الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث: "وفي الحديث تعظيم شأن القبلة، وذكر الاستقبال بعد الصلاة للتنويه به، وإلا فهو داخل في الصلاة لكونه من شروطها"
(1)
.
فالقبلة شعار الملة التي تتميز به الأديان، ولذا يعبر أهل العلم بقولهم أهل القبلة يعنون أهل الإسلام، وإن كان لكل ديانة من الديانات قبلة يعظمونها ويستقبلونها في عباداتهم. ثم إن الشعائر دليل الإيمان الباطن كالشهادتين
(2)
.
ولذا توعد النبي صلى الله عليه وسلم من لم يستقبل قبلة أهل الإسلام بأنه ليس له ذمة عند الله ولا عند رسوله، فكل هذه الأمور تبين أن استقبال القبلة عبادة لله تبارك وتعالى يثيب عليها ويعاقب على تركها.
*
المسألة الرابعة* أقوال العلماء في تقرير معنى القاعدة
فيما يلي أنقل بعض ما وقفت عليه من أقوال العلماء في اعتماد هذه القاعدة إما بلفظها أو بمعناه وما دلت عليه:
يقول الشيخ محمد سلطان المعصومي
(3)
: "ولا شك أن التوجه إلى
(1)
فتح الباري (1/ 496).
(2)
انظر: الذخيرة (2/ 238).
(3)
هو: محمد بن سلطان المعصومي الخُجَنْدِي، ولد في خُجَنْدَة سنة 1297 هـ، تعلم في بلده، ثم سافر إلى الحجاز، سنة 1323 هـ، ودرَسَ على كبار المشايخ، ثم رجع إلى بلاده، فعين فيها مُفتيًا للمحاكم الشرعية وذلك سنة 1342 هـ، ثم عاود الرجوع إلى مكة المشرفة سنة 1353 هـ، وعمل مدرسًا في المسجد الحرام ودار الحديث المكية، ودار الحديث المدنية. من مؤلفاته: المشاهدات المعصومية عند قبر خير البرية، رفع الالتباس في أمر الخضر وإلياس، ومفتاح الجنة لا إله إلا الله، البرهان الساطع في تبرؤ المتبوع من التابع، وغيرها من المؤلفات، توفي سنة 1379 هـ. [انظر: مقدمة كتاب: أجوبة المسائل الثمان في السُّنَّة والبدعة والكفر والإيمان للمعصومي -ضبط وتعليق وتخريج الشيخ علي الحلبي].
شيء أو إلى جهة بقصد التقرب وحصول الثواب عبادة، والعبادة حق الله خاصة دون غيره، وهذا لا يكون إلا للكعبة فقط
(1)
، فمن توجه إلى غير الكعبة بقصد القربة
(2)
فقد أشرك بعبادة الله غيره، وهذا مناف للإسلام، وما جاء به محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام"
(3)
.
ويقول رحمه الله أيضًا: "فقبلة العبادة وقبلة التوجه، وقبلة الفيض
(4)
والبركة، وقبلة الدعاء: إنما هي الكعبة لا غير في دين الإسلام: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] "
(5)
.
هذا فيما يتعلق بالاستقبال الشرعي إلى جهة القبلة، الذي منه ما هو واجب أو مستحب، فالواجب يكون في الصلاة، والمستحب يكون فيها وفي غيرها من أنواع العبادة من الدعاء والذكر وانتظار الصلاة وغير ذلك.
(1)
أي: في غير ما ورد النص باستثنائه كاستقبال الخطيب للناس، وكاستقبال الإمام للمصلين بعد الانتهاء من الصلاة المكتوبة، وغير ذلك.
(2)
تقدم الكلام فيما سبق على مسألة استقبال غير الكعبة، وهو على أقسام؛ شرعي، وبدعي، وشركي، والذي قصده الشيخ هنا إنما هو التوجه والاستقبال الشركي الذي يكون فيه تعظيم المتوجه إليه أو صرف شيء من العبادة له.
(3)
المشاهدات المعصومية عند قبر خير البرية، ضمن المجموع المفيد في نقض القبورية ونصرة التوحيد، للأستاذ الدكتور محمد الخميس (ص 257 - 258).
(4)
الفيض: مصطلح صوفي فلسفي، يقصد به آثار التجلي الإلهي على العبد، وهو نوع من الكشف عندهم، وقد اعتمد عليه غلاة أهل التصوف، كطريق لمعرفة الحقائق الدينية، بل جعلوه نوعًا من الوحي الذي يحصل للقلوب الزكية، وممن تولى كبر هذه الدعوة أبو حامد الغزالي حيث قرره سبيلًا لمعرفة الحقائق وأن النفوس إذا قطعت علائقها بالدنيا، واشتغلت بالزهد والرياضة فإنها تنكشف لها أسرار الملكوت، فتنزل عليها الفيوضات الربانية ونكشف لها الحقائق. [انظر: إحياء علوم الدين (2/ 424)، ومعجم مصطلحات الصوفية، لأنور فؤاد (ص 138)، والأمثال القرآنية القياسية، د. عبد الله الجربوع (2/ 424)].
(5)
المرجع السابق (ص 258).