المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة - القواعد في توحيد العبادة - جـ ١

[محمد بن عبد الله باجسير]

فهرس الكتاب

- ‌المُقَدِّمَة

- ‌أهمية الموضوع:

- ‌خطة البحث

- ‌المنهج المتبع في هذا البحث

- ‌مشاكل البحث وصعوباته:

- ‌شكر وتقدير:

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول القاعدة لغة واصطلاحًا

- ‌المطلب الأول: القاعدة لغة

- ‌ المطلب الثاني * القاعدة اصطلاحًا

- ‌ المطلب الثالث * بيان العلاقة بين القاعدة والضابط والأصل

- ‌المبحث الثاني أهمية القواعد وأثرها في العلوم

- ‌المبحث الثالث التقعيد ومنهج العلماء فيه

- ‌المبحث الرابع توحيد العبادة ومنزلته الشرعية

- ‌المطلب الأول: معناه وحقيقته

- ‌ المطلب الثاني * أهميته ومنزلته من الدين

- ‌ المطلب الثالث* أدلته

- ‌ المطلب الرابع* أسماؤه وإطلاقاته

- ‌أ - توحيد الطلب والقصد:

- ‌ب - توحيد الارادة والطلب:

- ‌ج - توحيد الشرع والقدر:

- ‌د - التوحيد العملي الإرادي، أو العملي القصدي:

- ‌هـ - توحيد الإلهية أو الألوهية أو العبادة:

- ‌الباب الأول القواعد المتعلقة بتوحيد العبادة

- ‌الفصل الأول القواعد العامة في توحيد العبادة

- ‌المبحث الأول قاعدة دين الأنبياء واحد هو الإسلام

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة الشرع مبناه على تكميل أديان الخلق وعلى تكميل عقولهم

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌أولًا: الشرع:

- ‌ثانيًا: العقل:

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال العلماء في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدةالدين قد كَمُلَ بيانه في أصوله وفروعه باطنه وظاهره علمه وعمله

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة العبادة هي الغاية التي خلق الله لها الخلق من جهة أمره ومحبته ورضاه

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الخامسقاعدة ليس في الشريعة بقعة تقصد للعبادة لذاتها إلا المساجد ومشاعر الحج

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السادسقاعدة النزاع بين الرسل وأقوامهم إنما كان في إفراد الله بالعبادة وترك عبادة ما سواه

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث السابعقاعدة البركة لله وصفًا وملكًا وفعلًا وكل بركة في الكون فمن آثار بركته سبحانه

- ‌ المسألة الأولى * شرح بعض ألفاظ القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في اعتماد القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة [*]: فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثامنقاعدة التوجه إلى شيء أو إلى جهة بقصد القربة وحصول الثواب عبادة

- ‌ توطئة

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى التوجه لغة وشرعًا:

- ‌تمهيد في أحوال التوجه والاستقبال:

- ‌ المسألة الثانية* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال العلماء في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثانيالقواعد المتعلقةبحقيقة العبادة وضابطها

- ‌المبحث الأولقاعدة العبادة لا تسمى عيادة في حكم الشرع إلا مع التوحيد

- ‌ المسألة الأولى* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة مناط العبادة غاية الحب مع غاية الذل ولا تنفع عبادة بواحد دون الآخر

- ‌ المسألة الأولى* شرح معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى العبادة:

- ‌ المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة صلاح الأعمال بصلاح النيات وكل عمل تابع لنية عامله وقصده

- ‌ المسألة الأولى * شرح معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى النية لغة وشرعًا:

- ‌ المسألة الثانية*بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال العلماء في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الثالثالقواعد المتعلقة بأنواع التوحيد

- ‌المبحث الأولقاعدة أنواع التوحيد وأضدادها متلازمة لا ينفك أحدها عن الآخر

- ‌ المسألة الأولى * شرح معاني مفردات القاعدة

- ‌بيان معنى التلازم في القاعدة:

- ‌ المسألة الثانية* بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة توحيد الربوبية لا يصير الإنسان به مسلمًا حتى يأتي بأنواع التوحيد الأخرى

- ‌ المسألة الأولى* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة توحيد الربوبية أقرت به الخلائق مؤمنها وكافرها ولم ينكره إلا الشذاذ من العالم

- ‌ المسألة الأولى* بيان بعض ألفاظ القاعدة

- ‌معنى توحيد الربوبية:

- ‌ المسألة الثانية* معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال العلماء في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة الربوبية والألوهية مفهومان متغايران فإذا اقترنا افترقا وإذا افترقا اقترنا

- ‌ المسألة الأولى* شرح ألفاظ القاعدة

- ‌بيان معنى الرب والاله في القاعدة:

- ‌أما الألوهية:

- ‌ المسألة الثانية* بيان معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة* أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة* فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌الفصل الرابعالقواعد المتعلقة بأصل التوحيد

- ‌المبحث الأولقاعدةأصل الإيمان وقاعدته التي عليها مدار أعمال العباد هو تحقيق معنى الشهادتين قولًا وعملًا وعقيدة

- ‌ المسألة الأولى * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * أدلة القاعدة

- ‌القسم الأول:

- ‌القسم الثاني:

- ‌القسم الثالث:

- ‌القسم الرابع:

- ‌ المسألة الثالثة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثانيقاعدة شهادة أن لا إله إلا الله مشتملة على النفي والإثبات

- ‌ المسألة الأولى * شرح مفردات القاعدة

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الثالثقاعدة الكفر بالطاغوت ركن التوحيد

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌معنى الطاغوت:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الرابعقاعدة محبة الله هي أصل الدين والمحبة فيه أو له تبع لمحبته والمحبة معه تضاده وتناقضه

- ‌ المسألة الأولى * شرح معاني مفردات القاعدة

- ‌معنى المحبة:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

- ‌المبحث الخامسقاعدة الحنيفية من موجبات الفطرة ومقتضياتها

- ‌ المسألة الأولى * شرح ألفاظ القاعدة

- ‌أولًا: معنى الحنيفية:

- ‌ثانيًا: معنى الفطرة:

- ‌ثالثًا: معنى المُوْجَبِ والمُقْتَضى:

- ‌ المسألة الثانية * معنى القاعدة

- ‌ المسألة الثالثة * أدلة القاعدة

- ‌ المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة

- ‌ المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها

الفصل: ‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

*‌

‌ المسألة الثالثة* أدلة القاعدة

دلَّ على صحة هذه القاعدة أدلة عديدة، أذكر منها ما يلي:

أولًا: من أصرح الأدلة الدالة على تقرير ما أفادته القاعدة قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [الذاريات: 56 - 58].

ودلالة الآية من حيث إفادتها للحصر (بما) النافية مع (إلا) المفيدان للحصر والقصر، (فيكون معنى الكلام: أني خلقت الجن والإنس لغاية واحدة هي العبادة دون ما سواها، ففيه قصر علة الخلق على العبادة).

ولأن الاستثناء هنا مفرغ -أي: من أعمِّ الأحوال كما يقول النحاة- والمعنى: وما خلقت الجن والإنس لشيء، أو لغاية من الغايات أبدًا إلا لغاية واحدة هي: أن يعبدوني

(1)

.

(1)

انظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد (ص 11 - 12)، وفي نوع القصر خلاف بين أهل العلم؛ أي: هل هو قصر حقيقي أم إضافي، والظاهر أن العبادة هي أعظم الغايات من إيجاد الخلق، ولا يمنع ذلك وجود غايات أخرى للرب تبارك وتعالى من الخلق تكون تابعة للغاية العظمى، ألا وهي العبادة، يقول الشيخ ابن عاشور: "فالحصر المستفاد من قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} قصرُ علة خلق الله الإنس والجنَّ على إرادته أن يعبدوه، والظاهر أنه قصر إضافي، وأنه من قبيل قصر الموصوف على الصفة، وأنه قصر قلب باعتبار مفعول (يعبدون)؛ أي: إلا ليعبدوني وحدي؛ أي: لا ليشركوا غيري في العبادة، فهو ردّ للإشراك، وليس هو قصرًا حقيقيًا، فإنا وإن لم نطلع على مقادير حِكَم الله تعالى من خَلق الخلائق، لكنَّا نعلم أن الحكمة من خلقهم ليست مُجردَ أن يعبدوه، لأن حِكَم الله تعالى من أفعاله كثيرة لا نُحيط بها، وذكر بعضها كما هنا لما يقتضي عدم وجود حكمة أخرى، ألَا ترى أن الله ذكر حِكمًا للخلق غير هذه كقوله: {

وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 118 - 119]، بَلْهَ ما ذكره من حكمة خلق بعض الإنس =

ص: 157

يقول الإمام النووي في بيان معنى الآية: "وهذا تصريح بأنهم خلقوا للعبادة، فحق عليهم الاعتناء بما خلقوا له، والإعراض عن حظوظ الدنيا بالزهادة، فإنَّها دار نفاد لا محل إخلاد، ومركب عبور لا منزل حبور، ومشرع انفصام لا موطن دوام"

(1)

.

قال ابن عاشور

(2)

: "واللام في {لِيَعْبُدُونِ (56)} لام العلة؛ أي: ما خلقتهم لعلة إلا علة عبادتهم إياي، والتقدير: لإرادتي أن يعبدون، ويدل على هذا التقدير قوله في جملة البيان: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57)}، وهذا التقدير يلاحظ في كل لام ترد في القرآن تعليلًا لفعل الله تعالى؛ أي: ما أرضى لوجودهم إلا أن يعترفوا لي بالتفرد بالإلهية"

(3)

.

ثانيًا: قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} [البينة: 5]، وقوله سبحانه:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)} [التوبة: 31].

لقد دلت الآيتان على حصر أمر الله لأهل الكتاب في أمرهم بالعبادة؛ أي: أنهم ما أمروا بشيء من التكاليف في هذه الدنيا إلا بعبادة الله تعالى وحده، فالنفي الذي يأتي بعده استثناء ثم إثبات يفيد قمة

= والجن كقوله في خلق عيسى: {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا} [مريم: 21]. [التحرير والتنوير، لابن عاشور (27/ 26 - 27)].

(1)

رياض الصالحين (ص 5).

(2)

هو: محمد الطاهر بن عاشور، رئيس المفتيين المالكيين بتونس، وشيخ جامع الزيتونة وفروعه، ولد سنة: 1296 هـ، وعين عام 1932 م شيخًا للإسلام مالكيًا، له مصنفات منها: التحرير والتنوير في تفسير القرآن العظيم، ومقاصد الشريعة الإسلامية، وأصول النظام الاجتماعي في الإسلام، والوقف وآثاره في الإسلام، وموجز في البلاغة، توفي سنة 1393 هـ. [انظر ترجمته في: الأعلام (6/ 174)].

(3)

التحرير والتنوير (27/ 25).

ص: 158

الحصر؛ أي: هم مقصورون على العبادة، فلم يخلقوا إلا للأمر بها وتحصيلها، وإفراد الرب تبارك وتعالى بها دون ما سواه.

وهذا يدل على أن العبادة هي غاية الله من خلقه؛ لأنَّه جعل الأمر بها أعظم مأمور، وأفضل مطلوب كما أفادته طريقة الحصر في الآيتين؛ فكأنَّه لم يأمرهم بشيء سوى عبادته سبحانه، ولهذا كثر في الكتب الإلهية الأمر بعبادة الله وحده

(1)

.

قال الفخر الرازي في معنى آية التوبة: "ومعناه ظاهر: وهو أن التوراة والإنجيل والكتب الإلهية ناطقة بذلك"

(2)

.

أي: ناطقة ومصرحة بالأمر بالعبادة، فكون جميع الكتب الإلهية قد أمرت أول ما أمرت بهذه العبادة ليدل أعظم الدلالة على أنها هي غاية الغايات من خلق العباد.

يقول الإمام ابن تيمية: "فإن المسلمين واليهود والنصارى متفقون على أن في الكتب الإلهية الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وأنه أرسل إلى الخلق رسلًا من البشر، وأنه أوجب العدل، وحرم الظلم والفواحش والشرك، وأمثال ذلك من الشرائع الكلية"

(3)

.

ويقول الإمام ابن القيم في الآية: "فنهى سبحانه أن يكون أَمَرَ عباده بغير العبادة التي قد أخلص عاملها له فيها النية"

(4)

.

بل هذا ما أمر الله به صفوة خلقه، وخير البشر، كما قال سبحانه:{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12)} [الزمر: 11، 12].

وهذا يؤيد كون العبادة هي غاية الخلق وغاية الأمر.

يقول الرازي في بيان الآيات: "وهذا يشتمل على قيدين؛ أحدهما:

(1)

انظر: الجواب الصحيح (6/ 31).

(2)

التفسير الكبير (16/ 31).

(3)

الجواب الصحيح (2/ 440).

(4)

بدائع الفوائد (3/ 707).

ص: 159

الأمر بعبادة الله، الثاني: كون تلك العبادة خالصة عن شوائب الشرك الجلي، وشوائب الشرك الخفي، وإنما خص الله تعالى الرسول بهذا الأمر؛ لينبه على أن غيره بذلك أحق، فهو كالترغيب للغير"

(1)

.

ثالثًا: الأدلة الدالة على أن الله إنما بعث رسله جميعًا بالأمر بالعبادة وترك الشرك، وهذا يدل على أن العبادة هي غاية الله من خلقه، إذ لا يتصور أن يتوارد الرسل جميعًا على دعوة واحدة، وعقيدة مشتركة إلا ويكون ما بعثوا به هو غاية الله منهم ومن خلقهم وإيجادهم. ومن تلك النصوص:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وقوله سبحانه:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} [الأنبياء: 25]، وغيرها من النصوص.

فالآيات أفادت حصر مهمة الرسل العظمى في الدعوة لهذا الأصل العظيم، إذ ليس لهم مهمة في حياتهم سوى بيان العبادة التي خلق الخلق من أجلها، وهذا يدل على أن عبادة الله وحده هي غايته من خلق الخلق وبعثة الرسل.

يقول أبو حيان

(2)

: "وكل واحد من هؤلاء الأنبياء؛ نوح وهود وصالح تواردوا على الأمر بعبادة الله؛ والتنبيه على أنه لا إله غيره، إذ

(1)

التفسير الكبير (26/ 222).

(2)

هو: محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الأندلسي ثم المصري، الشيخ الإمام العلامة المحدث البارع، ترجمان العرب، ولسان أهل الأدب، أثير الدين الغرناطي المولد والمنشأ، المصري الدار والوفاة، الظاهري المذهب ولد سنة أربع وخمسين وستمائة، ومن عيون تصانيفه البحر المحيط في التفسير، وشرح التسهيل، وله من الكتب الصغار ما ينيف على أربعين تصنيفًا، وكانت وفاته في سنة خمس وأربعين وسبعمائة. [انظر ترجمته في: ذيل تذكرة الحفاظ (ص 23 - 26)].

ص: 160

كان قومهم عابدي أصنام، ومتخذي آلهة مع الله كما كانت قريش والعرب"

(1)

.

رابعًا: من المعلوم أن خلق الخلق بدون غاية من خلقهم ينافي كمال حكمة الله تعالى؛ وعليه فلا بد من وجود غاية يرجع إليها وجود الخليقة، ولا بد أن تكون غاية الخلق هي أعظم محبوباته تبارك وتعالى، ولا شك أن أعظم محبوبات الرب هي عبادته سبحانه وحده، وإفراده بالخضوع والتذلل والمحبة، كما أن العبادة بالنسبة لبني آدم هي غاية كمالهم، والله متصف بصفات الكمال والجلال، يحب الكمال لنفسه، ومن آثار كماله سبحانه محبته لتكميل عباده، ولذا كانت العبادة هي غاية الله من إيجاد خلقه، من جهة أمره ومحبته ورضاه، يحبها منهم، ويكملهم بها.

يقول ابن القيم: "ومعلوم أن ترك الإنسان كالبهائم مهملًا معطلًا مضاد للحكمة، فإنه خلق لغاية كماله، وكماله أن يكون عارفًا بربه، محبًا له، قائمًا بعبوديته، قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات: 56].

فهذه المعرفة وهذه العبودية هما غاية الخلق والأمر، وهما أعظم كمال الإنسان، والله تعالى من عنايته به ورحمته له عرضه لهذا الكمال، وهيأ له أسبابه الظاهرة والباطنة ومكنه منها"

(2)

.

فالأمر بالعبادة وقيام الخلق بها هو غاية كمالهم، وبه تظهر وتتجلى آثار أسمائه وصفاته سبحانه؛ إذ هذا هو مقتضى الاتصاف بالكمال، والتنزه عن النقص

(3)

.

يقول الإمام ابن تيمية في شأن العبادة: "فهو العمل الذي خلق

(1)

تفسير البحر المحيط (4/ 330).

(2)

شفاء العليل (ص 226).

(3)

انظر: المصدر نفسه (ص 257).

ص: 161