الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
المسألة الثانية * بيان معنى القاعدة
القاعدة أفادت أن الإقرار بتوحيد الربوبية، وكون الله تبارك وتعالى هو الخالق والمالك والمدبر هو الأصل الذي يثمر توحيد الألوهية، ويتوصل به إلى توحيد العبادة، كما أنه الأساس والأصل الذي ينبني عليه توحيد الألوهية، وتوحيد الألوهية يتفرع عنه، فهو مصدره وأساسه، فلا يثبت توحيد العبادة، ولا يقوم ولا يصح بدون ثبات أصله وهو الإقرار بالرب تعالى ومعرفته ومعرفة أسمائه وصفاته، وكونه المالك المدبر، العالم بكل شيء، المحيط بجميع ما في الكون.
كما أنه الدليل والحبل الذي يوصل إلى توحيد الألوهية، فإن الذي يخلق ويرزق ويملك ويدبر وله الأسماء الحسنى والصفات العلى، حري بأن يعبد، ويفرد بالخضوع والذل والمحبة، والرغبة والرهبة والخشوع والإنابة والتوكل والصبر.
يقول الإمام ابن القيم: "فيثبت قدم العبد في توحيد الربوبية ثم يرقى منه صاعدًا إلى توحيد الإلهية؛ فإنه إذا تيقن أن الضر والنفع، والعطاء والمنع، والهدى والضلال، والسعادة والشقاء، كل ذلك بيد الله لا بيد غيره، وأنه الذي يقلب القلوب ويصرفها كيف يشاء، وأنه لا موفق إلا من وفقه وأعانه، ولا مخذول إلا من خذله وأهانه وتخلى عنه، وأن أصح القلوب، وأسلمها، وأقومها، وأرقها، وأصفاها، وأشدها، وألينها، من اتخذه وحده إلهًا ومعبودًا، فكان أحب إليه من كل ما سواه، وأخوف عنده من كل ما سواه، وأرجى له من كل ما سواه، فتتقدم محبته في قلبه جميع المحاب، فتنساق المحاب تبعًا لها كما ينساق الجيش تبعًا للسلطان، ويتقدم خوفه في قلبه جميع المخوفات، فتنساق المخاوف كلها تبعًا لخوفه، ويتقدم رجاؤه في قلبه جميع الرجاء، فينساق كل رجاء تبعًا لرجائه.
فهذا علامة توحيد الإلهية في هذا القلب، والباب الذي دخل إليه منه توحيد الربوبية، أي: باب توحيد الإلهية هو توحيد الربوبية، فإن أول ما يتعلق القلب يتعلق بتوحيد الربوبية، ثم يرتقي إلى توحيد الإلهية، كما يدعو الله سبحانه عباده في كتابه بهذا النوع من التوحيد إلى النوع الآخر، ويحتج عليهم به، ويقررهم به، ثم يخبر أنهم ينقضونه بشركهم به في الإلهية"
(1)
.
فلا يحصل ولا يتحقق توحيد العبادة إلا بتحقيق توحيد الربوبية، فهو الباب والمفتاح الذي يفتح القلوب لتصل إلى هذه الغاية العظيمة، وتحقق الحكمة الشرعية من خلق الإنس والجن وهي إلهية الله تعالى وإفراده عز وجل بالعبادة.
ويقول الإمام ابن أبي العز الحنفي: "فإن توحيد الربوبية لا يحتاج إلى دليل؛ فإنه مركوز في الفطر، وأقرب ما ينظر فيه المرء أمر نفسه لما كان نطفة وقد خرج من بين الصلب والترائب، والترائب: عظام الصدر، ثم صارت تلك النطفة في قرار مكين في ظلمات ثلاث، وانقطع عنها تدبير الأبوين وسائر الخلائق، ولو كانت موضوعة على لوح أو طبق واجتمع حكماء العالم على أن يصوروا منها شيئًا لم يقدروا، ومحال توهم عمل الطبائع فيها؛ لأنها موات عاجزة، ولا توصف بحياة، ولن يتأتى من الموات فعل وتدبير، فإذا تفكر في ذلك وانتقال هذه النطفة من حال إلى حال علم بذلك توحيد الربوبية، فانتقل منه إلى توحيد الإلهية؛ فإنه إذا علم بالعقل أن له ربًا أوجده كيف يليق به أن يعبد غيره، وكلما تفكر وتدبر ازداد يقينًا وتوحيدًا، والله الموفق لا رب غيره، ولا إله سواه"
(2)
.
فذكر رحمه الله أن توحيد الربوبية لا يحتاج إلى دليل؛ وذلك لأنه
(1)
مدارج السالكين (1/ 411).
(2)
شرح العقيدة الطحاوية (ص 274).