الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
قاعدة محبة الله هي أصل الدين والمحبة فيه أو له تبع لمحبته والمحبة معه تضاده وتناقضه
وفيه مسائل:
*
المسألة الأولى * شرح معاني مفردات القاعدة
معنى المحبة:
المَحَبَّةُ مصدر مشتق من أصل لغوي هو (حب)، يقال: أَحَبَّهُ وحَبَّه حُبًا ومَحَبَّةً، ولا فرق، هذا هو اشتقاقها من حيث اللفظ، أما من حيث المعنى فقد ذُكرت في معنى هذه المادة أقوال كثيرة في كتب اللغة، وساقها الإمام ابن القيم مبينًا ارتباط هذه المعاني وعلاقتها بالمحبة، وفيما يلي أسوق هذه المعاني بشيء من الاختصار والتصرف:
مادة (حب) تدور في اللغة على خمسة أشياء:
أحدها: الصفاء والبياض.
الثاني: العلو والظهور.
الثالث: اللزوم والثبات.
الرابع: اللب.
الخامس: الحفظ والإمساك
(1)
.
يقول الإمام ابن القيم بعد ذكره هذه المعاني: "ولا ريب أن هذه الخمسة من لوازم المحبة؛ فإنها صفاء المودة، وهيجان إرادات القلب للمحبوب، وعلوها وظهورها منه، لتعلقها بالمحبوب المراد، وثبوت إرادة القلب للمحبوب ولزومها لزومًا لا تفارقه، ولإعطاء المحب محبوبه لبه وأشرف ما عنده وهو قلبه، ولاجتماع عزماته وإراداته وهمومه على محبوبه"
(2)
.
وأصل المحبة الإرادة والميل إلى المحبوب، ولذا فسرها جمع من أهل العلم بذلك:
يقول ابن عطية: "والمحبة إرادة يقترن بها إقبال من النفس وميل بالمعتقد"
(3)
.
وقال ابن عرفة: "المحبة عند العرب: إرادة الشيء على قصد له"
(4)
.
ويقول الحافظ ابن حجر: "والمحبة إرادة ما يعتقده خيرًا"
(5)
.
وقيل هي: "ميل إلى الأشخاص، أو الأشياء العزيزة، أو الجذابة، أو النافعة"
(6)
.
هذا هو معنى المحبة في اللغة؛ أما معناها في الشرع فهي ميل
(1)
انظر: تهذيب اللغة (4/ 8)، وتاج العروس (2/ 212)، والقاموس المحيط (ص 90)، والمعجم (1/ 150 - 151)، وانظر: مجموع الفتاوى (11/ 149)، وشعب الإيمان للحليمي (1/ 388).
(2)
مدارج السالكين (3/ 9 - 10)، وروضة المحبين (ص 17 - 18)، ومقاييس اللغة (2/ 26).
(3)
المحرر الوجيز (1/ 422)، وعرَّفها أيضًا بتعريف آخر. انظر:(2/ 129).
(4)
تفسير القرطبي (4/ 60).
(5)
فتح الباري (1/ 57) وبهذا عرَّفها القاضي عياض والنووي وغيرهم. انظر: صحيح مسلم بشرح النووي (2/ 14).
(6)
المعجم الوسيط (1/ 151).
مخصوص، يقود إلى طاعة المحبوب وتعظيمه، وابتغاء مرضاته، والبعد عما يغضبه ويسخطه، ولذا يقول الإمام ابن القيم: "ولما كانت المحبة التامة ميل القلب بكليته إلى المحبوب كان ذلك الميل حاملًا على طاعته وتعظيمه، وكلما كان الميل أقوى كانت الطاعة أتم، والتعظيم أوفر، وهذا الميل يلازم الإيمان
(1)
، بل هو روح الإيمان ولبه، فأي شيء يكون أعلى من أمر يتضمن أن يكون الله سبحانه أحب الأشياء إلى العبد، وأولى الأشياء بالتعظيم، وأحق الأشياء بالطاعة"
(2)
.
وقد أكثر أهل العلم رحمهم الله الكلام في بيانها وشرحها وتوضيحها وتجليتها، ومع كثرة الأقوال التي قيلت فيها يرى بعض المحقِقين أنها لم تُصِبْ حقيقتها إذ ليست المحبة من الأمور المحسوسة، وإنما هي من الأمور القلبية الوجدانية التي تعلم بالذوق والوجدان.
يقول الإمام ابن القيم في معنى المحبة: "فحدها وجودها، ولا توصف المحبة بوصف أظهر من المحبة، وإنما يتكلم الناس في أسبابها وموجباتها وعلاماتها وشواهدها وثمراتها وأحكامها، فحدودهم ورسومهم دارت على هذه الستة، وتنوعت بهم العبارات، وكثرت الإشارات بحسب إدراك الشخص ومقامه وحاله وملكه للعبارة"
(3)
.
والسبب في ذلك أن المحبة ليست من الأمور الملموسة التي يشترك الناس في معرفتها ووصفها، ولا تكشف حقيقتها إلا بذوقها ووجودها، وفرق بين ذوق الشيء ووجوده، وبين تصوره والعلم به، فالحدود التي قيلت في المحبة صحيحة ولكنها غير وافية بحقيقتها، بل هي علامات وتنبيهات، وتجري هذه القاعدة على أسماء أخرى تشترك مع المحبة؛ كالمصيبة، والبلية، والشدة، والألم، واللذة، والفرح، والخوف، وغيرها
(1)
هذا فيما يتعلق بمحبة الله سبحانه وتعالى.
(2)
مدارج السالكين (2/ 186).
(3)
مدارج السالكين (3/ 9).