الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يغفر لفاعله"
(1)
.
ويقول الشيخ أحمد ولي الله الدهلوي في بيان طرق الشرك وأسبابه: "ومعظم الخطأ شيئان: أن يعتقد في الواجب صفات المخلوق، أو يعتقد في المخلوق صفات الواجب، فالأول هو التشبيه، ومنشؤه قياس الغائب على الشاهد، والثاني هو الإشراك ومنشؤه رؤية الآثار الخارقة من المخلوقين فيظن أنها مضافة إليهم بمعنى الخلق وأنها ذاتية لهم"
(2)
.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: "والقرآن من أوله إلى آخره، يبين أن الشرك تشبيه المخلوق بالخالق في العبادة، على أي وجه كان، كما قال تعالى عن المشركين: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98)} [الشعراء: 97، 98] "
(3)
.
وقال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ: "وأصل الشرك: تشبيه المخلوق بالخالق"
(4)
.
*
المسألة الخامسة * فوائد القاعدة وتطبيقاتها
دلت القاعدة على عدة أمور وفوائد، فمن ذلك ما يلي:
أولًا: دلت القاعدة على أن التشبيه بنوعيه خاصة تشبيه المخلوق بالخالق يستلزم الشرك بالله وعبادة الأوثان، فالتشبيه هو الأصل، وعبادة غيره سبحانه وتعالى هي فرع لازم لذلك الأصل، ثم إن فساد هذا الفرع الذي هو
(1)
تجريد التوحيد المفيد (ص 29 - 30).
(2)
حجة الله البالغة، للدهلوي (ص 118).
(3)
الدرر السخية في الأجوبة النجدية (11/ 220).
(4)
مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (3/ 247).
الشرك بالله العظيم، وقبحه وبطلانه دالٌ على فساد أصله وبطلانه؛ إذ فساد الفرع اللازم قال على فساد أصله الملزوم، وكل أصل فهو علة لفرعه وموجب له.
يقول الإمام ابن تيمية: "كذلك الأعمال المحرمة التي تورث مفاسد؛ كشرب الخمر الذي يصد عن ذكر الله تعالى، وعن الصلاة، ويوقع العداوة والبغضاء، فهذه المفاسد الناشئة من هذا العمل هي فرع لازم للأصل، ففسادها يدل على فساد الأصل، وهكذا كل أصل فهو علة لفرعه وموجب له"
(1)
.
ثانيًا: من المعلوم أن التشبيه والتمثيل المذموم بين الله وخلقه هو وصف الله تعالى بصفات المخلوقين، أو وصف المخلوقين بصفات الرب تبارك وتعالى، وذلك بخلاف وصف الله تعالى بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فليس في ذلك أدنى تشبيه، ولا شائبة تمثيل، بل هو أصل الإيمان، وأساس الإسلام؛ أي: وصف الله تعالى بصفات الكمال وتنزيهه عن سائر صفات النقص والعيب والعجز.
هذا الإثبات لصفات الله تعالى هو منهج القرآن الذي جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من عند ربه، وعليه سار صحابته الكرام، وسلف الأمة وعلماؤها من بعدهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، حاشا أهل الكلام فإنهم لم يكتب لهم التوفيق في السير على هذا المنهج النبوي القويم، ففروا من التشبيه الذي زعموه وتوهموه في إثبات الصفات إلى تشبيه الله تعالى بالناقصات العاجزات، بل بالأموات بل المعدومات.
يقول الإمام ابن القيم: "حقيقة الشرك: هو التشبه بالخالق والتشبيه للمخلوق به، هذا هو التشبيه في الحقيقة لا إثبات صفات الكمال التي وصف الله بها نفسه، ووصفه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فعكس من نكس الله
(1)
انظر: بيان تلبيس الجهمية (1/ 456).
قلبه، وأعمى عين بصيرته، وأركسه بلبسه الأمر، وجعل التوحيد تشبيهًا، والتشبيه تعظيمًا وطاعة، فالمشرك مشبه للمخلوق بالخالق في خصائص الإلهية، فإن من خصائص الإلهية التفرد بملك الضر، والنفع، والعطاء، والمنع، وذلك يوجب تعليق الدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل به وحده، فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق، وجعل من لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا أفضل من غيره تشبيهًا بمن له الأمر كله،
…
فمن أقبح التشبيه تشبيه هذا العاجز الفقير بالذات بالقادر الغني بالذات"
(1)
.
ويقول أيضًا: "وإنما كان التمثيل والتشبيه في الأمم حيث شبهوا أوثانهم ومعبوديهم به في الإلهية، وهذا التشبيه هو أصل عبادة الأصنام، فأعرض عنه وعن بيان بطلانه أهل الكلام، وصرفوا العناية إلى إنكار تشبيهه بالخلق الذي لم تعرف أمة من الأمم عليه، وبالغوا فيه حتى نفوا به عنه صفات الكمال.
وهذا موضع مهم نافع جدًا، به يعرف الفرق بين ما نزَّه الرب سبحانه نفسه عنه وذم به المشركين المشبهين العادلين به خلقه، وبين ما ينفيه الجهمية المعطلة من صفات كماله، ويزعمون أن القرآن دل عليه وأريد به نفيه.
والقرآن مملوء من إبطال أن يكون في المخلوقات ما يشبه الرب تعالى، أو يماثله، فهذا هو الذي قصد بالقرآن إبطالًا لما عليه المشركون والمشبهون العادلون بالله تعالى غيره"
(2)
.
ثالثًا: أن تشبيه المخلوق بالخالق في شيء من خصائصه، أو وصف الخالق بصفات المخلوق يُعَدُّ كفرًا بواحًا وشركًا صراحًا لا نصيب
(1)
الجواب الكافي لابن القيم (ص 94 - 95)، وانظر: تيسير العزيز الحميد (ص 91).
(2)
إغاثة اللهفان (2/ 228).
لصاحبه في إسلام ولا دين، وذلك لما اشتمل عليه من تَنَقُّص الرب سبحانه وتعالى، ورفع للمخلوق فوق منزلته، بل هو تأليه للمخلوق ومساواته بالله العلي العظيم.
يقول الشيخ سليمان آل الشيخ: "وما الظن والاحتمال فيمن شَبَّه المخلوق بالخالق في خصائص ألوهيته؛ من دعائه بما لا يقدر على دفعه أو جلبه إلا الله وحده، والتوكل عليه، ورجاؤه، والالتجاء إليه، وذبح القربان والنذر له؛ ليدفع عنه ما حَلَّ به، أو ينال ما أمَّله منه، إما معتقدًا في الضرر والنفع، والعطاء والمنع، وإما راجيًا شفاعته متقربًا بعبادته، فهل له احتمال واحد مُؤَدٍّ إلى الإيمان مع هذا الكفر الحقيقي والبهتان، فإن هذا الاعتقاد مناف لقوله الكلمة الطيبة، وإقراره بها في مجرد اللسان، وإذًا فلا يصح منه سائر ما عمله ظاهرًا من بقية الأركان"
(1)
.
(1)
التوضيح عن توحيد الخلاق (ص 198).