الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالبينات والهدى، بَيَّنَ الأحكام الخبرية والطلبية، وأدلتها الدالة عليها، بَيَّنَ المسائل والوسائل، بَيَّنَ الدين ما يقال وما يعمل، وبيَّن أصوله التي يعلم أنه دين حق"
(1)
.
ويقول الإمام ابن القيم في وصفه صلى الله عليه وسلم: "ولم يدع بابًا من العلم النافع للعباد، المقرب لهم إلى ربهم إلا فتحه، ولا مشكلًا إلا بيَّنه وشرحه، حتَّى هدى اللَّه به القلوب من ضلالها، وشفاها به من أسقامها، وأغاثها به من جهلها، فأي بشر أحق بأن يحمد منه صلى الله عليه وسلم، وجزاه عن أمته أفضل الجزاء"
(2)
.
ويقول الشيخ السعدي: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89]؛ في أصول الدين وفروعه، وفي أحكام الدارين، وكل ما يحتاج إليه العباد فهو مبين فيه أتم تبيين، بألفاظ واضحة، ومعانٍ جلية، حتَّى إنه تعالى يثني فيه الأمور الكبار التي يحتاج القلب لمرورها عليه كل وقت، وإعادتها في كل ساعة، ويعيدها ويبديها بألفاظ مختلفة، وأدلة متنوعة لتستقر في القلوب، فتثمر من الخير والبر بحسب ثبوتها في القلب، وحتى إنه تعالى يجمع في اللفظ القليل الواضح معاني كثيرة، يكون اللفظ لها كالقاعدة والأساس"
(3)
.
*
المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها
لهذه القاعدة فوائد عظيمة يمكن الاستفادة منها وتطبيقها في مناحٍ شتى، ومن ذلك: -
(1)
النبوات (1/ 165)، وانظر: درء التعارض (7/ 296)، بيان تلبيس الجهمية (1/ 255).
(2)
جلاء الأفهام (ص 181).
(3)
تفسير السعدي (ص 447).
أولًا: كمال بيان هذا الدين ووضوحه، وأنه صلى الله عليه وسلم قد بلَّغ البلاغ المبين، وأوضح جميع ما أنزل إليه من ربه، ولم يكتم منه حرفًا واحدًا، وهو دين الإسلام بلغه بلا نقص ولا تقصير، فلم يبق فيه إشكال فيحتاج إلى حلّ ولا إجمال فيفتقر إلى تفصيل، قال تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38]
(1)
.
فالأمة ليست في حاجة إلى أحد بعده صلى الله عليه وسلم يأتي ليتصرف في شيء من دينه، بزياده أو نقص، وإنما هي في أمس الحاجة، وألح الضرورة إلى من يعرفها حقيقة دينها الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم
(2)
.
يقول الحافظ ابن عساكر
(3)
: "فإن اللَّه سبحانه وتعالى بعث نبينا محمدًا - صلوات اللَّه عليه وسلامه - فأيده بالآيات الباهرة، والمعجزات القاهرة، حتَّى أوضح الشريعة وبيَّنها، وعلمهم مواقيتها وعينها، فلم يترك لهم أصلًا من الأصول إلا بناه وشيَّده، ولا حكمًا من الأحكام إلا أوضحه ومهَّده"
(4)
.
ويقول الشيخ حافظ الحكمي: "أن هذا الذي بلغه الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى هو جميع دين الإسلام؛ مكملًا محكمًا، لم يبق فيه نقص بوجه
(1)
انظر: معارج القبول (3/ 1110)، بتصرف.
(2)
انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (1/ 362).
(3)
هو: أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة اللَّه الدمشقي محدث الشام ثقة الدين، قال الذهبي:(أحد الأعلام في الحديث)، فخر الشافعية وإمام أهل الحديث في زمانه، ولد في مستهل سنة تسع وتسعين وأربعمائة، رحل إلى بلاد كثيرة، وسمع الكثير من نحو ألف وثلاثمائة شيخ، وكان كثير العلم، غزير الفضل، حافظ ثقة متقن دين، خير، حسن السمت، جمع بين معرفة المتون والأسانيد، توفي في رجب عام إحدى وسبعين وخمسمائة، من مؤلفاته: التاريخ الكبير في ثمانين مجلدًا، وفضل أصحاب الحديث، وتبيين كذب المفتري على الشيخ أبي الحسن الأشعري. [انظر: تاريخ الإسلام (40/ 70)، وشذرات الذهب (4/ 239)].
(4)
تبيين كذب المفتري (ص 354).
من الوجوه فيحتاج إلى تكميل، ولم يبق فيه إشكال فيحتاج إلى حل، ولا إجمال فيفتقر إلى تفصيل، قال اللَّه تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} ، فكما أن الإمام المبين قد أحصى كل ما هو كائن كما علمه اللَّه عز وجل، فكذلك هذا القرآن واف، شاف، كاف، محيط بجميع أصول الشريعة وفروعها، وأقوالها وأعمالها، وسرها وعلانيتها، فمن لم يكفه فلا كفي، ومن لم يشفه فلا شفي، {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)} [العنكبوت: 51]، {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)} [الأعراف: 185].
وكما وفَّى بتقرير الدين، وتكميله، وشرحه، وتفصيله، كذلك هو واف بالذب عنه، وبرد كل شبهة ترد عليه، وبقمع كل ملحد ومعاند ومشاق ومحاد، وبدمغ كل باطل وإزهاقه، {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33)} [الفرقان: 33]، {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء: 18]، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر: 9] "
(1)
.
ثانيًا: أبطلت القاعدة قول القرامطة الباطنية
(2)
الذين يزعمون: أن الرسل ما كانوا يعلمون حقائق العلوم الإلهية، ويجعلون خاصة النبوة هي التخييل.
ولا شكَّ أن هذا القول فيه تنقص للرسل عليه السلام؛ إذ فيه اتهام لهم بالتجهيل وعدم العلم، والأصل الثابت دال على كمال هذا الدين، وأن
(1)
معارج القبور (3/ 1110).
(2)
القرامطة: حركة باطنية هدامة، اعتمدت التنظيم السري العسكري، ظاهرها التشيع لآل البيت والانتساب إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق وحقيقتها الإلحاد والشيوعية والإباحية وهدم الأخلاق والقضاء على الدولة الإسلامية. سميت بهذا الاسم نسبة إلى حمدان قرمط بن الأشعث الذي نشرها في سواد الكوفة سنة 278 هـ. [انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (ص 395)].
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قد قام ببيان هذا الدين كاملًا، فكيف يكون قد بلغ الدين وبيَّنه ولم يترك منه شيئًا مع الجهل وعدم العلم بما أوحاه اللَّه إليه، هذا لا يعقل.
يقول الإمام ابن تيمية: "والرسول صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بالحق، وأقدر الناس على بيان الحق، وأنصح الخلق للخلق، وهذا يوجب أن يكون بيانه للحق أكمل من بيان كل أحد"
(1)
.
ويقول رحمه الله أيضًا بعد أن ذكر جملة من النصوص الدالة على تبليغه صلى الله عليه وسلم لهذا الدين: "وأمثال هذه النصوص التي تبين أن الرسول هدى الخلق، وبيَّن لهم، وأنه أخرجهم من الظلمات إلى النور، لا أنه لبس عليهم، وخيل، وكتم الحق فلم يبينه، ولم يهد إليه لا للخاصة ولا للعامة؛ فإنَّه من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتكلم مع أحد بما يناقض ما أظهره للناس، ولا كان خواص أصحابه يعتقدون فيه نقيض ما أظهره للناس، بل كل من كان به أخص، وبحاله أعرف كان أعظم موافقة له وتصديقًا له على ما أظهره وبيَّنه، فلو كان الحق في الباطن خلاف ما أظهره للزم إما أن يكون جاهلًا به، أو كاتمًا له عن الخاصة والعامة، ومظهرًا خلافه للخاصة والعامة"
(2)
.
ويقول ابن القيم: "لا ريب عند كل مؤمن باللّه ورسوله: أنه صلى الله عليه وسلم كان أعلم الخلق بما يخبر به، وما يأمر به، فهو أعلم الخلق بما أخبر به عن اللَّه واليوم الآخَر، وأعلمهم بدينه وشرعه الذي شرعه لعباده"
(3)
.
ثالثًا: أبطلت هذه القاعدة قول الفلاسفة
(4)
الذين يقولون بأن الرسل
(1)
درء التعارض (1/ 23).
(2)
المصدر نفسه (5/ 25).
(3)
الصواعق المرسلة (2/ 651)، وانظر: زاد المعاد (4/ 414).
(4)
هم: الفلاسفة: مأخوذة من الفلسفة (باليونانية)؛ أي: محبة الحكمة، فهي مركبة من كلمتين (فيلا)؛ أي: المحب، و (سوفا)؛ أي: الحكمة، وهم على ثلاثة أقسام (الدهريون، الطبيعيون، الإلهيون). [انظر: الملل والنحل (2/ 58)].
علموا الحقائق لكن لم يبينوها للناس بل خاطبوا الجمهور بالتخييل، وأنهم كذبوا لمصلحة الخلق، فيجعلون التخييل في خطابه لا في علمه.
وفي هذا القول أيضًا تكذيب للرسل واتهام لهم بعدم البيان وكتمان الحق، وهذا مما لا يليق بالرسل، فإنهم بلغوا البلاغ المبين، بل فيه مسبة لرب العالمين، إذ كيف يرسل رسلًا إلى الخلق يبلغونهم ألفاظًا لا تطابق الحق في نفس الأمر، هذا من أعظم العبث الذي ينزه عنه الرب تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
رابعًا: أبطلت القاعدة قول الذين يقولون: الرسل علموا الحق وبينوه لكن لا يمكن معرفته من كلامهم بل يعرف بطرق أخرى؛ من المعقول أو القياس أو الكشف، ثم بعد ذلك ينظر في كلام الرسول فما وافق ذلك قبل، وما خالفه إما أن يفوض، وإما أن يؤول، وهذا هو قول أهل الكلام.
وهذا من أعظم التناقض، كيف يكون الرسل قد بلغوا الحق وبينوه للناس، ثم لا يمكن للخلق معرفته إلا بطرق خارجة عن نفس بيانهم وتبليغهم، هذا من أعظم الباطل وأعظم التنقيص للرسول صلى الله عليه وسلم، واتهامه بالتلبيس والتدليس إذ جاء بما ظاهره الباطل، ولم يبيِّن الحق الذي يجب اعتقاده، بل أراد منهم أن يجتهدوا فيه بإتعاب أذهانهم، وتأويل ألفاظه حتَّى يتوصلوا إلى المعنى الحق في نفس الأمر، فحقيقة قول هؤلاء أن مجيء الرسل وعدم ذلك سواء، بل قد يكون حال الناس قبل بعثة الرسل أفضل من حالهم بعد بعثتهم.
يقول الإمام ابن تيمية: "وطريقة التأويل: طريقة المتكلمين من الجهمية
(1)
(1)
هم: أصحاب الجهم بن صفوان، وهو من الجبرية الخالصة ظهرت بدعته بترمذ، وقتله مسلم المازني بمرو في آخر ملك بني أمية، وافق المعتزلة في نفي الصفات الأزلية، وزاد عليهم بأشياء؛ منها: قوله لا يجوز أن يوصف الباري تعالى بصفة يوصف بها خلقه؛ لأن ذلك يقتضي تشبيهًا، فنفى كونه حيًا عالمًا، وأثبت كونه قادرًا=
والمعتزلة
(1)
وأتباعهم، يقولون: إن ما قاله له تأويلات تخالف ما دل عليه اللفظ، وما يفهم منه، وهو وإن كان لم يبين مراده، ولا بيَّن الحق الذي يجب اعتقاده، فكان مقصوده أن هذا يكون سببًا للبحث بالعقل حتَّى يعلم الناس الحق بعقولهم، ويجتهدوا في تأويل ألفاظه إلى ما يوافق قولهم؛ ليثابوا على ذلك، فلم يكن قصده لهم البيان والهداية، والإرشاد والتعليم، بل قصده التعمية والتلبيس، ولم يعرفهم الحق حتَّى ينالوا الحق بعقلهم، ويعرفوا حينئذٍ أن كلامه لم يقصد به البيان، فيجعلون حالهم في العلم مع عدمه خيرًا من حالهم مع وجوده"
(2)
.
خامسًا: دلت القاعدة على إبطال قول الرافضة الذين يدعون أن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ جزءًا من الشريعة وكتم الباقي، وأودعه الإمام عليًا رضي الله عنه فأظهر علي منه جزءًا في حياته وعند موته أودعه الحسن، وهكذا كل إمام يظهر منه جزءًا حسب الحاجة ثم يعهد بالباقي لمن يليه إلى أن صار عند إمامهم المنتظر
(3)
.
يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: "ومعلوم أنه قد بلغ الرسالة كما أمر، ولم يكتم منها شيئًا، فإن كتمان ما أنزله اللَّه إليه يناقض موجب الرسالة،
= فاعلًا خالقًا؛ لأنه لا يوصف شيء من خلقه بالقدرة والفعل والخلق. [انظر: الملل والنحل (1/ 86)].
(1)
هم: أتباع واصل بن عطاء الذي أحدث القول في مرتكب الكبيرة بأنه في منزلة بين المنزلتين، واعتزل مجلس الحسن البصري فسُموا معتزلة، وأصولهم خمسة مشهورة هي: العدل، والتوحيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والوعد والوعيد، والوعيد، وقرروا تحت هذه الأصول الخمسة ما يخالف ويضاد الكتاب والسُّنَّة، وما كان عليه سلف الأمة الصالح. ومن عقيدتهم الجمع بين نفي الصفات ونفي القدر؛ ولذلك سموا قدرية. [انظر: الملل والنحل (1/ 30، 46 - 48)].
(2)
مجموع الفتاوى (4/ 67).
(3)
انطر: مسألة التقريب بين أهل السُّنَّة والشيعة، د. ناصر بن عبد اللَّه القفاري (1/ 255 - 256).
كما أن الكذب يناقض موجب الرسالة، ومن المعلوم من دين المسلمين أنه معصوم من الكتمان لشيء من الرسالة"
(1)
.
سادسًا: أفادت القاعدة إبطال قول الرافضة الباطنية الذين يدعون بأن للنصوص ظاهرًا وباطنًا، وزاد بعضهم على ذلك فزعم أن لكل آية سبعة أبطن
(2)
، وأنهم هم الذين يعرفون هذه المعاني الباطنة دون غيرهم.
وهذا من الإفك البيّن على اللَّه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، فليس للشرع باطن لم يبلغه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لأمته، ولم يخص بعض أصحابه بشيء من الدين لم يخبر به عامتهم، بل تبليغه صلى الله عليه وسلم كان عامًا للأسود والأحمر، والحر والعبد، والصغير والكبير، والذكر والأنثى، لم يفرق صلى الله عليه وسلم بينهم في تبليغ الرسالة، وبيان الدين.
قال الإمام ابن حزم: "واعلموا أن دين اللَّه ظاهر لا باطن فيه، وجهر لا سر تحته،
…
وكل من ادعى للديانة سرًا وباطنًا فهي دعاوى ومخارق، واعلموا أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يكتم من الشريعة كلمة فما فوقها، ولا أطلع أخص الناس به من زوجة، أو ابنة عم، أو ابن عم، أو صاحب على شيء من الشريعة كتمه عن الأحمر والأسود، ورعاة الغنم، ولا كان عنده عليه السلام السر، ولا رمز، ولا باطن غير ما دعا الناس كلهم إليه، ولو كتم شيئًا لما بلَّغ كما أمر"
(3)
.
وقال القرطبي: "فدلت الآية على رد قول من قال: إن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كتم شيئًا من أمر الدين تقية وعلى بطلانه، وهم الرافضة ودلت على أنه صلى الله عليه وسلم لم يسر إلى أحد شيئًا من أمر الدين؛ لأن المعنى بلغ جميع ما
(1)
مجموع الفتاوى (5/ 155).
(2)
انظر: أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية، للقفاري (1/ 152).
(3)
الفصل في الملل والأهواء والنحل (2/ 91 - 92)، وانظر: معارج القبول (3/ 1108).
أنزل إليك ظاهرًا"
(1)
.
ويقول الإمام الشوكاني: "العموم الكائن في {مَا أُنْزِلَ} : يفيد أنه يجب عليه صلى الله عليه وسلم أن يبلغ جميع ما أنزله اللَّه إليه، لا يكتم منه شيئًا، وفيه دليلٌ على أنه لم يسر [إلى]
(2)
أحد مما يتعلق بما أنزل اللَّه إليه شيئًا"
(3)
.
والمقصود من نفي الباطن عن الشرع أن يكون للنصوص معانٍ في الباطن تخالف ظاهرها، ولا تعرف إلا بطرق لم يبيِّنها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وقد علم مما سبق أن المقصود بالظاهر والباطن في لفظ القاعدة ما يتعلق بأعمال الجوارح والقلوب، فإن أعمال القلوب من أعظم أمور الدين، وهي أعمال باطنة جاء بها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وبيَّنها لأمته أكمل البيان وأتمه، بل كل قول وعمل ظاهر فلا بد له من باطن يتعلق بالقلب.
يقول ابن تيمية: "كل قول وعمل فلا بد له من ظاهر وباطن، فظاهر القول لفظ اللسان، وباطنه ما يقوم من حقائقه ومعانيه بالجنان، وظاهر العمل حركات الأبدان، وباطنه ما يقوم بالقلب من حقائقه ومقاصد الإنسان"
(4)
.
ويقول ابن القيم: "قاعدة: الإيمان له ظاهر وباطن، وظاهره قول اللسان، وعمل الجوارح، وباطنه تصديق القلب، وانقياده، ومحبته، فلا ينفع ظاهر لا باطن له
…
ولا يجزئ باطن لا ظاهر له"
(5)
.
كما قد يراد بالباطن الأمور المجملة في القرآن وجاء النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ببيانها في السُّنَّة، ولم يتوف عليه السلام حتَّى بيَّن جميع ما للناس حاجة إليه.
يقول الإمام أحمد
(6)
في خطبة كتابه الذي صنفه في طاعة
(1)
الجامع لأحكام القرآن (6/ 242).
(2)
زيادة مني لتوضيح المعنى.
(3)
فتح القدير (2/ 59).
(4)
مجموع الفتاوى (13/ 262).
(5)
الفوائد (ص 85).
(6)
هو: الإمام أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني، إمام أهل السُّنَّة وناصرها، =
رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: "إن الله جلَّ ثناؤه وتقدست أسماؤه بعث محمدًا بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأنزل عليه كتابه الهدى والنور لمن اتبعه، وجعل رسوله الدال على ما أراد من ظاهره وباطنه، وخاصه وعامه، وناسخه ومنسوخه، وما قصد له الكتاب، فكان رسول الله -صلي الله عليه وسلم- هو المعبر عن كتاب الله، الدال على معانيه، شاهده في ذلك أصحابه الذين ارتضاهم الله لنبيه، واصطفاهم له، ونقلوا ذلك عنه، فكانوا هم أعلم الناس برسول الله -صلي الله عليه وسلم- وبما أراد الله من كتابه بمشاهدتهم، وما قصد له الكتاب، فكانوا هم المعبرين عن ذلك بعد رسول الله -صلي الله عليه وسلم-"
(1)
.
فبهذين الاعتبارين يصح أن يقال بأن في الدين باطنًا، ولكن المحظور في ذلك هو جعل الباطن مخالفًا للظاهر، ولم يبلغه النبي -صلي الله عليه وسلم- لأمته، والله أعلم.
سابعًا: بيانه صلى الله عليه وسلم لهذا الدين لم يكن من عند نفسه، بل كله كان وحيًا من عند ربه تبارك وتعالى، ولذا قال -سبحانه وتعالي-:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} [النجم: 3، 4]، وقال عز وجل:{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)} [الحاقة: 44 - 46].
يقول الإمام الزهري
(2)
: "من الله الرسالة، وعلى رسول الله -صلي الله عليه وسلم-
= وقامع البدعة ومزهقها، قال فيه الإمام الشافعي:"أحمد إمام في ثماني خصال: إمام في الحديث، إمام في الفقه، إمام في اللغة، إمام في القرآن، إمام في الفقر، إمام في الزهد، إمام في الورع، إمام في السُّنَّة". من أشهر مؤلفاته: المسند، وفضائل الصحابة، توفي سنة 241 هـ. [انظر ترجمته في: طبقات الحنابلة (1/ 4)، وتذكرة الحفاظ (2/ 431)].
(1)
إعلام الموقعين عن رب العالمين (2/ 290).
(2)
هو: الإمام محمد بن مسلم بن عبد الله الزهري، كان إمامًا حافظًا، مات سنة أربع أو ثلاث وعشرين ومائة. [انظر: سير أعلام النبلاء (5/ 326)، وتذكرة الحفاظ (1/ 108)].
البلاع، وعلينا التسليم"
(1)
.
فليس له صلى الله عليه وسلم إلا البلاغ والبيان، كما قال -سبحانه وتعالي-:{وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54)} [النور: 54]. وأما مضمون الرسالة والوحي فهو من عند الله تبارك وتعالى لم يتدخل فيه عليه السلام ولا بكلمة واحدة، ولا استفاده ممن سبقه، وإنما هو محض الوحي الذي جاء به جبريل كما قال سبحانه:{وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95)} [الشعراء: 92 - 95].
يقول الإمام ابن تيمية: "وأيضًا فإنه أخبر أنه ليس ينطق من عنده، بل يتكلم بكل ما يسمع، وهذا إخبار بأن كل ما يتكلم به فهو وحي يسمعه، ليس هو شيئًا تعلمه من الناس، أو عرفه باستنباطه، وهذه خاصة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن المسيح ومن قبله من الأنبياء كانوا يتعلمون من غيرهم مع ما كان يوحى إليهم، فعندهم علم غير ما يسمعونه من الوحي"
(2)
.
ويقول الشيخ حافظ حكمي: "يخبر صلى الله عليه وسلم أنه مخبر عن الله ومبلغ رسالته، وأن ما أمر به ونهى عنه وأخبر به هو تبليغ لأمر الله، ونهيه، وخبره، وإنه لم يقل شيئًا من عند نفسه فيقول: هو من عند الله، ومن اعتقد ذلك فهو كافر من حزب أبي جهل، والوليد بن المغيرة، وملئهم. قال الله عز وجل:{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)} [الحاقة: 44 - 47]
…
"
(3)
.
ثامنًا: أن بيانه عليه السلام لهذا الدين لا يعدله بيان أحد من البشر؛ إذ هو صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بالحق، وأفصحهم لسانًا وبيانًا، وأنصح الخلق للخلق، فاجتمع فيه عليه السلام كمال العلم وكمال القدرة وكمال الإرادة.
(1)
رواه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب: قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (6/ 2738).
(2)
الجواب الصحيح (5/ 299).
(3)
معارج القبول (1/ 268).
ولذا قال عليه السلام لأصحابه: "إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا"
(1)
.
ووصفه ربه تبارك وتعالى بالحرص على المؤمنين فقال سبحانه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} [التوبة: 128]، ومما يظهر ذلك الحرص معاناته صلى الله عليه وسلم وتحمله للمشاق العظام، التي لم يتحملها بشر في سبيل إيضاح هذا الدين تمام الإيضاح بحيث لا يفهم أحد من أصحابه شيئًا من الدين خلاف مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وأنزل الله عليه آيات عديدة تسلية له من الحزن والألم، والضيق الذي أَلَمَّ به بسبب كفر قومه وإعراضهم، ومن ذلك قوله تعالى:{فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)} [فاطر: 8]، وقوله:{إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37)} [النحل: 37]، وغيرها من الآيات، وما ذاك إلا لشدة حرصه، وكمال نصحه، وشفقته على أمته صلى الله عليه وسلم أن تعتقد أمته شيئًا يبغضه الله ورسوله.
يقول الإمام ابن تيمية: "والرسول صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بالحق، وأقدر الناس على بيان الحق، وأنصح الخلق للخلق، وهذا يوجب أن يكون بيانه للحق أكمل من بيان كل أحد"
(2)
.
ويقول رحمه الله أيضًا: "وقد أوجب الله عليه البلاغ المبين، وأنزل عليه الكتاب ليبين للناس ما نُزِّلَ إليهم، فلا بد أن يكون بيانه، وخطابه، وكلامه أكمل وأتم من بيان غيره، فكيف يكون مع هذا لم يبين الحق، بل بيَّنه من قامت الأدلة الكثيرة على جهله، ونقص علمه وعقله"
(3)
.
(1)
صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أعلمكم بالله"(1/ 16) برقم (20).
(2)
درء التعارض (1/ 233).
(3)
المصدر نفسه (1/ 24).
ومن المعلوم أن من قصَّر في بيان أمر من الأمور؛ فإما أن يكون قد أُتِيَ من قِبَلِ عِلْمِه أو قَصْدِه أو عَجْزِه، فيكون إما جاهلًا بما يتكلم به، أو غاشًّا لمن يخاطبهم لا يريد لهم علمًا ولا يبغي لهم هدى، أو عاجزًا عن البيان والإفصاح، فإن الفعل يتعذر لعدم العلم، أو لعدم القدرة، أو لعدم الإرادة، فإذا اجتمعت هذه الأمور الثلاثة لزم حصول الفعل ووقوع المطلوب، وجميع هذه الأمور تحققت في نبينا محمد عليه السلام على الكمال والتمام
(1)
.
وقال رحمه الله: "ومن علم أن الرسول -صلي الله عليه وسلم- أعلم الخلق بالحق، وأفصح الخلق في البيان، وأنصح الخلق للخلق، علم أنه قد اجتمع في حقه كمال العلم بالحق، وكمال القدرة على بيانه، وكمال الإرادة له، ومع كمال العلم والقدرة والإرادة يجب وجود المطلوب على أكمل وجه، فيعلم أن كلامه أبلغ ما يكون، وأتم ما يكون، وأعظم ما يكون بيانًا لما بيَّنه في الدين من أمور الإلهية وغير ذلك"
(2)
.
ويقول العلامة ابن القيم رحمه الله: "لا ريب عند كل مؤمن بالله ورسوله أنه كان أعلم الخلق بما يخبر به، وما يأمر به، فهو أعلم الخلق بما أخبر به عن الله واليوم الآخر، وأعلمهم بدينه وشرعه الذي شرعه لعباده، وأنه كان أفصح الأمة، وأقدرهم على البيان، وكشف المعاني؛ فإنه عربي، والعرب أفصح الأمم، وقرشي، وقريش أفصح العرب، وهو في نفسه كان أفصح قريش على الإطلاق، وقد أقر له أعداؤه بذلك
…
ثم من المعلوم بالاضطرار من حاله أنه كان أحرص الناس على هدى أمته، وتعليمهم والبيان لهم، فاجمع في حقه كمال القدرة، وكمال الداعي، وكمال العلم، فهو أعلم الناس بما يدعو إليه، وأقدرهم على
(1)
انظر: المصدر نفسه (5/ 371)، مع التصرف والزيادة.
(2)
مجموع الفتاوى (17/ 129) وانظر: كذلك (5/ 31).
أسباب الدعوة، وأعظمهم رغبة وأتمهم نصيحة"
(1)
.
ويقول رحمه الله في صفة كلام النبي -صلي الله عليه وسلم-: "كان أفصح خلق الله وأعذبهم كلامًا وأسرعهم أداء وأحلاهم منطقًا، حتى إن كلامه ليأخذ بمجامع القلوب، ويسبي الأرواح، ويشهد له بذلك أعداؤه، وكان إذا تكلم تكلم بكلام مفصل مبين يعده العاد"
(2)
.
وقال رحمه الله أيضًا: "فما الظن بأفضل الأنبياء، وأعلمهم، وأكملهم بيانًا، وأتمهم فصاحة، وأقدرهم على التعبير عن المعنى باللفظ الذي لا يزيد عليه ولا ينقص عنه، ولا يوهم غيره، وأحرصهم على تعليم الأمة وتفهيمهم
…
"
(3)
.
فهو كلام المعصوم في منطقه، وعلمه، وقصده، وعمله، وكل كلمة منه جاءت في موضعها، ومنزلتها، ومقرها، لا يتعدى بها عنه، ولا يقصر بها
(4)
.
يقول الجاحظ
(5)
عند ذكره لصفة كلامه صلى الله عليه وسلم، وما تضمنه من البلاغة والإعجاز: "وأنا اذكر بعد هذا فنًا آخر من كلامه صلى الله عليه وسلم؛ وهو الكلام الذي قلَّ عدد حروفه، وكثر عدد معانيه، وجلَّ عن الصنعة، ونزه عن التكلف، وكان كما قال الله تبارك وتعالى:{قُل} يا محمد:
(1)
الصواعق المرسلة (2/ 561 - 562).
(2)
زاد المعاد (1/ 182).
(3)
الصواعق المرسلة (2/ 645).
(4)
طريق الهجرتين (ص 368).
(5)
هو: العلامة المتبحر ذو الفنون أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب مولى أبي القلمس عمرو بن قلع الكناني ثم الفقمي، أحد النسابين، البصري، المعتزلي، صاحب التصانيف، أخذ عن النظام، وروى عن أبي يوسف القاضي، كان أحد الأذكياء، سريع الحفظ، قال عنه الذهبي:"وكان واسع النقل، كثير الإطلاع، من أذكياء بني آدم، وأفرادهم، وشياطينهم"، وقال أبو العباس ثعلب:"ليس بثقة ولا مأمون"، ولد في أول سنة خمسين ومائة، ومات سنة خمس وخمسين ومائتين في خلافة المعتز. [انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (11/ 526)، وتاريخ الإسلام (18/ 372)، ومعجم الأدباء (4/ 473 - 474)].
{وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)} [ص: 86]، فكيف وقد عاب التشديق، وجانب أصحاب التقعير، واستعمل المبسوط في موضع البسط، والمقصور في موضع القصر، وهجر الغريب الوحشي، ورغب عن الهجين السوقي، فلم ينطق إلا عن ميراث حكمة، ولم يتكلم إلا بكلام قد حف بالعصمة، وشيد بالتأييد، ويسر بالتوفيق.
وهذا الكلام الذي ألقى الله المحبة عليه، وغشاه بالقبول، وجمع له بين المهابة والحلاوة، بين حسن الإفهام، وقلة عدد الكلام، ومع استغنائه عن إعادته، وقلة حاجة السامع إلى معاودته، لم تسقط له كلمة، ولا زلت له قدم، ولا بارت له حجة، ولم يقم له خصم، ولا أفحمه خطيب، بل يبذ
(1)
الخطب الطوال بالكلام القصير، ولا يلتمس إسكات الخصم إلا بما يعرفه الخصم، ولا يحتج إلا بالصدق، ولا يطلب يلتمس إسكات الخصم إلا بما يعرفه الخصم، ولا يحتج إلا بالصدق، ولا يطلب الفلج
(2)
إلا بالحق، ولا يستعين بالخلابة
(3)
، ولا يستعمل المواربة
(4)
، ولا يهمز ولا يلمز
(5)
، ولا يبطئ ولا يعجل، ولا يسهب
(1)
تقول العرب: بَذَ يَبذُّ بَذًّا: إذا خرج شيء على الآخر في حسن أو عمل كائنًا ما كان، وبَذَّه إذا سبقه وغلبه. [انظر: العين (8/ 177)، والأفعال (1/ 97)، وتاج العروس (9/ 374)]. سبقه وغلبه. [انظر: العين (8/ 177)، والأفعال (1/ 97)، وتاج العروس (9/ 374)].
(2)
يقال: فلج الرجل على خصمه إذا فاز، والرجل الفالج: الفائز والاسم الفلج، وله أصل آخر: بمعنى التباعد والفرجة، ومنه فلج الأسنان، وهو تباعد ما بين الثنايا والرباعيات [انظر: مقاييس اللغة (4/ 448 - 449)].
(3)
الخلابة: الخديعة برقيق الحديث [انظر: المعجم الوسيط (1/ 248)].
(4)
المواربة: براءٍ مهملةٍ وباءٍ موحدةٍ: أن يقول المتكلم قولًا يتضمن ما ينكر عليه، فإذا حصل الإنكار استحضر بحذقه وجهًا من الوجوه يتخلص به؛ إما بتحريف كلمة، أو تصحيفها، أو زيادة أو نقص. [انظر: الحماسة البصرية (1/ 166)، والإتقان في علوم القرآن (2/ 257)].
(5)
اللَّمْزُ: العَيْبُ في الوَجْه بالعَيْنِ والرَّاسِ والشَّفَة، مع كَلامٍ خفِيٍّ، وقِيلَ: هو =
ولا يحصر، ثم لم يسمع الناس بكلام قط أعم نفعًا، ولا أصدق لفظًا، ولا أعدل وزنًا، ولا أجمل مذهبًا، ولا أكرم مطلبًا، ولا أحسن موقعًا، ولا أسهل مخرجًا، ولا أفصح عن معناه، ولا أبين في فحواه، من كلامه صلى الله عليه وسلم"
(1)
.
تاسعًا: لا يقدح في هذه القاعدة ما يحصل من الإشكالات والتعارضات في بعض النصوص عند بعض الناس؛ وذلك لأن أفهام الناس تتفاوت وتختلف حتى بين أهل العلم فضلًا عن غيرهم، وهذا التعارض لا يتعلق بذات النصوص، إذ النصوص الشرعية لا يمكن أن تتعارض بحال، أو تتضارب، وإنما يحصل الإشكال والالتباس والتضارب في أذهان البشر، لما فيها من الضعف والقصور.
يقول الإمام ابن تيمية: "وذلك كله داخل في البلاغ المبين، فإنه ليس من شرط البلاغ المبين أن لا يشكل على أحد، فإن هذا لا ينضبط، وأذهان الناس وأهواؤهم متفاوتة تفاوتًا عظيمًا، وفيهم من يبلغه العلم، وفيهم من لا يبلغه؛ إما لتفريطه، وإما لعجزه.
وإنما على الرسول البلاغ المبين: البيان المُمَكِّن، وهذا ولله الحمد قد حصل منه صلى الله عليه وسلم، فإنَّه بلغَ البلاغ المبين، وترك الأمة على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعده إلا هالك، وما ترك من شيء يقرب إلى الجنة إلا أمر الخلق به، ولا من شيء يقربهم من النار إلا نهاهم عنه، فجزاه الله عن أمته أفضل ما جزى نبيًا عن أمته"
(2)
.
= الاغْتِيابُ؛ لَمَزَه يَلْمِزُه وَيِلْمُزُه. والهَمْزُه: أصله الدفع والضرب، والهمَّازُ والهُمَزَة: الذي يخلف الناس من ورائهم، ويأكل لحومهم، ويقع فيهم، وهو مثل الغيبة، ويكون ذلك بالشدق والعين والرأس، وفي التنزيل:(هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَميم)، وفيه:{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)} . [انظر: المحكم والمحيط الأعظم (4/ 242) و (9/ 59)، والقاموس المحيط (ص 674)].
(1)
البيان والتبيين، للجاحظ (ص 221).
(2)
منهاج السُّنَّة النبوية (8/ 576).