسد وهذا معنى قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:22] ولم يقل لعدمتا وهذا معنى قول لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل"

(1)

.

فكل عمل لا يراد به وجهه فهو باطل لا منفعة فيه؛ فإن ما لا يكون بالله لا يكون؛ فإنه لا حول ولا قوة إلا به، وما لا يكون له لا ينفع ولا يدوم، كما قال تعالى:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)} [الفرقان: 23]، وإنما ذلك لكونه لم يكن لله فجعله الله هباء لا فائدة فيه، وكما قال سبحانه:{مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18)} [إبراهيم: 18]، فحكم الله عليهم بالضلال، وجعل أعمالهم كالرماد لا فائدة فيها؛ إذ كان مقصودًا بها غير الرب تبارك وتعالى

(2)

.

ويقول الإمام ابن القيم: "ولا صلاح له إلا أن تكون غاية حركته، ونهاية مطلبه، هو الله وحده، كما لا وجود له إلا أن يكون الله وحده هو ربه، وخالقه، فوجوده بالله وحده، وكماله أن يكون لله وحده، فما لا يكون به لا يكون، وما لا يكون له لا ينفع، ولا يدوم؛ ولهذا قال تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] ولم يقل: لعدمتا

(1)

مجموع الفتاوى (5/ 515).

(2)

درء التعارض (4/ 14 - 15) بتصرف.

ص: 393

إذ هو سبحانه قادر على أن يبقيهما على وجه الفساد، لكن لا يمكن أن تكونا صالحتين إلا بأن يكون فاطرهما، وخالقهما هو المعبود وحده لا شريك له"

(1)

.

والحاصل: أن من كان باعثه في جميع أعماله وحركاته صالحًا، متضمنًا لرضا الله تعالى، ومن أجله سبحانه، وفي ذاته عز وجل، استجابة لأمره، وانتهاء عن نهيه، وحبًا وتعظيمًا، وخوفًا، ورجاء، كان العمل صالحًا ومقبولًا ومثابًا عليه، والعبادة صحيحة، ومعتبرة، وصالحة، فالعمل يتبع النية في الصحة، والاعتبار والصلاح، والثواب عند الله تبارك وتعالى.

يوضح ذلك أن اتصاف الأعمال، والحكم عليها بالصحة أو الفساد، لا تخلو إما أن تكون في ذاتها صحيحة، أو فاسدة، فيحكم عليها بحسب ما قام بذاتها من الوصف، صحة وفسادًا، فإذا ثبتت صحتها في ذاتها، فينظر بعد ذلك إلى المرجح الآخر، وهو النية والقصد الباعث على فعله؛ فإن كان قصدًا شرعيًا، وصحيحًا محمودًا، كان العمل صالحًا، ومثابًا عليه، وإن كانت النية فاسدة، والقصد سيئًا، كان العمل بحسب ذلك، فظهر بذلك أن صلاح الأعمال وفسادها هو باعتبار ذواتها تارة، وباعتبار نياتها ومقاصدها تارة أخرى

(2)

.

وأعمال العباد من منظورها الشرعي لا تخرج عن وصفها بالأمر، أو التحريم، أو الإباحة، فالمأمورات داخلة في العبادة، سواء كان أمر إيجاب أو استحباب، فلا يخلص فاعلها من عهدة تكليفه بها، بأن تقع صحيحة، ومجزئة، ومثابًا عليها، إلا مع النية، وهذا شامل لجميع ما يدخل تحت مسماها؛ كطهارة الحدث، والصلاة، والزكاة، والصيام،

(1)

إغاثة اللهفان (2/ 136).

(2)

انظر: إغاثة اللهفان، لابن القيم (2/ 136).

ص: 394

والحج، والعمرة، والأضحية، والهدي، والعقيقة، والكفارة، والجهاد، والصدقات، وقضاء حوائج الناس، وعيادة المرضى، واتباع الجنائز، وابتداء السلام، ورده، وتشميت العاطس، وجوابه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإجابة الدعوى، وحضور مجلس العلم، والأذكار، وزيارة الإخوان، والقبور، والنفقة على الأهل، والضيفان، وإكرام أهل الفضل، وذوي الأرحام، ومذاكرة العلم، والمناظرة فيه، وتكريره، وتدريسه، وتعلمه، وتعليمه، ومطالعته، وكتابته، وتصنيفه، والفتوى، والقضاء، وإماطة الأذى عن الطريق، والنصيحة، والإعانة على البر والتقوى، وقبول الأمانات، وأداؤها.

وأما المحرمات فلا تفتقر إلى نية في اعتبار تركها، بل مجرد تركها يخرج العبد من عهدة التكليف بها، ولكنها تفتقر إلى النية في اعتبار الثواب وتحصيله.

فالذي يترك المحرم ابتغاء لوجه الله تعالى، وقصدًا لطاعته، ونيلًا لمرضاته، وتحصيلًا لثوابه، فهذا يثاب على هذه النية القلبية التي نواها.

يقول الإمام ابن القيم: "كل ترك لا يكون عبادة ولا يثاب عليه إلا بالنية"

(1)

.

والحاصل: أن ترك المحرمات لا يكون عبادة يثاب عليها إلا بما يقترن بها من أعمال قلبية كالبغض لها، وتركها من أجل الله سبحانه وتعالى، وتعظيمًا لجلال الله وشعائره.

وقد قرر هذا الأمر الإمام ابن القيم تقريرًا مبسوطًا رأيت ذكره هنا باختصار لما فيه من مزيد الفائدة، يقول رحمه الله: "وقد جعل صلى الله عليه وسلم البغض في الله من أوثق عرى الإيمان، وهو أصل الترك، وجعل المنع لله من كمال الإيمان، وهو أصل الترك، وجعل إنكار المنكر بالقلب من مراتب

(1)

إعلام الموقعين (2/ 51).

ص: 395

الإيمان، وهو بغضه وكراهته المستلزم لتركه، فلم يكن الترك من الإيمان إلا بهذه الكراهة، والبغض، والامتناع، والمنع لله، وكذلك براءة الخليل وقومه من المشركين ومعبودهم ليست تركًا محضًا، بل تركًا صادرًا عن بغض ومعاداة وكراهة، وهي أمور وجودية هي عبودية للقلب يترتب عليها خلو الجوارح من العمل، فلا يكفي أن يعبد الله، ويحبه، ويتوكل عليه، وينيب إليه، ويخافه، ويرجوه، حتى يترك عبادة غيره، والتوكل عليه، والإنابة إليه، وخوفه، ورجائه، ويبغض ذلك، وهذه كلها أمور وجودية، وهي الحسنات التي يثيب الله عليها، وأما مجرد ترك السيئات من غير أن يعرف أنها سيئة، ولا يكرهها بقلبه، ويكف نفسه عنها، بل يكون تركها لعدم خطورها بقلبه، فلا يثاب على هذا الترك.

فالترك ثلاثة أقسام:

قسم يثاب عليه.

وقسم يعاقب عليه.

وقسم لا يثاب ولا يعاقب عليه.

فالأول: ترك العالم بتحريمها، الكاف نفسه عنها لله مع قدرته عليها.

والثاني: كترك من يتركها لغير الله لا لله، فهذا يعاقب على تركه لغير الله كما يعاقب على فعله لغير الله؛ فإن ذلك الترك والامتناع فعل من أفعال القلب، فإذا عبد به غير الله استحق العقوبة.

والثالث: كترك من لم يخطر على قلبه علمًا ولا محبة ولا كراهة.

ثم قال رحمه الله بعد ذلك: فإن قيل: كيف يعاقب على ترك المعصية حياء من الخلق، وإبقاء على جاهه بينهم، وخوفًا منهم أن يتسلطوا عليه، والله سبحانه لم يذم على ذلك ولم يمنع منه؟

قيل: لا ريب أنه لا يعاقب على ذلك، وإنما يعاقب على تقربه إلى

ص: 396

الناس بالترك، ومرآتهم به، وأنه تركها خوفًا من الله، ومراقبة، وهو في الباطن بخلاف ذلك، فالفرق بين ترك يتقرب به إليهم ومرآتهم به، وترك يكون مصدره الحياء منهم، وخوف أذاهم له، وسقوطه من أعينهم، فهذا لا يعاقب عليه، بل قد يثاب عليه إذا كان له فيه غرض يحبه الله؛ من حفظ مقام الدعوة إلى الله، وقبولهم منه، ونحو ذلك، وقد تنازع الناس في الترك هل هو أمر وجودي أم عدمي والأكثرون على أنه وجودي"

(1)

.

ويقول أبو العباس القرطبي: "الترك للسيئة لا يكتب حسنة إلا إذا كان خوفًا من الله أو حياءً من الله"

(2)

.

والمباحات كذلك لا تفتقر إلى النية في الاعتبار الشرعي، ولكن ينبغي استحضار النية فيها لتحصيل الثواب، فينوي عند الأكل، والشرب، والنوم، بأن يقصد بهم التقوي على الطاعة، وعند الجماع بأن يقصد به المعاشرة بالمعروف، والعفة، وتحصيل ولد صالح ليعبد الله، وعند عمل حرفة كالزراعة، بأن يقصد بها إقامة فرض الكفاية، ونفع المسلمين

(3)

.

يقول الإمام الشاطبي: "وأما الأعمال العادية وإن لم تفتقر في الخروج عن عهدتها إلى نية، فلا تكون عبادات، ولا معتبرات في الثواب، إلا مع قصد الامتثال، وإلا كانت باطلة"

(4)

.

فظهر بهذا أن النية الشرعية المتعلقة بأعمال العبد تدخل فيها المأمورات، والمباحات، والمحرمات، بل جميع حركات العبد وسكناته يستحب أن تكون بنية حتى يتحقق له تحصيل الأجر والثواب.

يقول الإمام ابن تيمية: "لأن النية مشروعة في جميع الواجبات

(1)

شفاء العليل (ص 169 - 170).

(2)

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (1/ 342).

(3)

انظر: غاية البيان، لمحمد بن أحمد الرملي (ص 7) بتصرف.

(4)

الموافقات (2/ 329).

ص: 397