الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو التوحيد وإن اختلفت فروع الشرائع"
(1)
.
والمتأمل في النصوص الشرعية يظهر له العديد من الوجوه الدالة على تقرير معنى القاعدة، وما سبق من النصوص يقوم بالغرض والكفاية في تقريرها وبطرق مختلفة ومتعددة، فبعضها دلَّ على أن الدين عند اللَّه الإسلام، وبعضها دلَّ على أنه ما من نبي أرسل إلى قومه إلا وجاء قومه بالإسلام، وبعضها دلَّ على أن الدين المتقبل عند اللَّه هو الإسلام لا غير، كما أن هناك أدلة كثيرة دلت بكل صراحة ووضوح على أن ما من نبي أُرسل إلى قومه إلا ودعاهم إلى الإسلام العام، والدين المشترك.
*
المسألة الرابعة * أقوال أهل العلم في تقرير معنى القاعدة
لقد تضافرت أقوال العلماء رحمهم الله على تأييد هذه القاعدة واعتمادها والاستدلال بها، وبيان أنها من الأصول الاعتقادية العظيمة لهذا الدين، وفيما يلي أنقل بعض هذه الأقوال التي قررت معنى القاعدة؛ إذ حصر أقوالهم في ذلك وتتبعها مما يصعب جدًا، فمن تلك الأقوال ما يلي:
جاء عن مجاهد
(2)
في قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: 13] يقول: "أوصاك به يا محمد وأنبياءه كلهم بالإسلام دينًا واحدًا"
(3)
.
(1)
فتح الباري (6/ 489).
(2)
هو: الإمام مجاهد بن جبر المكي، أبو الحجاج، شيخ القراء والمفسرين، روى عن ابن عباس فأكثر من الرواية عنه، وعنه أخذ القرآن، والتفسير، والفقه، وروى عن جمع من الصحابة. قيل: كانت سنة وفاته 104 هـ، وقيل: غير ذلك، وكان عمره 83 سنة. [انظر: سير أعلام النبلاء (4/ 449)، والتاريخ الكبير (7/ 411)].
(3)
تفسير مجاهد (2/ 574)، جامع البيان (25/ 15).
ويقول الإمام الطحاوي
(1)
: "ودين اللَّه في الأرض والسماء واحد وهو دين الإسلام، قال اللَّه تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19] "
(2)
.
ويقول الإمام ابن رجب رحمه الله: "ومعنى ذلك: أن دين الأنبياء كلهم دين وحد وهو الإسلام العام"
(3)
.
وقال الإمام ابن تيمية رحمه الله: "فدين الأنبياء واحد وهو دين الإسلام
…
"
(4)
.
ويقول أيضًا: "فدين الأنبياء والمرسلين دين واحد، وإن كان لكل من التوراة والإنجيل والقرآن شرعة ومنهاج"
(5)
.
ويقول الإمام ابن القيم: " {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]؛ يعني: الذي جاء به محمد، وهو دين الأنبياء من أولهم إلى آخرهم، ليس للّه دين سواه،
…
وقد دلَّ قوله: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} على أنه دين جميع أنبيائه ورسله، وأتباعهم من أولهم إلى آخرهم، وأنه لم يكن للّه قط ولا يكون له دين سواه"
(6)
.
وقال رحمه الله: "فالإسلام دين أهل السموات، ودين أهل التوحيد من أهل الأرض، لا يقبل اللَّه من أحدردينًا سواه، فأديان أهل الأرض ستة،
(1)
هو: الإمام العلامة الحافظ صاحب التصانيف البديعة أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزدي الحجري المصري الحنفي الطحاوي، ابن أخت المزني ولد عام (237 هـ)، له كتاب معاني الآثار، وغيره، توفي سنة 321 هـ. [انظر: طبقات الحفاظ (ص 339)].
(2)
شرح العقيدة الطحاوية (2/ 786).
(3)
فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن رجب (1/ 17).
(4)
جامع الرسائل (1/ 283)، الفتاوى (11/ 220)، (15/ 159)، [وانظر كذلك: الجواب الصحيح (1/ 83)، (2/ 128)، ودقائق التفسير (1/ 337)، اقتضاء الصراط المستقيم (ص 455)].
(5)
الجواب الصحيح (1/ 66).
(6)
مدارج السالكين (3/ 476).
واحد للرحمن وخمسة للشيطان، فدين الرحمن هو الإسلام، والتي للشيطان اليهودية والنصرانية والمجوسية والصابئة ودين المشركين"
(1)
.
ويقول الإمام ابن كثير: "والإسلام هو دين الأنبياء جميعًا من أولهم إلى آخرهم وإن تنوعت شرائعهم وتعددت مناهلهم"
(2)
.
ويقول الإمام الشوكاني: "فالتوحيد هو دين العالم؛ أوله وآخره، وسابقه ولاحقه". ويقول رحمه الله: "وبالجملة فكتب اللَّه عز وجل بأسرها، ورسله جميعًا متفقون على التوحيد والدعاء إليه، ونفي الشرك بجميع أقسامه"
(3)
.
ويقول الدهلوي
(4)
: "اعلم أن أصل الدين واحد اتفق عليه الأنبياء عليهم السلام، وإنما الاختلاف في الشرائع والمناهج"
(5)
.
ويقول الشيخ حافظ الحكمي
(6)
: "وقد اتفقت دعوتهم من أولهم إلى آخرهم في أصل الدين؛ وهو توحيد اللَّه عز وجل بإلهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، ونفى ما يضاد ذلك أو ينافي كماله، كما تقدم ذلك
(1)
المصدر نفسه (3/ 476)، ومقصود الإمام ابن القيم من إدخال اليهودية والنصرانية ضمن أديان الشيطان أن ذلك بعد تحريفها، وإلا فهي قبل التحريف أديان صحيحة.
(2)
تفسير القرآن العظيم (2/ 426). وانظر: (1/ 355)، (2/ 200).
(3)
إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات (ص 8، 5).
(4)
هو: أحمد بن عبد الرحيم الفاروقي، الدهلوي، الهندي الملقب (شاه ولي اللَّه) حنفي من المحدثين. له مصنفات كثيرة منها: الفوز الكبير في أصول التفسير، والإنصاف في أسباب الاختلاف، وحجة اللَّه البالغة. توفي سنة 1176 هـ. [انظر: ترجمته في (الأعلام)(1/ 149)، ومعجم المؤلفين (1/ 168)].
(5)
حجة اللَّه البالغة (ص 182).
(6)
هو: العلامة المتفنن الأديب حافظ بن أحمد بن علي الحكمي، من أعلام زمانه في جنوب المملكة العريية السعودية، ولد عام 1342 هـ، من أبرز شيوخه: العلامة عبد اللَّه القرعاوي رحمه الله، برع في علوم كثيرة، له كثير من المؤلفات نظمًا ونثرًا، توفي عام 1377 هـ في مكة وعمره لم يتجاوز السادسة والثلاثين رحمه الله. [انظر ترجمته في: مقدمة كتاب "معارج القبول"، بتحقيق: عمر بن محمود أبو عمر].