الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
قاعدة العبادة هي الغاية التي خلق الله لها الخلق من جهة أمره ومحبته ورضاه
وفيه عدة مسائل:
*
المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة
معنى العبادة لغة وشرعًا
(1)
:
العبادة في اللغة: هي الخضوع والذلة والانقياد.
وفي الشرع: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، فيشمل ذلك قول اللسان، وعمل الجوارح، وأعمال القلوب، فكلها داخلة في معنى العبادة الشرعي الذي أحبه الله وأمر به العباد.
معنى الغاية:
الغاية مشتقة من الأصل اللغوي الثلاثي (غَيِيَ)؛ يقال: غَيَّا وغَايا وأغْيا وتغايا، لفيف مقرون، والمصدر تغِيَّة ومُغَاياةٌ، واسم الفاعل: مُغَيٍّ
(1)
سيأتي تفصيل معنى العبادة لغة وشرعًا. [انظر: (ص 330) وما بعدها].
ومُغايٍ، واسم المفعول: مُغَيَّى ومُغايَّى، والغاية: مدى كل شيء وقصاره، وألفه ياء وهو من تأليف غين وياءين، وغَيَّي للقَوْمِ، نَصبَ لهم غايَةً أَو عَمِلَها لهم، والغايَةُ السَّحابَةُ المُنْفَرِدَةُ، وغايَتُكَ أَنْ تَفْعَل كذا: أَي نِهايَةُ طاقَتِكَ أَو فِعْلِكَ، ويقالُ في صَوابِ الرأي: أَنتَ بَعِيدُ الغايَةِ، وأَغْيا الرَّجلُ: بَلَغَ الغايَةَ في الشَّرَفِ والأمْرِ، والعِلَّةُ الغائِيَّةُ عنْدَ المُتَكَلِّمِيْن ما يكونُ المَعْلول لأجْلِها، وقوْلُهم المُغَيَّا كمُعَظَّمٍ لانْتِهاءِ الغايَةِ، هكذا يقولُه الفُقهاءُ والأُصُوليُّون وهي لُغَةٌ مولَّدَةٌ.
والغاية: هي ما لأجله وجود الشيء، وهي أقصى الشيء، ومدى كل شيء، وغاية الشيء مقطعه ومنتهاه
(1)
.
ومعنى الغاية في القاعدة: حكمة الله تعالى في إيجاد الخليقة، وما يستتبع ذلك من الغايات الحميدة، ويعبر عنها بالعلة الغائية.
فالعبادة التي هي غاية الله من الخلق والإيجاد هي علة غائية.
وخلق العباد وإيجادهم هو علة فاعلية وسبب وسبيل لتحقيق العلة الغائية.
فالعلة الفاعلية التي هي خلق الخلق هي سبب وعلة وموجدة للعلة الغائية، فإذا لم توجد العلة الفاعلية فلا وجود للعلة الغائية.
يقول الإمام ابن تيمية: "فلو لم يخلق شيئًا بمشيئته وقدرته لم يوجد شيء، وكل الأعمال إن لم تكن لأجله فيكون هو المعبود المقصود المحبوب لذاته، وإلا كانت أعمالًا فاسدة؛ فإن الحركات تفتقر إلى العلة الغائية، كما افتقرت إلى العلة الفاعلية، بل العلة الغائية بها صار الفاعل فاعلًا، ولولا ذلك لم يفعل.
(1)
انظر: تهذيب اللغة (8/ 188)، والتعريفات (ص 207)، وتاج العروس (39/ 205)، والعين (8/ 457)، والتفسير الكبير (5/ 95)، ومعجم تصريف الأفعال العربية (ص 257، ص 271).
فلولا أنه المعبود المحبوب لذاته لم يصلح قط شيء من الأعمال والحركات، بل كان العالم يفسد، وهذا معنى قوله:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]، ولم يقل لعدمتا"
(1)
.
وعليه تكون غاية الله من خلقه هو تحقيقهم لتوحيد الإلهية، كما أن ربوبية الله تعالى لخلقه التي تضمنت الخلق والإحياء هي العلة الفاعلية التي حصلت بسببها العلة الغائية.
يقول الإمام ابن تيمية: "فإن العبادة هي الغاية التي لها خلق الخلق، والإلهية هي الغاية، والربوبية تتضمن خلق الخلق وإنشاءهم، فهو متضمن ابتداء حالهم، والمصلي إذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} [الفاتحة: 5] فبدأ بالمقصود الذي هو الغاية على الوسيلة التي هي البداية، فالعبادة غاية مقصوده، والاستعانة وسيلة إليها، تلك حكمة، وهذا سبب، والفرق بين العلة الغائية والعلة الفاعلية معروف؛ ولهذا يقال: أول الفكرة آخر العلم، وأول البغية آخر الدرك، فالعلة الغائية متقدمة في التصور والإرادة، وهي متأخرة في الوجود، فالمؤمن يقصد عبادة الله ابتداء، وهو يعلم أن ذلك لا يحصل إلا بإعانته، فيقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} "
(2)
.
وقد أوضح التفتازاني
(3)
العلاقة بين العلة الغائية والفاعلية بقوله:
(1)
مجموع الفتاوى (5/ 515).
(2)
مجموع الفتاوى (10/ 284)، وانظر:(2/ 30)، و (2/ 37).
(3)
هو: مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني، وقيل: محمود بن عمر، الملقب بـ (سعد الدين) الشافعي، عالم النحو والتصريف والمعاني والبيان والمنطق وغير ذلك، ولد سنة اثنتي عشرة وسبعمائة بتفتازان؛ بفتح الفوقتين والزاي وسكون الفاء وبالنون: قرية بنواحي نسا الأصولي المفسر، المتكلم، البلاغي، أخذ عن العضد وغيره. له مصنفات منها: حاشية على شرح العضد، وشرح التلخيص، وشرح التلويح على التوضيح، توفي سنة 793 هـ. [انظر ترجمته في: بغية الوعاة (2/ 285)، وشذرات الذهب (6/ 319)].