الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مطابقًا للباطن"
(1)
.
*
المسألة الثانية* بيان معنى القاعدة
دلت القاعدة على أصل عظيم من أصول الاعتقاد في الإسلام، وهو أن دين جميع الأنبياء من أولهم إلى آخرهم دين واحد، هو دين الإسلام، ليس للّه تعالى دين سواه، فهو الدين الذي جاءت به الرسل من نوح إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وهو دين اللَّه إلى أن يرث اللَّه الأرض ومن عليها، فجميع الأنبياء وأممهم كانوا مسلمين مؤمنين موحدين، لم يكن قط للّه تعالى دين يقبله، ولا يكون له دين يرضى عنه سوى دين الإسلام.
يقول الإمام ابن تيمية: "فمن لم يقر باطنًا وظاهرًا بأن اللَّه لا يقبل دينًا سوى الإسلام فليس بمسلم"
(2)
.
ويمكن القول بأن الدين المشترك الذي جاء به جميع الأنبياء وهو الإسلام العام يرتكز في الجملة على أصول ثلاثة، ما من دعوة نبي إلا ونادت بهذه الأصول، ودعت إليها، وهي: "الأول: الدعوة إلى اللَّه في إثبات التوحيد، وتقريره، وعبادة اللَّه وحده لا شريك له، وترك عبادة ما سواه.
الثاني: التعريف بالطريق الموصل إليه بإثبات النبوات وما يتفرع عنها من الشرائع، من صلاة وصيام وجهاد، أمرًا ونهيًا، في دائرة أحكام التكليف الخمسة فيقامة العدل، والفضائل، والترغيب والترهيب.
الثالث: التعريف بحال الخليقة بعد الوصول إلى اللَّه: من إثبات
(1)
مجموع الفتاوى (7/ 636).
(2)
مجموع الفتاوى (27/ 463)، وجاء عن ابن جريج في الآية:"ليس للّه دين غيره".
[انظر: تفسير الطبري (3/ 310)].
أمر البرزخ والقبر وما فيه من نعيم وعذاب، وأمر المعاد، واليوم الآخر، والبعث بعد الموت، والجنة والنار، والثواب والعقاب"
(1)
.
يقول الإمام ابن القيم: "والرسل من أولهم إلى خاتمهم - صلوات اللَّه وسلامه عليهم أجمعين - أرسلوا بالدعوة إلى اللَّه، وبيان الطريق الموصل إليه، وبيان حال المدعوين بعد وصولهم إليه، فهذه القواعد الثلاث ضرورية في كل ملة على لسان كل رسول"
(2)
.
يقول الإمام ابن رجب مبينًا معنى الإسلام العام: "ومعنى ذلك: أن دين الأنبياء كلهم دين واحد وهو الإسلام العام، المشتمل على الإيمان باللّه، وملائكته، وكتبه ورسله واليوم الآخر، وعلى توحيد اللَّه وإخلاص الدين له، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة كما قال تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} [البينة: 4، 5] "
(3)
.
ويقول الإمام ابن تيمية: "فالرسل متفقون في الدين الجامع للأصول الاعتقادية والعملية، فالاعتقادية؛ كالإيمان باللّه وبرسوله وباليوم الآخر، والعملية؛ كالأعمال العامة المذكورة في الأنعام والأعراف وسورة بني إسرائيل
…
"
(4)
.
وقال رحمه الله: "وهكذا القرآن، فإنه قرر ما في الكتب المتقدمة من الخبر عن اللَّه وعن اليوم الآخر، وزاد ذلك بيانًا وتفصيلًا وبين الأدلة والبراهين على ذلك، وقرر نبوة الأنبياء كلهم ورسالة المرسلين، وقرر
(1)
انظر: الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان (ص 48 - 49)، للشيخ بكر أبو زيد بتصرف، وقد أجملها الإمام ابن القيم في مدارج السالكين (3/ 348 - 349).
(2)
مدارج السالكين (3/ 348).
(3)
فتح الباري لابن رجب (1/ 17 - 18).
(4)
مجموع الفتاوى (15/ 159).
الشرائع الكلية التي بعث بها الرسل كلهم"
(1)
.
ويقول العلامة ابن عطية: "وأما في المعتقد، فالدين واحد لجميع العالم؛ توحيد، وإيمان بالبعث، وتصديق للرسل، وقد ذكر اللَّه تعالى في كتابه عددًا من الأنبياء شرائعهم مختلفة ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90] فهذا عند العلماء في المعتقدات فقط"
(2)
.
وقال الإمام الشوكاني
(3)
في قوله تعالى: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13]: "أي: لا تختلفوا في التوحيد والإيمان باللّه، وطاعة رسله، وقبول شرائعه، فإن هذه الأمور قد تطابقت عليها الشرائع، وتوافقت فيها الأديان، فلا ينبغي الخلاف في مثلها"
(4)
.
وعرَّف -الإمام المجدد- الشيخ محمد بن عبد الوهاب دين الإسلام بقوله: "الأصل الثاني: معرفة دين الإسلام بالأدلة، وهو الاستسلام للّه بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله"
(5)
.
ومن المعلوم أن الأنبياء إنما بعثوا لتقرير الأصل الأول بخلاف غيره، إذ هي تبع للأصل الأول، فالأصل هو إفراده بالعبادة دون ما سواه، وأنه هو المستحق للعبادة، لا إله غيره ولا رب سواه.
(1)
المصدر نفسه (17/ 44).
(2)
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/ 300 - 201).
(3)
هو: محمد بن علي بن محمد بن عبد اللَّه الشوكاني الصنعاني، اليماني، الفقيه، المجتهد، المحدث، الأصولي. ألف كثيرًا من الكتب النافعة منها: فتح القدير في "التفسير"، ونيل الأوطار شرح منتهى الأخبار، وإرشاد الفحول. توفي سنة 1250 هـ. [انظر ترجمته في: البدر الطالع (2/ 214)، والأعلام للزركلي (6/ 2998)].
(4)
فتح القدير (4/ 530).
(5)
ثلاثة الأصول، ضمن مؤلفات الإمام محمد بن عبد الوهاب (6/ 137).
يقول الإمام ابن تيمية: "والأنبياء إنما بعثوا بالدعوة إلى اللَّه وحده؛ وقد يذكرون المعاد مجملًا ومفصلًا، والقصص قد يذكر بعضهم بعضها مجملًا، وأما الإلهيات فهي الأصل، ولا بد من تفصيل الأمر بعبادة اللَّه وحده دون ما سواه، فلا بد لكل نبي من الأصول الثلاثة؛ الإيمان باللّه، واليوم الآخر، والعمل الصالح"
(1)
.
فهذا هو أصل دعوتهم، وفيه وقع الخلاف بين الرسل وأقوامهم.
يقول -الإمام المجدد- الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "العبادة هي التوحيدُ لأن الخصومة فيه"
(2)
.
ولذا اهتم العلماء بهذا الأصل العظيم، وبه فسروا الإسلام العام والملة المشتركة، والدين الذي جاء به جميع الأنبياء والمرسلين.
يقول الإمام الطبري: "ولكن الدين الواحد الذي لا يقبل غيره التوحيد والإخلاص للّه الذي جاءت به الرسل"
(3)
.
ويقول الإمام ابن تيمية: "فهذا دين الأولين والآخرين من الأنبياء وأتباعهم هو دين الإسلام: وهو عبادة اللَّه وحده لا شريك له وعبادته تعالى في كل زمان ومكان بطاعة رسله عليهم السلام، فلا يكون عابدًا له من عبده بخلاف ما جاءت به رسله"
(4)
.
ويقول ابن كثير
(5)
رحمه الله: "والدين الذي جاءت به الرسل كلهم هو
(1)
مجموع الفتاوى (17/ 125 - 126).
(2)
كتاب التوحيد، للإمام محمد بن عبد الوهاب (ص 9).
(3)
جامع البيان (6/ 269).
(4)
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (1/ 83)، [وانظر: اقتضاء الصراط المستقيم (ص 455)، الرد على المنطقيين (ص 290)].
(5)
هو: إسماعيل بن عمر بن ضوء بن كثير القيسي البصروي، عماد الدين أبو الفداء الحافظ المفسر، له مصنفات عديدة منها: البداية والنهاية في التاريخ، وتفسير القرآن، توفي رحمه الله سنة 774 هـ. [انظر ترجمته في: طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (3/ 85)، وطبقات المفسرين للداوودي (1/ 260)، والبدر الطالع (1/ 153)].
عبادة اللَّه وحده لا شريك له"
(1)
.
وقد جاء في تفسير وصية الأنبياء لأقوامهم عند قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الشورى: 13] أن إقامة الدين الذي وصى به هؤلاء الأنبياء جميعًا هو توحيد اللَّه تعالى وعبادته وحده لا شريك له.
ويقول -الإمام المجدد- محمد بن عبد الوهاب: "وكل أمة بعث اللَّه إليها رسولًا من نوح إلى محمد يأمرهم بعبادة اللَّه وحده، وينهاهم عن عباده الطاغوت"
(2)
.
ويقول الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن آل الشيخ
(3)
: "واعلم أن الدين كلمة جامعة لخصال الخير وأعلاها التوحيد كما تقدم؛ وهو على القلب بالاعتقاد والصدق والمحبة، وعلى اللسان بتقريره وتحقيقه والدعوة إليه واللهج به، وعلى الجوارح بالعمل بمقتضاه، والسعي في وسائله والبعد عن مضاده"
(4)
.
ومما سبق يظهر لنا معنى الإسلام العام، والدين الذي اتفق عليه جميع الأنبياء والمرسلين، من أولهم إلى آخرهم، ألا وهي أصول ثلاثة: التوحيد والنبوات والمعاد، وأن أعظم هذه الأصول وأبرزها في دعوة
(1)
تفسير القرآن العظيم (4/ 110).
(2)
ثلاثة الأصول ضمن مؤلفات الإمام محمد بن عبد الوهاب (6/ 141).
(3)
هو: العلامة المحدث إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، ولد عام: 276 اهـ، من مصنفاته: سلوك الطريق الأحمد، والجوابات المسمعية على الأسئلة الروائية، والرد على أمين العراقي، توفي عام 1319 هـ. [ترجمته في: علماء نجد للبسام (1/ 205 - 206)].
(4)
سلوك الطريق الأحمد (ص 26)، وهي رسالة أجاب فيها الشيخ إسحاق عن سؤال وجه له، وسبب تسميتها أنه قال في مطلعها:"من إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن، إلى الأخ المكرم: عبد اللَّه آل أحمد، وفقنا اللَّه وإياه لسلوك الطريق الأحمد". [انظر: الدرر السنية في الأجوبة النجدية (12/ 393)].